بينما يبقى العالم مشغولا في البحث عن علاج لفايروس كورونا المستجد، تقدم التكنولوجيا، خاصة تكنولوجيا الاتصالات والذكاء الاصطناعي، حلولاً تطبيقية للمساعدة في الحد من انتشار الوباء، ومن أبرز وسائل التقنية التي تم استخدامها لاحتواء الأزمة، الطائرات المُسيرة التي تقوم بدوريات لمراقبة مدى التزام الناس بالقوانين المفروضة في ما يتعلق بالتباعد الاجتماعي والتجول في الأماكن العامة، فضلاً عن بث تعليمات الوقاية صوتياً، وتعقيم الأماكن العامة التي تحتاج تطهيراً منتظماً، وقياس درجة حرارة الأفراد في الأماكن العامة باستخدام الأشعة تحت الحمراء عالية الدقة.
كما استخدمت الروبوتات بشكل كبير لمواجهة فايروس كورونا، إلى جانب تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي يمكن اعتمادها لتشخيص حالات فايروس كورونا في وقت قياسي ودقة بالغة، بالإضافة إلى تحديد المدن الأكثر احتمالاً لمواجهة تفشي الوباء.
وكان آخر النجاحات التي حققها عمالقة التكنولوجيا قرار الحكومة الألمانية الأحد دعم تطبيق تعقّب الفايروس المستجد باستخدام تكنولوجيا مدعومة من “غوغل” و”آبل”، متخلية عن تطبيق مدعوم ألمانياً قوبل بانتقادات جراء مخاوف تتعلّق بالخصوصية.
وقال وزير الصحة الألماني، ينس شبان، ومدير مكتب المستشارة أنجيلا ميركل، هيلغي براون، إن برلين بدّلت موقفها وباتت تفضّل “بنية برمجية لامركزية” يتم بموجبها تخزين بيانات المستخدمين على هواتفهم الخاصة بدلا من قاعدة بيانات مركزية.
وأفاد شبان وبراون في بيان مشترك أن “الهدف من تطبيق التعقّب هو أن يكون جاهزا للاستخدام قريبا جدا ومقبولا بشكل قوي من قبل العامّة والمجتمع المدني”.
ويعد طرح تطبيق يستخدم تقنية البلوتوث لتنبيه مستخدمي الهواتف الذكية حينما يصبحون على اتصال مع شخص مصاب بالفايروس أمرا بالغ الأهمية في مكافحة الوباء في وقت تخفف بلدان مثل ألمانيا إجراءات الإغلاق.
وكانت برلين ألقت بثقلها وراء تطبيق أوروبي يعرف باسم PEPP-PT تم تطويره من قبل حوالي 130 عالما أوروبيا، بما في ذلك خبراء من معهد “فراونهوفر” الألماني للأبحاث ومعهد “روبرت كوخ” للصحة العامة.
لكن التطبيق المقترح واجه انتقادات متزايدة جراء سماحه تخزين البيانات على خادم مركزي. وقال منتقدون إنه سيسمح للحكومات بجمع المعلومات الشخصية ويمكن أن يؤدي إلى مراقبة جماعية من الدولة.
ويخطط عمالقة التكنولوجيا للتعاون مع تطبيقات مثل DP-3T سويسري المنشأ، والتي تستخدم نظاما لا مركزيا وتقوم بتخزين البيانات على الأجهزة الفردية. وفي رسالة مفتوحة في وقت سابق من هذا الأسبوع، حث نحو 300 أكاديمي بارز الحكومات على رفض المقاربة المركزية، قائلين إنها تجازف بتقويض ثقة العامة.
وقالوا إن النهج الذي تقوم بتطويره “غوغل” و”آبل”، اللتان تدير أنظمة تشغيلهما معظم الهواتف الذكية في العالم، أكثر ملاءمة للخصوصية.
وبينما تستعد كل من “غوغل” و”آبل” لإطلاق أدواتهما الجديدة، رقمية أو حقيقية، لتتبع عمليات التواصل البشري لمكافحة تفشي فايروس كورونا المستجد، يشهد الاقتصاد العالمي حالة من الشلل، مصحوبا بارتفاع خطير في معدلات الانكماش وتضاؤل الإيرادات الإعلانية، تحقق عمالقة التكنولوجيا وعلى رأسها “غوغل” و”فيسبوك” و”أمازون” نسب استخدام قياسية تعدها بمستقبل زاهر.
وتنشر هذه المجموعات شأنها شأن “آبل” و”مايكروسوفت” بين يومي الثلاثاء والخميس، نتائجها المالية للأشهر الثلاثة الأولى من العام والتي طبعتها التبدلات العالمية الناجمة عن وباء كوفيد – 19 والأزمة الاقتصادية.
غير أن الخدمات التابعة لـ”فيسبوك”، الشبكة الاجتماعية الرائدة عالميا، تسجل إقبالا كبيرا إذ إن عدد الاتصالات التي تسجَّل عبر تطبيقي “واتساب” و”مسنجر” تضاعف منذ شهر ليسجل مستويات مشابهة لتلك المسجلة خلال احتفالات رأس السنة التي تشكل الذروة السنوية في العادة.
كما أن عدد الاتصالات عبر خدمة “تيمز” لمؤتمرات الفيديو التابعة لـ”مايكروسوفت” ارتفع عشرة أضعاف ما كان عليه خلال مارس.
وفي ظل الارتفاع الكبير في معدلات البطالة، استحدثت “أمازون” 175 ألف وظيفة إضافية في الولايات المتحدة لمواجهة الازدياد الهائل في طلبات الشراء عبر الإنترنت منذ اعتماد مبدأ التباعد الاجتماعي. وشهدت ارتفاع مبيعاتها العالمية إلى 11 ألف دولار في الثانية.
مع تدابير الحجر المنزلي، استقطبت خدمات التجارة الإلكترونية عبر “أمازون” مستخدمين كثيرين حتى ممن لم تكن تستهويهم هذه الأنشطة. كما أن أشخاصا مسنين بدأوا بلعب الفيديو، واضطر مناهضو شبكات التواصل الاجتماعي للاستعانة بها قسرا في ظل عدم وجود خيارات أخرى متاحة أمامهم للتواصل مع الأصدقاء.
ويقلد الأطفال أهاليهم، كل على شاشته خلال فترة العمل من المنزل. وأعاد كثير من العائلات الاشتراك بـ”نتفليكس”.
غير أن المشهد لدى كبرى شركات التكنولوجيا ليس ورديا تماما؛ فالإعلانات، وهي عصب الحرب لدى “غوغل” و”فيسبوك”، هي من أولى الميزانيات التي تقلصت في ظل الصعوبات التي تواجهها الشركات.
ويتعين على الشركات الرقمية توفير خدمة باتت أساسية مع موارد متضائلة. ويعمل موظفو الشركات من منازلهم أو حتى من مستودعات يصعب حمايتها من الفايروس.
ويسجَّل تأخر في إنتاج الأجهزة الإلكترونية (كالهواتف الذكية) والمضامين المخصصة لمنصات البث التدفقي (كالمسلسلات وألعاب الفيديو).
وتعاقبت المجموعات على إعلان تخفيض أو سحب التوقعات المالية لسنة 2020.
ويقول بوب أودونيل من “تك أناليسس ريسرتش” إن “أرقام الربع الأول لن تعكس ما يحصل حقيقة”، لافتا إلى أن “المشكلات لم تبدأ إلا في مارس. السؤال الحقيقي يتمحور حول الطلب خلال الربع الثاني”.
وفي مؤشر إلى أن الأرقام الجيدة ليست دليل خير على الدوام، أعلنت “نتفليكس” هذا الأسبوع أرقاما قياسية في الاشتراكات الجديدة مع إبداء قدر كبير من الحذر والتشديد على أن ضبابية تلف الوضع المتوقع في باقي السنة.
وتحاذر الجهات المستفيدة من تدابير الحجر المنزلي إعطاء انطباع بالاستفادة من الأزمة الصحية، خصوصا في ظل صعوبة رصد العادات التي ستعمّر طويلا وتلك التي ستزول سريعا مع انقضاء الأزمة.
وتقول كارولينا ميلانيزي من شركة “كرييتيف ستراتيجيز”، “حتى اللحظة تقدم هذه المنصات مثل (زوم) خدمة. لكن عندما سيعود بإمكاننا زيارة الأصدقاء لتناول العشاء، سنتوقف عن تمضية أوقات عبر مؤتمرات الفيديو. ولن يكون ذلك بلا ثمن”.
مع ذلك، لا يسود قلق إزاء مستقبل كبرى شركات التكنولوجيا. ويوضح ديفيد سايدبوتوم المحلل لدى شركة “فيوتشرسورس” أن “كل القطاع المتصل بالإعلانات سيعاني، لكن لديه ما يكفي من المخزون للمقاومة”.
وبصرف النظر عن الأزمة، تعتمد هذه المجموعات استراتيجية هجومية. فقد أطلقت “آبل” خدمتها الموسيقية الجديدة “آبل ميوزيك” في 52 بلدا جديدا مع 6 أشهر مجانية للمشتركين الجدد. كذلك أتاحت “غوغل” خدمتها “ستاديا” لألعاب الفيديو على الحوسبة السحابية مجانا لفترة شهرين.
كما أطلقت “فيسبوك” أخيرا تطبيقا لألعاب الفيديو بمنافسة مباشرة مع “تويتش” المملوكة لـ”أمازون” أو “ميكسر” التابعة لـ”مايكروسوفت”، فضلا عن منصة جديدة لاتصالات الفيديو تحمل اسم “مسنجر رومز” تتيح “الغوص” افتراضيا في غرفة جلوس الأصدقاء، لتكون منافسا لـ”زوم”.
وتتنافس المجموعات في ما بينها على صعيد المسؤولية الاجتماعية، مع نشر بيانات حول حماية موظفيها والجهود المبذولة لمكافحة الأخبار الكاذبة المتصلة بوباء كوفيد – 19 وهباتها للمنظمات الخيرية.
وتذهب “غوغل” و”آبل” صاحبتا نظامي التشغيل الأكثر استخداما على الأجهزة المحمولة، إلى حد اقتراح ائتلاف غير مسبوق لتقديم تعقب رقمي للأفراد الذين اقتربوا من مصابين بالفايروس.
ويقول بوب أودونيل “هذا مذهل. قد يكون لها أثر حاسم على الكوكب برمّته. هذا يظهر قدرتها ونفوذها إذ لا حكومة في العالم يمكنها التأثير على هذا العدد من الناس في الوقت عينه”.