تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

صواريخ أربيل.. من المسؤول؟

هجوم أربيل
AvaToday caption
ما حدث في مطار أربيل، وما سيحدث لاحقا، ليس غريبا ولا عجيبا، وكان على القيادات الكوردية أن تتوقعه وأن تحذر منه، من زمن طويل
posted onFebruary 20, 2021
noتعليق

إبراهيم الزبيدي

مقدّما لا تهتم هذه المقالة بتفاصيل الأضرار التي ألحقتها الصواريخ الإيرانية الأخيرة بمطار أربيل والقاعدة الأميركية القريبة منه، ولا بردّات الفعل الأميركية والكوردستانية والبغدادية الكاظمية، ولا حتى بالنهج الإيراني المعتاد الذي نجد فيه إيران، دائما، وعلى امتداد أربعين سنة، تسارع إلى إعلان براءتها من أمثال كل عمل إرهابي تقوم به ميليشياتها العراقية واللبنانية والسورية واليمنية والأفغانية والباكستانية، رغم أنه من غير المعقول أن يقوم أحد من وكلائها برمي عقب سيجارة على أي سفارة أو مطار أو مدرسة أو سوق شعبي أو مسجد أو كنيسة أو حسينية في أي بلد في المنطقة والعالم دون أوامر مباشرة ومحددة ومفصلة ومبرمجة يُصدرها أحد المسؤولين الإيرانيين عن العمليات الخارجية، والكثير منها يتم، عادة، بمتفجرات أو صواريخ أو ألغام أو مسيرات تضبطها أجهزة التحقيق وعليها علامات تكشف أصلها وفصلها، وآثارُ الأصابع الإيرانية عليها.

وفي ما يتعلق بالصواريخ الأخيرة التي أعلنت عن مسؤولية إطلاقها منظمة وهمية باسم “سرايا أولياء الدم”، وهي لعبة إيرانية متكرّرة للتمويه تعودت إيران على تلفيقها لتنفذ من مسؤوليتها القانونية، فقد أثبتت التحقيقات الأوّلية أنها واحدة من سلسلة عمليات لجأ إليها المسؤول الإيراني المكلّف بمتابعة مسألة انسحاب القوات الأميركية من العراق طيلة السنتين الماضيتين، ويلجأ إليها اليوم لملاعبة الرئيس الأميركي جو بايدن من أجل حمله على أن يكون باراك أوباما الملطَّف، وليس دونالد ترامب المخفَّف.

فكل هذه الأمور كتب عنها كثيرون من زملائنا الكتّاب والمحللين العسكريين والسياسيين ولم يُبقوا لنا فيها شيئا يضاف.

ولكن الذي تريد هذه المقالة أن تركز عليه هو مسؤولية القيادات السياسية الكوردية الحاكمة في أربيل والسليمانية، لا فقط عن الصواريخ الأخيرة التي فاجأت حكومة كوردستان، وأحرجت حكومة مصطفى الكاظمي، وأزعجت أميركا، بل عن جميع ما سبقها من صواريخ ومتفجّرات وحملات تهجير وتخريب وترهيب وتشليح ونهب وتهريب تمت منذ العام 2003 في العراق، سواء تلك التي نظمها ونفذها الحرس الثوري بأيدي “مجاهديه” مباشرة، أو قام بها حزب أو ميليشيا من صنعه وتمويله وتسليحه وتوجيهه، أو “طرف ملثم ثالث” يكون في حقيقته، أيضا، إيرانيَّ الهوية والولاء.

فقد اختار القادة السياسيون الكورد أن يتحالفوا مع الوكلاء العراقيين للنظام الإيراني وحرسه الثوري منذ العام 1990 في “لجنة العمل المشترك” في دمشق، ثم في مؤتمر بيروت 1990، ثم مؤتمر فيينا، ثم مؤتمرات نيويورك ولندن وصلاح الدين، وكانوا معهم دائما يفضلون الخلوة في الطوابق العليا من الفنادق التي يعقدون فيها مؤتمرات المعارضة العراقية، فيتخذون قراراتها وحدهم ويُنزِّلونها على الرعية كاللوح المحفوظ.

وحين جاؤوا يدا بيد، مع الاحتلال الأميركي – الإيراني للعراق، أفردت لهم الأحزاب الإسلامية، بوصاية من إيران، مكانة أكبر بكثير جدا من أي حليف آخر في مجلس الحكم سيء الصيت، ومنحتهم حقوق المشاركة في تفصيل الحكومة على مزاجهم، ووفق مصالح أحزابهم وأسرهم وعشائرهم، دون أي اعتراض، مقابل سكوت القيادات الكوردية عن تحويل الدولة التي كان اسمها العـراق إلى محـافظة من محافظات الجمهورية الإسلامية في إيران، والسماح لنوري المالكي وإبراهيم الجعفري وآل الحكيم وآل الصدر وهادي العامري وقيس الخزعلي وأبومهدي المهندس بأن يصبحوا رؤساء ووزراء وأصحاب ميليشيات، وبأن يكون قاسم سليماني رئيس الرؤساء ووزير الوزراء، رغم أنهم يعلمون أكثر من غيرهم بأن هؤلاء مزوّرون، ملفقون، متآمرون، غدارون لا يؤتمنون، لا يعنيهم الوطن العراقي ولا أهله بشيء، وأن البعد عنهم غنيمة لأشخاصهم وأسرهم وأحزابهم وجماهير شعبهم الكوردي الذي يستحق حلفاء أفضل ذوي شهامة وشرف ووفاء.

ولولا ذلك التحالف المسموم بين قادة الحزبين الكورديين وجماعة “أقتل القتيل وامش في جنازته” لكان للعراقيين، اليوم، عربا وكوردا، وطنٌ سليم ومعافى، عادل وعاقل يحترم نفسه وشعبه، وبلا صواريخ ومفخخات ومتفجرات وكواتم صوت وطرف ثالث ملثم يغتال في الظلام وتسجل الجريمة ضد مجهول.

ما حدث في مطار أربيل، وما سيحدث لاحقا، ليس غريبا ولا عجيبا، وكان على القيادات الكوردية أن تتوقعه وأن تحذر منه، من زمن طويل.

والشيء بالشيء يذكّر. فمنذ زمن بعيد لم يبق سياسي أو كاتب أو خبير عراقي عربي أو كوردي مخلص وصادق ومحب لشعب كوردستان العراق إلا ونصح قادة الجبهة الكوردستانية وقال لهم إن الذي يأتمن العقارب والأفاعي ويضعها في عبّه لا بد أن تلدغه ذات يوم، فقط حين تتغير المصالح وتتبدّل الظروف. وإن الذي يبيع وطنه وأهله لدولة أجنبية ويرهن نفسه وحزبه لأوامر مخابراتها لن يتورّع، أبدا، عن بيع حليفه وشريكه، فقط، حين تجيئه الأوامر من وراء الحدود.

وتحويل السليمانية إلى مربط فرس لنظام الولي الفقيه وجعل أربيل مزرعة خالصة لسلطنة أردوغان، لن يحميهما من غارات جيوش الاثنين ولا من صواريخ وكلائهما القتلة المتمرسين في الطعن في الظهر وفي الظلام.

أما الخاسرُ الوحيد من كل ذلك التحالف الرديء، فهو الإنسان البريء في القسم الكوردي من العراق وشقيقه المبتلى في القسم الآخر منه. هذه هي الحقيقة، وإن كره الكارهون.