يزداد الحصار الأميركي على إيران وطأة عبر العقوبات الاقتصادية وغيرها من الضغوط، ولكن الإيرانيين يردّون على الأرض عبر محاولة إيجاد حلفاء وعرابين يعززون نفوذهم في المنطقة، وهاهم الآن يلجأون إلى أسلوب خطير، عبر محاولة نشر التشيع في سوريا.
إذ تحاول طهران تحسين شروط التفاوض في صراعها مع الولايات المتحدة عبر اللعبة التي تتقنها بشكل جيد، وهي كسب الولاءات على الأرض، وفرض أمر واقع على واشنطن وحلفائها، وهي تقوم حالياً بهذه اللعبة تحديداً في شمال شرقي سوريا.
وبحسب معلومات حصلت عليها "هافنغتون بوست" الأمريكية فإن "الميليشيات الإيرانية الموجودة في سوريا تعمل على إنجاح إحدى تلك المعادلات، من خلال كسب «ولاءات» السكان في منطقة شرق الفرات"، وهي المناطق التي تسيطر عليها القوات الكوردية المدعومة أميركياً.
بل تعمد إيران لاستغلال السخط بين العشائر العربية من الحكم الكوردي في مناطق بشمال شرقي سوريا، عبر نشر التشيع في أوساط هذه العشائر بمساعدة النظام السوري الذي تقوده نخبة علوية موالية لإيران.
طريق الإمبراطورية
بالطبع، فإن قلب الطاولة على واشنطن في منطقة شرق الفرات الاستراتيجية سيُحدث فرقاً كبيراً في موازين اللعبة، وخاصة بالنسبة لطهران، وفي صراع النفوذ مع الولايات المتحدة.
وتعتبر طهران هذه المنطقة، التي سيطرت عليها القوات الموالية لإيران، بمثابة نقطة العبور الرئيسية بين العراق وسوريا، والواقعة على الممر الذي يربط إيران بساحل البحر الأبيض المتوسط.
إذ تكتسب المنطقة، (التي يبدو أن العرب قد نسوها)، أهمية خاصة للإيرانيين لأنها تربط بين العاصمة السورية دمشق، معقل النظام، وكذلك لبنان حيث يوجد حزب الله، وبين الأراضي الإيرانية عبر مناطق نفوذهم في العراق.
فهي منطقة مهمة للإمبراطورية الفارسية الجديدة التي لا يخجل كثير من القادة الإيرانيين من الحديث عنها.
كما أن نقاط العبور الاستراتيجية في الفرات تُدرّ أرباحاً كثيرة على من يسيطر عليها، وذلك بفضل الضرائب التي يدفعها عابرو هذه النقاط.
وخلال فترة الحرب ظهرت العديد من الأعمال غير المشروعة في هذه النقاط. وأوضح مدير شبكة دير الزور 24، عمر أبو ليلى، أن إيران تضع كل ثقلها في الريف الشرقي لدير الزور، وتحديداً على الامتداد القائم من مدينة «موحسن» وحتى مدينة «البوكمال» الملاصقة للحدود العراقية.
وقال عمر أبو ليلى "إن إيران تعمل على نشر المذهب الشيعي بشكل كبير في المنطقة، إضافة إلى تعليم اللغة الفارسية للشباب، وكل ذلك لكسب «ولاء» السكان"، على حد قوله.
ولفت إلى أن إيران أرسلت «عرّابين» لها إلى تلك المنطقة، بهدف التواصل مع السكان وضمان بقاء وجودها أطول مدة ممكنة.
"إنهم يشترون الولاء"..
كشف أبو ليلى عن وجود ما وصفه بـ «حملات التشيع في سوريا»، تحديداً في شرق الفرات، وهي المناطق التي تسيطر عليها القوات الكوردية المدعومة أميركياً. وأشار إلى أن «عرّابي» إيران يتواصلون مع السكان شرق الفرات من الذين ينتمون لنفس العشائر الموجودة جنوب نهر الفرات (المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري وإيران).
وقال إن طهران تدفع مبالغ طائلة مقابل «حملات التشييع» هذه، وقال إن «في الضفة الأخرى بات هناك أشخاص تابعون لإيران ويدينون لها بالولاء».
وأعطى مثالاً بواقعة وثقتها الشبكة التي يديرها، وهي قدوم بعض السكان من الطرف الذي تسيطر عليه القوات الكوردية إلى الضفة الأخرى، حيث التقوا «العرابين» التابعين لإيران، دون معرفة تفاصيل أخرى عما دار في اللقاء.
ولفت إلى أن الميليشيات الإيرانية تستفيد من السخط السكاني ذات التكتل العشائري العربي الموجود شرق الفرات، على القوات الكردية، نتيجة سوء معاملتهم لهذه العشائر.
السكان يفضلون عودة النظام
أحمد الخليل، وهو اسم مستعار لشاب يعيش في ألمانيا، لكن عائلته ما زالت في مدينة «الكسرة» الواقعة شرق الفرات، قال إن عائلته تلقى معاملة سيئة من القوات الكوردية، علاوة على ذلك فإن تلك القوات لا تسمح للسكان الأصليين بالمشاركة في إدارة المدينة، إضافة إلى انعدام الخدمات الأساسية من تعليم وصحة.
وأكد الخليل أن هناك تواصلاً بين سكان المدينة مع أقاربهم في القرى الأخرى القريبة منهم، الواقعة تحت سيطرة النظام السوري.
وأضاف "هناك تفاوض من قبل الأهالي مع النظام وربما مع من يتبعون لإيران»، وفسر ذلك بالقول: «هناك سخط بين الأهالي على سوء المعاملة من القوات الكوردية لهم".
على رجال الدين والدولة رفع الأذان الشيعي
كان النظام السوري والميليشيات الإيرانية قد فرضا رفع الأذان على المذهب الشيعي، في ريف دير الزور الشرقي، وعلى الأخص في مدينتي البوكمال والميادين، بحسب ما ذكرته وكالة الأناضول التركية، يوم الإثنين الماضي.
ونقلت الوكالة عن مصادر محلية قولها إنّ قوات النظام اعتقلت 20 إماماً ومؤذناً رفضوا النداء للصلاة وفق المذهب الشيعي.
وأضافت المصادر أن ذلك يأتي في إطار محاولات «تشييع» تستهدف السكان ورجال الدين وموظفي الدولة بالمنطقة، من قبل مجموعات تابعة لإيران بدعم من النظام. ولكن ليس هذا أسلوب إيران الوحيد لنشر التشيُّع في سوريا.
توطين عائلات أخرى في هذه الأماكن
فقد شهدت مدينتا البوكمال والميادين نقل عائلات إيرانية إليها، وأوضحت شبكة «الفرات بوست» وهي شبكة تنقل الأخبار عن المنطقة الشرقية من سوريا، أن ميليشيا الحرس الثوري الإيراني وضعت يدها على نحو 50 منزلاً في مدينة الميادين، إضافة إلى عشرات المنازل الأخرى في حيي الجمعيات السكنية والمساكن وشارع «المعري» في مدينة البوكمال القريبة من الحدود العراقية.
ولفتت الشبكة إلى أن تلك الميليشيات جلبت عائلات مقاتليها من العراق للعيش في تلك المنازل، وقدرت أعدادهم بنحو 300 شخص بين نساء وأطفال، وذلك ضمن خطط طويلة الأمد للبقاء في سوريا.
تعليم الأطفال وسيلتهم لتثبيت أقدامهم
وأقدمت إيران على عدة خطوات لتعزيز وجودها في المنطقة ونشر التشيع في سوريا المنسية، كما يمكن أن توصف هذه المنطقة. فقد ذكر ناشطون أن مدينة دير الزور شهدت افتتاح مركز ثقافي إيراني، وأعلن المركز عن تقديم المنح الدراسية للطلاب الحاصلين على الشهادة الثانوية للالتحاق بإحدى الجامعات الإيرانية.
كما افتتح المركز دورات لتعليم اللغة الفارسية، وبحسب ناشطين من المدينة فإن إيران افتتحت مؤخراً ثلاث مدارس في مدينة «البوكمال»، ومدرسة واحدة في «الميادين»، بريف دير الزور الشرقي القريب من الحدود العراقية، بكادر تعليمي إيراني.
وتضم هذه المدارس 250 طفلاً أعمارهم تتراوح بين 8 سنوات و15 سنة، ويحصل كل طفل على 10 آلاف ليرة سورية (24 دولاراً أميركياً) راتباً شهرياً.
غسيل عقول للصغار بطريقة طائفية
إيران تسعى لـ «فرض ثقافتها المذهبية الطائفية»، حسبما قال رياض الحسن، أمين سر الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري المعارض.
وقال الحسن إن "اللجوء إلى غسل عقول الأطفال وتغيير تفكيرهم بطريقة طائفية، وتجهيزهم ليكونوا مقاتلين في المستقبل، هي جرائم حرب جديدة"، حسب تعبيره.
ودعا المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان إلى «وقف جرائم إيران التي استغلت الأوضاع المعيشية الصعبة في مدن وقرى ريف دير الزور، بعد سنوات من المعاناة مع استبداد نظام الأسد ووحشية تنظيم الدولة (داعش)».