تبعث إيران برسائل متناقضة إلى الغرب ضمن جهودها للتخفيف من وقع العقوبات التي دخلت حيز التنفيذ، الاثنين، عبر طلب الحوار وإجراء مناورات عسكرية وإطلاق التهديدات وحشد الشارع الإيراني والإعلان عن إجراءات للالتفاف “بفخر” على العقوبات.
لكن لا يبدو أن القيادة الإيرانية تملك الكثير من الحلول، مع فرض عقوبات على أكثر من 700 من الكيانات والأصول الإيرانية، استهدفت قطاعات النفط والنقل والمصارف، ومع دخول نظام سويفت على خط الأزمة مانعا بذلك مصارف إيرانية من الوصول إلى خدماته.
ويكرر السلوك الإيراني نهجا عراقيا كان ثابتا خلال حكم الرئيس الراحل صدام حسين، ويقوم على عدم تقدير السياسيين الإيرانيين للتأثير الحقيقي لنظام العقوبات الجديد، والمدى الذي من الممكن أن يصل إليه الغرب في المواجهة بشكل عام.
وكما كان نظام صدام حسين يفعل خلال تسعينات القرن الماضي، تتبنى طهران لغة تحدّ للغرب ثم تلجأ إلى طلب الحوار ومن دون وسيط، كما عبر عن ذلك الرئيس حسن روحاني الاثنين. وعلى ما يبدو فإن إيران تسير في طريق قد تؤول إلى نهاية مماثلة لما حصل في العراق وهي استمرار العقوبات التي تعد الأقسى إلى حد الآن، بما يؤثر على قبضة النظام على الحكم، وربما انهياره.
ويرى مراقبون أن إيران تخدع نفسها بالحصول على إعفاءات بسيطة لصادراتها النفطية، متمثلة في 8 دول هي الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان وتايوان واليونان وإيطاليا وتركيا، مع تصريحات أوروبية متعاطفة مع طهران لن تؤثر في الموقف الأميركي، لكنها تقود تدريجيا إلى نظام “النفط مقابل الغذاء” الذي كان مفروضا على العراق سابقا.
وبدل البحث عن التعاطف الدولي بالتحذير من مخاطر الحصار وبعد المعاناة الإنسانية المفروضة على الإيرانيين، لجأ حكام إيران من رجال الدين إلى التقليل من شأن المخاوف من تأثير العقوبات على اقتصاد البلاد، وإظهار الأمر وكأنه مواجهة شخصية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب تقوم على العناد والمكابرة.
وقال روحاني “اليوم يستهدف العدو (الولايات المتحدة) الاقتصاد… الهدف الأساسي للعقوبات هو شعبنا”.
وأضاف روحاني في اجتماع مع مجموعة من الاقتصاديين نقله التلفزيون الرسمي مباشرة “أرادت أميركا أن تخفض مبيعات النفط الإيرانية إلى الصفر… لكننا سنواصل بيع نفطنا… وخرق العقوبات”.
وشدد بقوله “هذه حرب اقتصادية على إيران… لكن على أميركا أن تعلم أنها لا تستطيع استخدام لغة القوة ضد إيران… نحن على استعداد لمقاومة أي ضغط”.
وكتب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على تويتر يقول “تنمر أميركا يرتد عليها… أميركا وليست إيران هي المعزولة”.
وأعلنت الولايات المتحدة، الاثنين، مجموعة جديدة من العقوبات على إيران وهددت باتخاذ إجراءات إضافية للضغط عليها، بينما نددت طهران بالخطوة التي اعتبرتها “حربا اقتصادية” وتوعدت بتحديها.
وتأتي إعادة فرض العقوبات ضمن مساع أوسع نطاقا يقوم بها الرئيس الأميركي لإجبار إيران على تحجيم برامجها النووية والصاروخية وتقليص نفوذها في الشرق الأوسط. كما تأتي بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق الدولي المبرم عام 2015 بشأن برنامج إيران النووي.
ومن جانبهِ قال وزير الخزانة ستيفن منوتشين في بيان “فرض الخزانة لضغوط مالية غير مسبوقة على إيران ينبغي أن يوضح للنظام الإيراني أنه سيواجه عزلة مالية متزايدة وركودا اقتصاديا حتى يغير أنشطته المزعزعة للاستقرار بشكل جذري”.
وذكر البيان أن العقوبات تشمل 50 بنكا وكيانات تابعة لها وأكثر من 200 شخص وسفينة في قطاع الشحن كما تستهدف الخطوط الجوية الإيرانية (إيران إير) وأكثر من 65 من طائراتها.
وأعلن مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون أن بلاده ستفرض المزيد من العقوبات على إيران دون أن يكشف عن تفاصيل. وقال بولتون وفقا لنص مقابلة مع شبكة فوكس بيزنس “سنفرض عقوبات تتجاوز هذا. لن نرضى ببساطة بمستوى العقوبات التي كانت موجودة في عهد (الرئيس الأميركي السابق باراك) أوباما في 2015″.
كما قال برايان هوك، مبعوث الولايات المتحدة الخاص بإيران للصحافيين عبر الهاتف، الاثنين، إن إيران فقدت إيرادات نفطية بحوالي ملياري دولار منذ مايو عندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي.
وقال هوك “لقد أخرجنا مليون برميل (من النفط) من السوق وهذا وحده سيقلص إيرادات النظام الإيراني النفطية بملياري دولار”.
وقالت القوى الأوروبية التي لا تزال تدعم الاتفاق النووي، إنها تعارض إعادة فرض العقوبات بينما عبرت الصين، وهي مشتر كبير للنفط، عن أسفها لهذا التحرك.
والصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان وتركيا، جمعيها دول تستورد النفط الإيراني من بين ثماني دول حصلت على إعفاءات مؤقتة من العقوبات لضمان عدم زعزعة استقرار أسعار النفط.
وقال مسؤولون أميركيون إن هذه الدول ستودع إيرادات إيران في حساب خاص ستستخدم أمواله لأغراض إنسانية.
والخطوة جزء من مساع أوسع نطاقا لترامب تهدف إلى إجبار إيران على تقليص أنشطتها النووية بدرجة أكبر ووقف برنامجها الصاروخي وإنهاء دعمها لقوات تحارب بالوكالة في اليمن وسوريا ولبنان وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط.
وقالت سويسرا إنها تجري محادثات مع الولايات المتحدة وإيران بشأن فتح قناة مدفوعات لأغراض إنسانية بهدف المساعدة في مواصلة تدفق المواد الغذائية والأدوية إلى إيران.
وتسمح العقوبات الأميركية بالتجارة في السلع الإنسانية مثل الأغذية والأدوية لكن الإجراءات المفروضة على البنوك والقيود التجارية قد تزيد من كلفة مثل هذه السلع.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الأحد، إن العقوبات التي يعاد فرضها “هي أشد عقوبات على الإطلاق تفرض على الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
