تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

عاصمة "الإدارة الذاتية" تحت التهديد التركي

قوات روسية في شمال شرق سوريا
AvaToday caption
تتعامل "قوات سوريا الديمقراطية" مع ما تشهده مناطقها من مناوشات عسكرية تركية بصورة حذرة، إذ تعلن أنها ترد على القصف بشكل يومي، وتفتح باب المرحلة المقبلة من زاوية الموقف الأمريكي الجديد، والذي سيتكوّن بعد صدور نتائج الانتخابات الرئاسية
posted onNovember 2, 2020
noتعليق

في أيامه الأخيرة شهد شهر أكتوبر تبادلا مكثفا للرسائل بين الدول الفاعلة في الملف السوري، وخاصة روسيا وتركيا، اللتان تتشاطران في الميدان جغرافيات مناطق عدة، على رأسها إدلب في الشمال الغربي، وصولا إلى الشرق، حيث تسيطر "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، المدعومة من التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

لم تكن الرسائل المتبادلة شفوية أو ضمن تصريحات سياسية كما هو المعتاد، بل كانت بالنار، إذ خطت تفاصيلها ضربات جوية من الطائرات الحربية من جهة، وأخرى بقذائف الهاون والمدفعية، والتي كان لها وقعا خاصا، ولاسيما على منطقة "عين عيسى" التي تعتبر العاصمة الإدارية والسياسية لـ "الإدارة الذاتية" (الكوردية) في الشمال الشرقي لسوريا.

وكانت "عين عيسى" في الريف الشمالي للرقة قد شهدت، في الأيام الماضية، قصفا غير معتاد من جانب فصائل "الجيش الوطني" والجيش التركي، جاء عقب بدء قوات الأسد والقوات الروسية الانسحاب منها بشكل مفاجئ، بمعدل رتلين بشكل يومي، ما فتح باب الحديث عن تجهيزات تعمل عليها أنقرة لقضم مناطق جديدة من "قسد" في شرق الفرات، وذلك بعد أشهر من سبات في الجبهات، التي كانت قد تغيرت بشكل كامل منذ أكثر من عام، في أثناء بدء عملية "نبع السلام" من جانب الجيش التركي.

ولاتزال أنقرة تعبر عن نيتها إبعاد أي خطر على طول حدودها الجنوبية مع سوريا، وعلى الرغم من سيطرتها على المساحة الممتدة بين مدينتي رأس العين (سريكاني) وتل أبيض (گریسبي)، إلا أنها "غير راضية" عن هذا الحد فقط، وهو أمر يؤكد عليه المسؤولون العسكريون والسياسيون الأتراك بين الفترة والأخرى.

ويتفق المحللون أن تركيا تتحرك على طول حدودها بـ "استراتيجية النفس الطويل"، وهو ما تم تطبيقه في مناطق "درع الفرات" وعملية "غصن الزيتون"، ومؤخرا عملية "نبع السلام"، والتي لم تكتمل حتى الآن، وقد تستكملها أنقرة على طول الشريط الحدودي، في أي وقت، وحين تسمح لها الظروف بذلك، بعد تلقي الضوء الأخضر من القوى الدولية الأخرى الفاعلة في المنطقة، على رأسها واشنطن.

منذ سنوات وبناء على المعطيات التي شهدها الميدان السوري لم تكن للعمليات العسكرية من جانب أنقرة أو غيرها من الدول الفاعلة أن تتم إلا بوجود تحركات تمهيدية لها، وهو ما بدا مؤخراً في شرق سوريا، إذ أعلن الجيش التركي وعلى عدة مرات قتل عناصر من "قوات سوريا الديمقراطية"، في أثناء إقدامهم على عمليات تسلل باتجاه منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، وهو الأمر الذي تعتبره أنقرة تهديداً يهدد مصالحها و"أمنها القومي".

وتزامن ما سبق مع تصريحات من متحدث الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، في مطلع أكتوبر الماضي، قال فيها إن الاتفاقيتين اللتين أبرمتهما تركيا مع روسيا والولايات المتحدة في شرق سوريا، تتضمنان عبارة "تركيا تحتفظ بحقها في الدفاع عن النفس والتدخل ضد أي كيان إرهابي"، مشيرا إلى أن "هذا البند يمنح تركيا حق الدفاع عن نفسها، والتدخل في المنطقة إذا تعرضت أراضيها أو وجودها في ذلك البلد سواء من حيث الجنود أو الموظفون المدنيون أو عمال الإغاثة أو غيرهم لهجوم من قبل المنظمات الإرهابية".

وأوضح متحدث الرئاسة التركية: "تركيا لديها حق التدخل في أي لحظة ضد بي كا كا (حزب العمال الكوردستاني) أو كيان تابع لداعش في سوريا والعراق أو أي مكان آخر، وقد يكون هناك تدخل في أي لحظة".

الباحث في الشأن الكوردي، بدر ملا رشيد، لا يستبعد في حديث لـقناة "الحرة" الأميركية، حدوث عملية عسكرية جديدة على شرق الفرات من قبل تركيا، نتيجة عدة أسباب، أولها: زيادة التوتر بين الجانبين التركي والروسي في عدة ملفاتٍ محلية وإقليمية، بالإضافة إلى حدوث توتر بين تركيا والاتحاد الأوروبي والأخص فرنسا، التي يتواجد لها مستشارون ضمن قوات التحالف الدولي شمال شرق سوريا.

ويضيف الباحث أن تركيا وحتى اليوم لها مطالبات من الجانب الروسي والأميركي بتطبيق اتفاقية أردوغان- مايك بينس، ولاحقا اتفاق سوتشي بين "أردوغان" ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، والمتمحور حول إيقاف عملية "نبع السلام" مقابل انسحاب "وحدات حماية الشعب" (عماد قسد العسكري) لمسافة 30 كيلومتراً عن جنوب الحدود التركية السورية.

وتقول تركيا إن الاتفاقية المذكورة لم يتم تطبيقها حتى الآن، وتضعه ذريعة لأي عملية عسكرية مرتقبة على المنطقة.

ووفق الباحث الكوردي، فإن "التأخر في الوصول لاتفاق بين المجلس الوطني الكوردي وأحزاب التحالف الوطني الكوردي وعلى رأسها PYD  يلقي بظلاله أيضا على إمكانية قيام الولايات المتحدة بإيقاف رغبة الجانب التركي بتنفيذ وتوسيع عملياته شرق الفرات".

وبات من المعروف أن من أهم مطالب الولايات المتحدة و"المجلس الوطني الكوردي" هو مغادرة العناصر غير سوريين من ضمن صفوف "وحدات حماية الشعب"، ومن الأجهزة الإدارية شرق الفرات.

ليست أنقرة هي الوحيدة التي تتصدر مشهد شرق الفرات في الوقت الحالي بمناوشاتها العسكرية، فهناك قوىً أخرى لا يمكن أن تسمح بمرحلة جديدة للمنطقة، إلا بموافقتها، ولاسيما أميركا، التي كانت قد اصطدمت مؤخرا مع روسيا على الأرض، في أثناء تسيير الأخيرة دوريات عسكرية لها، للوصول إلى آبار النفط.

وحاولت روسيا مؤخرا كسب "قسد" إلى صفها، من أجل توسيع نفوذها في المنطقة، ولإحداث أمر واقع قد يضغط على واشنطن، لكنها فشلت في ذلك، وهو ما ترجم مؤخرا على لسان قائد "قسد"، مظلوم عبدي، معتبرا أن دخول الروس إلى شرق سوريا كان بموافقة منهم، وجاء بسبب الانسحاب الأمريكي.

الحد الذي وضعته "قسد" أمام موسكو وعدم التجاوب الكامل، دفع الأخيرة وفق محللين إلى مسارٍ آخر، من شأنه أن يليّن موقف الأولى، لتتجه بذلك إلى أنقرة، والتي لوحت بعملية عسكرية مرتقبة، في حال لم يتم إكمال بنود اتفاق "سوتشي".

الباحث الكوردي المقيم في القامشلي، شفان إبراهيم ربط حدوث أي عملية عسكرية من جانب تركيا على شرق الفرات بمدى تطبيق اتفاقية "سوتشي"، الموقعة في نوفمبر 2019 بين تركيا وروسيا.

ويقول الباحث إن روسيا تدرك أن ورقتها الأكثر حدية وخطورة عل مستقبل "قسد" تتجسد بالانسحاب من عين عيسى، ما يعني أن "مناطق مثل تل رفعت ومنغ وتل تمر والدرباسية ستكون تحت خطر شبح التهديد التركي".

وتشكّل بلدة "عين عيسى" العاصمة السياسية والإدارية لـ "الإدارة الذاتية" شمال شرق سوريا، وسقوطها هو الضربة القاصمة لهذا المشروع، بحسب "شفان إبراهيم".

ويوضح الباحث "في الوقت الحالي انتقل تواجد الإدارة الذاتية إلى الرقة، لكن لا تزال التداولات السياسية والإدارية والاقتصادية تتم تحت اسم عين عيسى"، مشيراً إلى أنه "ليس من السهل تغيير العاصمة أو المقر الأساسي خلال لحظات الحرب".

ولا تبعد "عين عيسى" سوى 55 كيلومتراً عن مدينة الرقة باتجاه الشمال الغربي، وكانت قبل عام 2011 ناحية إدارية في منطقة گریسبی بمحافظة الرقة، لتُضم فيما بعد إلى منطقة "عين العرب" (كوباني).

وفي حال السيطرة على "عين عيسى" من جانب فصائل "الجيش الوطني" وتركيا، يشير الباحث شفان إبراهيم إلى أن "المشروع السياسي للإدارة الذاتية سيكون في آخر مراحله، وخاصةً أنها خسرت في وقت سابق نقاطا ومناطق أساسية تعتبر ركائز وحوامل لها".

وإلى ما هو أبعد من البلدة إلى الشريط الحدودي مع تركيا من رأس العين إلى الدرباسية والمالكية في أقصى الشرق، يتوقع الباحث الكوردي أن يبقى من دون أي تغيير إلى حين "توضيح السياسية الأميركية الجديدة في المنطقة، ومدى جديتها في الحفاظ عليه، خاصة كونه يمثل عقدة المواصلات البرية والنهرية الأهم في المنطقة كلها، وطريق نقل النفط والغاز".

ويعتقد إبراهيم أن الحدود الحالية لا تزال "أمنية هشة"، بالرغم من عدم تغييرها منذ قرابة سبعة أشهر، وتحويل خرائطها إلى ثابتة يستلزم المزيد من التوافقات والترسميات الأكثر جدية، وما يتبعها من تغيرات في هياكل الحكم المحلي، وإعادة الهيكليات الأمنية والعسكرية والسياسية سواء لـ"الإدارة الذاتية" أو توضيح مصير عفرين ورأس العين وتل أبيض، من حيث: هل ستصبح تابعة لتركيا بالمطلق، وفق ما يترتب عليه من توافق مع روسيا، أو عودتها إلى أهلها الفعليين، وهو ما يعني جود خطوط علاقة عميقة جديدة بين الكرد وتركيا.

تتعامل "قوات سوريا الديمقراطية" مع ما تشهده مناطقها من مناوشات عسكرية تركية بصورة حذرة، إذ تعلن أنها ترد على القصف بشكل يومي، وتفتح باب المرحلة المقبلة من زاوية الموقف الأمريكي الجديد، والذي سيتكوّن بعد صدور نتائج الانتخابات الرئاسية.

رياض درار الرئيس المشترك لـ"مجلس سوريا الديمقراطية" (الذراع السياسي لقسد) يقول: "لا أدري بما يفكر التركي حول المنطقة"، مستبعداً حدوث أي عملية عسكرية واسعة في الأيام المقبلة، مقارباً بذلك ما تحدث به المبعوث الأمريكي إلى سوريا، جيمس جيفري بأنه لا يوجد إمكانية لتغيير ديمغرافي جديد.

ويضيف درار في تصريحات لـ "موقع الحرة": "ربما يكون هناك تبادل قصف كلامي أو مدفعي بين الروس والأتراك (في إشارة له إلى عين عيسى)، لكن في النتيجة لن يصل الأمر إلى حدود تغيير المواقع، وربما يلتقون في وقت لاحق لحسم ذلك في سوتشي أو أستانة".

وفيما يخص واشنطن ووجودها في شرق سوريا يرى الرئيس المشترك لـ "مسد" أن "الحاجة الأميركية للبقاء في المنطقة هو ضرورة، إذ لا يمكن لأميركا أن تحمي وجودها المتبقي في العراق وآملها في حسابات السياسة إلا بالبقاء في شرق سوريا (...) وجودها هو نقطة القوة في حضورها في أي اتفاق سياسي، وفي حال خرجت فقد تضطر للخروج من الشرق الأوسط ككل".

وفي سياق ما سبق يتوقع الباحث، بدر ملا رشيد أن تستمر المناوشات في الشرق إلى فترة طويلة ما دامت الأطراف الدولية المتحكمة بالملف السوري لم تصل إلى صيغة توافق، سواءً فيما يخص العملية السياسية المتمثلة بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، أو توافق فيما يخص مصير القوى العسكرية شرق وغرب الفرات.

ويقول: "ستستمر الدول المتحكمة بالملف السوري باستخدام ورقة تنفيذ عمليات عسكرية إلى حين الوصول لصيغة توافق حول الملفين السياسي والعسكري".