تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

حزب الله والترسيم: ترميم الوصاية!

الحدود اللبنانية الإسرائيلية
AvaToday caption
تخلى حزب الله وحليفه عن ملف ترسيم الحدود. وافق الثنائي على وضع الحجر الأساسي لرحلة التطبيع مع إسرائيل. تخلى الثنائي عن الملف مسلما إياه إلى رئيس الجمهورية ميشال عون بصفته المخول وفق الدستور بالاشراف على المعاهدات الدولية
posted onOctober 5, 2020
noتعليق

محمد قواص

ما كُتب عن الزيارة قبل حدوثها توقع أن يبحث شينكر مع المسؤولين اللبنانيين ملف ترسيم الحدود اللبنانية الإسرائيلية المكلف بمتابعته عن كثب.

قبل أسابيع من الزيارة أبلغ رئيس مجلس النواب اللبناني (زعيم حركة أمل) نبيه بري جريدة النهار اللبنانية أن مفاوضات ترسيم الحدود باتت "في خواتيمها"، بما أوحى أن الدبلوماسي الأميركي الكبير قادم لتفعيل تلك الخواتيم. لكنه لم يفعل. رفض شينكر لقاء المسؤولين اللبنانيين. جال في لبنان وكأن لا حكم ولا حكام فيه، وأعلن أنه لن يلتقي إلا بشخصيات من المجتمع المدني المعارضة للمنظومة السياسية في البلد.

نقلت إحدى هذه الشخصيات أن شينكر شنّ هجوماً لاذعاً ضد بري على نحو لم يفهم الحاضرون معناه وصداه إلا بعد أن غادر الرجل البلد عائدا إلى بلاده.

من واشنطن جاء معنى غضب شنكر. اتخذت إدارة الرئيس دونالد ترامب إجراء لافتا بقرارها فرض عقوبات على المساعد السياسي لبري، الوزير علي حسن خليل، إضافة إلى الوزير  يوسف فنيانوس المقرب من الزعيم الماروني الشمالي سليمان فرنجية. فهم بري رسالة واشنطن جيداً، وفهم حزب الله أن واشنطن ذاهبة إلى تجاوز المحرمات في استهداف حلفاء الحزب من الشيعة وغير الشيعة على السواء.

في الأول من الشهر الجاري أعلن بري التوصل إلى اتفاق إطار لبدء المفاوضات حول ترسيم الحدود اللبنانية الإسرائيلية بحرا وبراً. قدم الرجل الأمر بصفته نزاعاً تقنيا بين دولتين يتم حله عبر الخبراء والقانونيين والعسكر من الجهتين، على أن يبرم بعد ذلك اتفاق بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية ورعاية الأمم المتحدة.

لم يتحدث بري عن "العدو الإسرائيلي"، تحدث عن دولة معترف بها دوليا ستفاوض دولة أخرى معترف بها دوليا تحت سقف دولة لطالما وصفتها إيران وحزبها في لبنان بـ "الشيطان الأكبر" ومنظمة أممية تمثل المجتمع الدولي الذي لطالما سخر أمين عام ذلك الحزب منه ومن منظمته وقراراتها ومحكمتها. وقد أتت استجابة الثنائي الشيعي لضغوط واشنطن وعقوباتها بعد أقل من 10 أشهر (يناير الماضي) على إعلان نصر الله من بيروت معركة كل تيار المقاومة لطرد القوات الأميركية من المنطقة.

تخلى حزب الله وحليفه عن ملف ترسيم الحدود. وافق الثنائي على وضع الحجر الأساسي لرحلة التطبيع مع إسرائيل. تخلى الثنائي عن الملف مسلما إياه إلى رئيس الجمهورية ميشال عون بصفته المخول وفق الدستور بالاشراف على المعاهدات الدولية.

جاء كلام حليف حزب الله وولده المدلل قبل حوالي ثلاث سنوات من إبرام الإمارات والبحرين اتفاق سلام مع إسرائيل

في أواخر ديسمبر 2017 فاجأ جبران باسيل، صهر عون ورئيس التيار الوطني الحر وحليف حزب الله، ومن على شاشة قناة الميادين القريبة من الحزب، فاجأ الرأي العام اللبناني بتصريحات لافته. سُئل حول ما إذا كان التطبيع بات واقعا، فأجاب أن "ليس لدينا قضية إيديولوجية ولسنا رافضين لوجود إسرائيل التي من حقها أن تعيش بأمان (...) لكن نريد لكل الشعوب أن تعيش بأمان وتعترف بعضها ببعض".

جاء كلام حليف حزب الله وولده المدلل قبل حوالي ثلاث سنوات من إبرام الإمارات والبحرين اتفاق سلام مع إسرائيل. وفيما راج لدى الدولتين أن روحية الاتفاقيتين هدفهما إشعار إسرائيل بأن العرب منفتحون على السلام وأن الأمر سيشجع إسرائيل على الاندفاع إلى السلام، سبق حليف حزب الله أبو ظبي والمنامة في الكلام عن الامان والاعتراف المتبادل. وفيما ربطت الإمارات الاتفاق بقرار إسرائيل وقف الضم في الضفة الغربية وأكدت مع البحرين تمسكهما بحقوق الشعب الفلسطيني، فإن باسيل لم يشترط ذلك ولا ربط موقفه وموقف لبنان بمواقف الآخرين.

في منتصف أغسطس الماضي، أي بعد أسبوعين على كارثة مرفأ بيروت، وفي عزّ الضغوط الفرنسية الدولية على منظومة الحكم في لبنان، سألت قناة BFM الفرنسية الإخبارية الرئيس العون في مقابلة أجريت معه في قصر بعبدا حول ما إذا كان لبنان مستعدا لصنع السلام مع إسرائيل. لم يظهر أن السؤال كان مباغتا، لا بل كان واضحا أنه من جملة الأسئلة المتفق عليها. أجاب عون باللغة الفرنسية قائلا: "لدينا مشاكل مع إسرائيل وعلينا حلها أولا".

منذ الوصاية السورية المتوازية والملحقة بالوصاية الإيرانية درج ساسة الممانعة على ترداد أن لبنان سيكون "آخر من يوقع معاهدة سلم مع إسرائيل". وقد كان مفهوما أن يقال عقائديا ومبدئيا أن البلد لن يوقع أبدا سلاما مع إسرائيل، أما أن يقال أنه سيكون آخر من يفعل ذلك ففي الأمر تسليم بوضاعة البلد وتبعيته وغياب سيادته وتغييب مصالحه. وفيما تتضارب التكهنات حول لائحة الدول العربية المرشحة لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، يأتي الإعلان من بيروت عن مفاوضات لترسيم الحدود بمثابة اعتراف لبناني إيراني بأن لإسرائيل "الحق في الوجود"، وفق تعبير باسيل، وأن لبنان سيكون مساهما في ترسيم وتأكيد أحد أضلاع حدودها. شيء لم تفعله الإمارات والبحرين.

يثبت حزب الله من جديد أنه مهيمن على البلد وعلى قراره وأن تواطؤه في موضوع ترسيم حدودي بنكهة التطبيع يهدف إلى التجديد لتلك الهيمنة، فيما بقية الفرقاء في لبنان، خصوصا المعارضين للحزب، صمٌ بكمٌ لا يتكلمون.