تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

إيران وتركيا منافسة على كعكة آسيا الوسطى

رئيسا إيران وتركيا
AvaToday caption
تحافظ إيران وتركيا على علاقة جيدة بينهما، خاصة الشق الاقتصادي منها، على الرغم من الأزمات التي تعصف بالبلدين. فإيران بالنسبة لتركيا مصدر هام لإمدادات النفط والغاز وسوق تجاري كبير، إضافة إلى كونها محطة للعبور إلى آسيا الوسطى
posted onMay 4, 2020
noتعليق

منذ أن احتضنت آسيا الوسطى طريق الحرير، الذي كان شاهدًا على ميلاد التواصل بين الشرق والغرب؛ احتدم التنافس بين دول العالم على امتلاك موطئ قدمٍ في تلك البقعة من العالم، لما تتمتع به من موقع إستراتيجي وموارد طبيعية، لا سيما الغاز والبترول. إذ يحتوي بحر قزوين على ثاني أكبر احتياطي للنفط والغاز في العالم، يقدر بحوالي 48 مليار برميل من النفط، و9 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي.

وبالرغم من مرور مياه كثيرة تحت الجسور لا يزال مسرح هذه الجمهوريات الخارجة من عباءة الاتحاد السوفيتي المنهار، يشهد اليوم تنافسًا بين أنقرة وطهران، سعيًا وراء تحقيق أهداف إستراتيجية واقتصادية وسياسية، لتعزيز موقفيهما على الصعيدين المحلي والدولي.

تركيا؛ «نجم الشمال» لدول آسيا الوسطى

إلى جانب الإرث التاريخي والمذهبي واللغة المشتركة، كانت تركيا من أوائل الدول التي سارعت للاعتراف بدول آسيا الوسطى عقب استقلالها عن الاتحاد السوفيتي في تسعينات القرن الماضي، واكتسبت صداقة معظم حكومات تلك المنطقة.

فقد أعرب وزير الخارجية الأذربيجاني آنذاك، توفيق قاسيموف عن امتنانه للدور التركي، ووصفها بالمساعد الأكبر لبلاده، التي تسعى لتشكيل روابط سياسية مع العالم، ومن الناحية الاقتصادية، تجمع البلدين شراكات متعددة، من بينها طرق نقل الطاقة مثل خط أنابيب باكو،  وتيبلسي، وجيهان. ووصف رئيس قرغيزستان، عسكر أكاييف، تركيا بأنها «نجم الشمال» التي يجب أن يهتدوا بها.

ولا تختلف تركمانستان كثيرًا، إذ كانت تركيا أول من اعترف بهذه الدولة الوليدة عند استقلالها وعززت الروابط التجارية والاستثمارات بين البلدين. أما أوزبكستان، البلد الأكبر مساحة في آسيا الوسطى والأكثر أهمية، فقد كانت أيضًا على علاقة «طيبة» مع تركيا منذ استقلالها وزار رئيسها تركيا كأول رئيس من أمة الترك يزور أنقرة.

تركيا تتجاوز الأزمات مع روسيا وترحب بالشراكات مع الصين

تركيا التي تشهد توترًا ليس فقط في علاقتها بالغرب، ولكن أيضًا مع جيرانها في الشرق الأوسط الذين يغرق الكثير منهم في مستنقعات سياسية وعسكرية واقتصادية؛ لم تجد بدًا من تركيز بوصلتها نحو آسيا الوسطى لدعم اقتصادها وتوفير احتياجاتها من الطاقة، التي تحصل على معظمها من روسيا وإيران، وهي بحاجة إلى تأمين بديل.

وكان أن قبلت أنقرة بدور روسيا المهيمن في آسيا الوسطى واختارت التعاون معها، وأظهرت حكومة البلدين قدرة على تجاوز الأزمات إثر إسقاط المقاتلة الروسية «SU-24» في 2015. وأصبحت تركيا ترحب بالنشاط الاقتصادي للصين، القوة الأخرى في المنطقة، وترى أن مبادرة «الحزام والطريق» التي أطلقتها الصين على خطى طريق الحرير القديم، تدعم بدورها مشروع «الممر الأوسط» التركي في منطقة أوراسيا.

ووفقًا لخطة أنقرة، فإن هذا الممر الذي يقطع جورجيا وأذربيجان وبحر قزوين يكمل طريق الحزام الصيني. وفي حين أن 96% من البضائع لا تزال تُنقل عبر البحر والجو من الصين إلى أوروبا، تؤكد أنقرة أن الممر الأوسط يقلل الرحلة بمقدار 15 يومًا، فهو بالتالي يوفر ممرًا سلسًا للبضائع الصينية.

ومن أجل هذه الغاية، تخطط أنقرة لربط خط سكة الحديد باكو – تبلسي – كارس، الذي افتُتح في 2017 بكازخستان وتركمانستان عبر بحر قزوين. فميناء تركمانستان البحري بنته شركة تركية وبدأ العمل فيه في 2018. ووقعت الحكومتان الصينية والتركية مذكرة تفاهم بشأن مواءمة مبادرة الحزام وطريق والممر الأوسط في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 في قمة مجموعة العشرين التي عقدت في إيطاليا.

الاستثمارات التركية: سباق لتعويض الفرص الفائتة في آسيا الوسطى

الاستثمار التركي في بلدان آسيا الوسطى متواجد منذ القرن الماضي، ويتزايد مع تزايد اهتمام تركيا بترسيخ أقدامها في المنطقة. فيبلغ حجم الاستثمارات التركية في كازاخستان حوالي 2.4 مليار، خاصة في مجالي الاتصالات والطاقة، من بين 50 مليار دولار هي إجمالي حجم الاستثمار الأجنبي. كذلك ارتفعت التجارة التركية – الكازاخية من 236 مليون دولار في 1995 إلى 3 مليارات دولار عام 2010.

وفي قرغيزستان، تلعب تركيا دورًا حاسمًا في اقتصاد البلاد، إذ ارتفعت التجارة الثنائية بين البلدين من 43 مليون في 2005 إلى 160 مليون في 2010، وأصبحت تركيا خامس أكبر مستثمر أجنبي في البلاد. وفي تركمانستان، تعتبر تركيا أكبر مستثمر في البلاد وثاني أكبر شريك تجاري لها، فمنذ 2013 نفذت أكثر من 600 شركة تركية أكثر من 1270 مشروعًا استثماريًا بقيمة 15 مليار دولار. وقفزت التجارة الثنائية بين البلدين من 168 مليون دولار في عام 1995 إلى 1.5 مليار عام 2010.

وفي أوزباكستان ترى الشراكة التجارية التركية ظاهرة للعيان في كل مكان؛ إذ نمت التجارة الثنائية بين البلدين من 200 مليون دولار في 1995 إلى أكثر من مليار دولار في 2015. وفي 2017 زار الرئيس الأوزبكي شوكت ميرزيوييف أنقرة ووقعت اتفاقات بين البلدين لتنفيذ 35 مشروعًا بقيمة تزيد على 3.5 مليار دولار لبناء مرافق للطاقة والبنية التحتية والطرق وغيرها.

وبنظرة عامة على بلدان آسيا الوسطى، نجد أن حجم التجارة التركية بلغ 6 مليار دولار في 2018، وقيمة استثمار الشركات التركية بلغت 15 مليار دولار، وتجاوزت القيمة الإجمالية التي أنجزتها شركات المقاولات التركية في المنطقة 86 مليار دولار، إذ تعمل 4 آلاف شركة تركية على الأرض هناك، وفقًا لوزارة الخارجية التركية.

علم الأمريكي والإيراني

إيران؛ الهروب من الشرك الأمريكي إلى البراح الآسيوي

على غرار تركيا، عملت إيران على توثيق علاقاتها بدول آسيا الوسطى منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وكانت من أوائل الدول التي اعترفت باستقلالهم. واستطاعت طهران بفضل الرابطة الثقافية واللغوية، خاصة في الشمال، مع هذه الدول، أن توثق روابطها مع المنطقة عبر القوة الناعمة والعلاقات الدبلوماسية، على الرغم من تخوف حكومات الدول الوليدة من طبيعة الحكم الديني في إيران، وعدم رغبتها في أن يلعب أحد دور الأخ الأكبر عليها.

ومع فرض العقوبات الأمريكية على إيران، سعت الأخيرة لتركيز جهودها على آسيا الوسطى لتخلق بذلك مجالًا حيويًا يكسر عنها الحصار. وتتمتع إيران بميزة القرب الجغرافي من المنطقة، وبكونها منفذًا لهذه الدول الحبيسة إلى العالم، لا سيما كونها أقرب نقطة نحو مياه الخليج العربي، التي هي نقطة تبادل تجاري لهذه الدول مع العالم.

وقد سعت إيران أيضًا لربط المنطقة عبر شبكات سكك حديد، كان آخرها ما أعلن عنه وزير النقل الإيراني من أن إيران تعمل على تحويل ممر السكة الحديد الممتد من إيران إلى تركمانستان وكازاخستان إلى منطقة اقتصادية حرة.

وتشير التوقعات إلى ارتفاع حركة المرور عبر هذا الخط بنسبة 20 – 30% وهو ما يعوض الكثير من الخسائر الناتجة عن ضعف تجارة إيران البحرية مع هذه الدول نتيجة العقوبات المفروضة عليها والتي لا تستطيع حكومات دول آسيا الوسطى مواجهتها.

وقدمت روسيا حزمة مساعدات لإيران لاستكمال هذا الخط بحلول 2024 الأمر الذي سيمكن روسيا من تطويق نفوذ الصين في المنطقة، نظرًا لأنه يقلل من التجارة عبر بحر قزوين المهمة بالنسبة للصين.

"مد وجزر" الاستثمارات الإيرانية في آسيا الوسطى

على الرغم من أن هذه الدول لا تستطيع سد احتياجات إيران جميعها في ظل العقوبات المفروضة عليها خاصة التكنولوجيا المتطورة، إلا أنها أرض خصبة للاستثمار والتبادل التجاري بين البلدين. فبعد تحسن العلاقات بين أوزباكستان وطهران بعد تولي شوكت ميرزاييف الحكم في البلاد، بلغ حجم التجارة بين البلدين 306 ملايين دولار بنهاية عام 2018.

وعلى الرغم من الروابط الثقافية واللغوية المشتركة، شهدت العلاقات بين طهران وطاجيكستان توترًا على المستوى السياسي انخفض على أثره التبادل التجاري من 295 مليون دولار عام 2013 إلى 97 مليون دولار فقط في 2018.

فيما بقيت العلاقات الاقتصادية الكازاخية مع إيران عند مستوى جيد على الرغم من العقوبات، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 520 مليون دولار في 2018. أما بالنسبة لقرغيزستان، فتحافظ إيران على علاقات دبلوماسية جيدة معها، خاصة في السنوات الأخيرة؛ إذ نما حجم التبادل التجاري بين البلدين من 15 مليون دولار في 2016 إلى 47 مليون دولار في 2018. فيما يفوق التبادل التجاري مع الشريك التجاري الأكبر لإيران في آسيا الوسطى، تركمانستان، المليار دولار.

إيران وتركيا: تنافس حذر على الربع المتبقي من الكعكة

تحافظ إيران وتركيا على علاقة جيدة بينهما، خاصة الشق الاقتصادي منها، على الرغم من الأزمات التي تعصف بالبلدين. فإيران بالنسبة لتركيا مصدر هام لإمدادات النفط والغاز وسوق تجاري كبير، إضافة إلى كونها محطة للعبور إلى آسيا الوسطى. وتركيا مستورد رئيس للطاقة، وبوابة للوصول إلى أسواق أوروبا، وهذا التوازن الاقتصادي يؤثر بشكل أو بآخر على إبقاء العلاقات السياسية في نصابها بين البلدين.

ولكن بالتوازي مع هذا تسعى الدولتان لتعزيز وجودهما في آسيا الوسطى، وتتنافسان على شراكة القوى الكبرى الفاعلة في المنطقة. فإيران من ناحيتها، تسعى لتسوية الخلافات السياسية وتعزيز التعاون الاقتصادي، واستضافت لجنتين اقتصاديتين بحضور وفود من طاجيكستان وقرغيزستان، وعُقدت ثالثة في طشقند، كما أطلقت رحلات جوية مباشرة لأربع مدن في آسيا الوسطى: ألماتي، وطشقند، ودوشاني، وبيشكيك.

أما تركيا التي تتمتع بعلاقات أكثر دفئًا مع دول المنطقة، وتسعى لأن تكون مركزًا إقليميًا للطاقة من خلال الربط بين دول الموارد الطبيعية في الشرق والمستهلكين في أوروبا، تفتقد لميزة القرب الجغرافي؛ الأمر الذي يجعلها تعتمد على إيران التي تتمتع بالنفوذ الجغرافي.

وفي حين استفادت تركيا من الفراغ الإيراني في أسواق آسيا الوسطى عقب العقوبات الأمريكية؛ لاسيما في سوق التكنولوجيا والاتصالات كما عبر عن ذلك وزير الاتصالات الإيراني، عزفت إيران هي الأخرى على وتر التبعية التركية، ورفعت تعرفة المرور على المركبات التركية وتوقفت عن تزويدها بالوقود عامي 2014 و2015.

في ظل هذا الاعتماد الإجباري، سعت تركيا لإيجاد طريق بديل عبر بحر قزوين؛ فكثفت جهودها لتدشين مشاريع في تلك المنطقة. ففي عام 2017، أكد عطا سيرداروف سفير تركمانستان في تركيا أن الطريق عبر ميناء آلات في أذربيجان إلى ميناء تركمانستان يستطيع أن يغطي كل التجارة التركية.

ووقعت تركيا على اتفاقية أخرى مشابهة مع كازاخستان في 2018، وانضمت إلى لجنة التنسيق في الممر الأوسط (طريق النقل الدولي عبر بحر قزوين) التي أنشأتها أذربيجان، وجورجيا، وكازاخستان، عام 2013.

وبينما يتجدد أمل تركيا في إنفاذ خطط الطرق البديلة في بحر قزوين، مع حل الخلافات التي تؤخرها في تركمانستان وأذربيجان، تسعى إيران لعقد اتفاقات مرور بري وتعزيز للموانئ البحرية التي تربطها بهذه الدول، لتبقى على خريطة النقل والعبور النفطي والتجاري مع الدول الأخرى.

ويبقى التنافس الحذر، والسير على خيط رفيع لضبط العلاقات بين إيران وتركيا من جهة، وعلاقتهما بالدول الكبرى المهيمنة من جهة أخرى، مستمرًا.