تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

العهر في زمن الكورونا

إحدى السيطرات العراقية
AvaToday caption
اني على علم بكل ما ستقوله على مستوى الوضع العام للبلد. أخبرني فكل الغرائب والعجائب قد حصلت في هذا البلد الاسير بين انياب المافيات السياسية
posted onMay 29, 2020
noتعليق

رياض عبدالنبي العبادي

(قصة من نسج الخيال مع لمسات من الواقع)

التقيت قبل يومين بأحد الاصدقاء من من يتخذ سيارته  الخاصة سبيل للرزق وسبيلا لكسب قوت عياله، تخرج الرجل من احد المعاهد العلمية قبل 23عام وكم حاول الحصول على وظيفة حكومية بعد 2003 الا انه لم يفلح حتى انه دفع المال ووسط من يعرفهم من وجهاء المجتمع، عله يحصل على ذلك التعيين الحكومي لكن محاولاته هذه كلها باءت بالفشل بسبب عدم انتمائه لأي جهة سياسية او حزبية او ذات نفوذ في الوسط السياسي او الامني.

مما اضطره ان يطرق باب احد معارفه لاقتراض المال كي يشتري سيارة يسترزق من خلالها وبما ان ذلك القريب يعمل مع احد الاحزاب المتنفذة في السلطة العراقية ولديه الكثير من المال وتعود على النهب والفرهود بطرق شتى من خلال  استغلال موقع واسم  حزبه، ـعطاه المال  مقابل ان تكون له حصة من واردات هذا المشروع الاستراتيجي الكبير، اضطر صاحبنا ان ياخذ المبلغ وفق هذا الشرط وبدأ العمل بعد ان  اشترى السيارة التي يعمل بها منذ اعوام مقتسما واردها بين اسرته وبين ذلك الرجل المؤمن ذو اللحية الجميلة والخواتم الثمينة التي كانت تزين كفيه.

أنا شخصيا كنت اعرف حال صديقي هذا لكن حين التقيته هذه المرة وجدته على غير حال حيث الهم باد عليه كما لو انه وقع في ورطة وبعد سؤالي عن احواله  اخبرني ظروفه وتراجع واردات مشروعه عقب تفشي وباء كورونا وكيف انه عاد يجلس في بيته طوال اليوم  تارة ينظر الى اسرته التي تعّول عليه كممول وحيد لها واخرى يلقي نظره نحو سيارته القابعة امام باب بيته منذ اسابيع بسبب قوانين الحضر الصحي. قلت له ما الامر يا صاح هل من شيء يستحق كل هذا الحزن وانا اعرفك رجل مؤمن لاتبتهج كثيرا بنعم هذه الدنيا وزينتها وانك كم حدثتني انها لا قيمة لها في نفسك الا كعابر سبيل، وما تعول عليه هو الدار الاخرة.

قال لي ماذا اخبرك يا صديقي ان الدولة لم ترتق للمستوى الذي كنا او بتنا اليوم نطمح اليه كمؤسسة مدنية تتخذ من مبدأ العدل والمساواة مرتكز لسياستها الاجتماعية في التعامل بين ابناء الشعب الواحد، أو كأم تحنو على ابنائها من  الطبقات الفقير تتحسس الامهم وتستقصي ظروفهم المعيشية، ونحن اليوم كمواطنين من الطبقات البسيطة لانشعر في ظل نظامها الاداري الاكما  يشعر الاسير بين يدي اسريه.

ياصديقي ماذا اخبرك عن سوء التعامل الذي تمارسه بعض بل اغلب المؤسسات الامنية الحكومية والاجنحة العسكرية للأحزاب مع المواطن الذي لاينتمي لحزب او كيان سياسي او نفوذ اجتماعي او وجاهة دينية وكانهم الفاتحون وما نحن الا شعب مستعمر.

قُلت له هذه ليست جديدة الكل يعرف حجم فساد السلطات الثلاث التي تقود البلد، فرد علي لكن يا اخي هناك تمييز اجتماعي وانتقائية يمارس من قبل اجهزة امنية اعتقدنا حياديتها ووثقنا بعدلها فؤلائك الرجال عادة ما ينحدرون من عوام الشعب، ومن الطبقات غير المترفة. عندها بدى يراودني هاجس الفضول شعرت ان صاحبي يواجه او واجه امر ما  جعله يحمل كل هذا الهم في نفسه وكل هذه المرارة التي تطبق على فكره.

أخبرني يا اخي مالجديد ونحن متفقون ان الدولة يعشعش الفساد في كل مفاصلها منذ ان بدأ مشروعها الاصلاحي، بما اطلق عليه حينها مصطلح  العراق الجديد، ذلك الاصطلاح الذي كان يبعث الامل في نفوس العراقيين بعد معاناة ٣٥عام من القهر والاضطهاد ومصادرة الحريات خلال فترة حكم النظام المقبور، اطلعني يا اخي عن ما حصل معك بالضبط  رغم اني على علم بكل ما ستقوله على مستوى الوضع العام للبلد. أخبرني فكل الغرائب والعجائب قد حصلت في هذا البلد الاسير بين انياب المافيات السياسية، لن ادهش عما ستقول فكل امر وارد ولن اكذبه بعد ان اصبح العراق سوق لتسويق المشاريع السياسية الدولية والاقليمية، حتى استنزفت كل طاقاته الاقتصادية والبشرية وبعدما دجنت عقول الكثير من ابنائه حتى انتزعت الهوية الوطنية من قلوبهم وعقولهم، التي باتت لاتتألم لواقع البلد المتردي والمزرى، تألمها لظروف بلدان الجوار فأصبحت سياسات تلك البلدان هي ما يهمهم وسمعتها ووزنها الدولي ومصالحها كل ماترقص له طربا افئدتهم، الامر الذي جعل العراق في عقولهم مجرد عنوان وحقل لحصاد المال والمناصب والترف الاجتماعي لا اكثر.

انبئني يا صديقي مع ان ماستخبرني به لا يعدو ان يكون الا واحدة من محطات كثيرة جعلت العراق يتقهقر بين بلدان العالم الثالث كأنموذج للفساد والاستهتار بمصالح قرابة ٤٠ مليون عراقي. عندها بدا صاحبي حديثه قائلا: قبل ثلاثة ايام بينما كنت عائدا بسيارتي تلك من مركز محافظتنا الجنوبية نحو قريتنا، بعد ان اوصلت احد الاشخاص الى المدينة وحين وصلت الى احدى السيطرات اوقفني مجموعة من  رجال الامن احدهم مدني واخران  يرتديان الزي العسكري، خاطبني احدهم  بالجملة المعتادة لدى السيطرات من اين اتيت والى اين تروم الذهاب الاتعلم ان هناك حضر وان البلد مستنفر كل طاقاته لمحاصرة وباء كورونا، وانك الان تخرق القانون وتكسر الحضر وان وان، ظل يتحدث ويلقي علي المواعظ بينما ذهب بصري نحو الشارع وانا اشاهد عدد من السيارات الفاخرة تجتاز تلك السيطرة بين حين واخر بكل يسر ودون ان يوقفهم احد من رجال الامن،  او حتى ان يطيل النظر نحوهم. رجل بصحبته امرأة يستقلون سيارة فاخرة ومجموعة رجال يرتدون الزي العربي ايضا عبروا السيطرة بسيارتهم الخاصة، وشابة  فاتنة كانت تقود سيارتها الفخمة يبدوا عليها امارات الأنفة واللامبالات بكل قوانين الدولة، ومسؤولون في الدولة يبدوا انهم مسؤولون على مستوى المحافظة او الاقضية ورجل دين كانت ايضا سيارته الفارهة، قد اجتازت السيطرة بكل سهولة، ليس هذا وحسب ما اثار استغرابي رأيت صبيا لايتجاوز سنه السادسة عشر  يبدو عليه سيماء الترف الحزبي يعبر السيطرة بمجرد انه رفع يده محييا احد اصحاب الرتب العسكرية. كانت كل هذه الاحداث تجري امامي وانا جالس امام مقود سيارتي استمع لتأنيب ذلك الرجل وهو يوبخني، باعتباري خرقت القانون وكسرت الحضر، الذي يخيم على كل سكان الكرة الارضية. انهى كلماته بطلب هويتي واجازة السوق مع مستمسكات السيارة، اعطيته كل ما طلب من اوراق عدى اجازة السياقة التي لم اكن امتلكها اصلا، عندها زادت نبرة رجل الامن شدة نحوي. قائلا: تخرق القانون وتتجاوز الحضر وايضا لا تمتلك اجازة قيادة المركبة  فأخبرته يا سيادة رجل الامن انا لم اخرج بطرا ولاخارقا للحضر،  كل ما اخرجني هو ان رجل من قريتنا استأجرني لإيصاله الى مركز المحافظة وانا لست مذنبا واني  احب القانون واحترمه واتمنى ان يسري ويفعل على الجميع بالتساوي .

 ما انا يا سيدي الا طالب رزق في هذه الظروف القاسية، ولدي اسرة ينتظرون ما سأعود لهم به من مغنم، فرد علي لابد من ترحيلك الى مقر الفوج كي ينظر امرالقاطع  بأمرك، عندها تدخل رجل الامن الذي كان يرتدي ملابس مدنية، قائلا: وقعه على تعهد وليمض في سبيله.

 ما ان انهى رجل الامن المدني كلماته تلك حتى شعرت ببعض الارتياح الامر هين، يبدو لن يحبسوني الحمد لله ولن يحجروني بحجة شكوك انني مصاب  بكورونا كما حصل مع الكثيرين. ما ان ان تنفست الصعداء، حتى القي في حجري ورقة وقعتها كتعهد ان لا اكرر هذه الجريمة مرة اخرى، وان فعلتها لن الوم الانفسي بحسب تعبير احد الواقفين من رجال الامن.

ياصديقي وقعت التعهد وكأنني مجرم وقعته وانا احدث نفسي لماذا لم يوقع اصحاب السيارات أولائك الذين مروا قبل قليل عبر السيطرة بما فيهم الصبي صاحب السيارة الفخمة، والشابة التي كانت تنظر لهم بازدراء، اخبرني انت لماذا؟، قلت له لا اعرف  لكن كان عليك قبل ان تستمع لكلمات رجال الامن النابية، وتوبيخهم لك ان تتصل بالوزير او (بكاظم شغاتي). عندها قهقه صاحبي ضاحكا حتى كاد يغمى عليه من الضحك فما كان مني الا ان اتركه وامضي لسبيلي وانا اردد في نفسي متى سيطبق القانون على الجميع ويكون جميع العراقيين تحت سلطان قانون عادل، لا يميز بين عراقي واخر ولا احد فوقه مهما كبر منصبه، متى يا ترى واول اجابة حصلت عليها من اعماق نفسي  سيحصل ذلك ان كفت دول الجوار التدخل بشؤون بلدنا. وحصلنا على سيادة البلد وقراره الوطني وحكمه رجال لايرون غير مصلحة بلدهم يحملون ضمائر حية وروح وطنية لن تقبل القسمة على بلدين