تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخليج تغيير حسابات إيران النفطية

أحدى موانيء البحرية في الخليج
AvaToday caption
هبطت الصادرات الإيرانية بمعدل 800 ألف برميل عن حصتها الثابتة والمقدرة بـ2.5 مليون برميل يوميا منذ توقيع الاتفاق النووي
posted onNovember 5, 2018
noتعليق

تستعد السعودية والإمارات لزيادة إنتاجهما من النفط من أجل التكيف مع تأثير عقوبات أميركية على إيران يبدو طويل المدى، بينما يزيد العراق من إنتاجه في هدوء وثبات، لتعوض بذلك الدول الثلاث جزءا كبيرا من حصة إيران في سوق الصادرات، وتبقي الأسعار تحت السيطرة في مواجهة اضطرابات تعصف بمنتجين كبار آخرين.

وكانت الإعفاءات التي أصدرتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لثماني دول تبقي على علاقات تجارية تعتمد على واردات النفط الإيراني بالأساس، أداة رئيسية تحاول الإدارة الأميركية من خلالها الإبقاء على مستوى منخفض للأسعار.

لكن يبدو أن الولايات المتحدة وحلفاءها يتعاملون مع حزمة العقوبات الجديدة باعتبارها واقعا ممتدا لسنوات قادمة. وتدخل العقوبات حيز التنفيذ ابتداء من اليوم، بعد إعلان ترامب في مايو الماضي انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الموقع مع إيران في يوليو 2015.

وتتّجه الأنظار إلى السعودية كونها المنتج الوحيد الذي يملك طاقة إنتاج احتياطية مهمّة، تقدّر بنحو مليوني برميل، قد تلجأ إليها المملكة لتعويض النقص الناتج عن العقوبات الأميركية على إيران.

وأعلن وزير الطاقة السعودي خالد الفالح أن بلاده، التي رفعت معدّلات إنتاجها اليومية بـ700 ألف برميل لتبلغ 10.7 مليون برميل في أكتوبر، مستعدّة لزيادة إضافية ليصل معدّل إنتاجها إلى 12 مليون برميل.

وقالت شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، في بيان يوم الأحد، إنها تخطط لزيادة طاقة إنتاج النفط إلى أربعة ملايين برميل يوميا بحلول 2020 وإلى خمسة ملايين برميل يوميا بحلول 2030.

وأوضحت الشركة أن المجلس الأعلى للبترول اعتمد استراتيجية أدنوك الشاملة للغاز لتحقيق الاكتفاء الذاتي وخطتها للاستثمارات الرأسمالية بين عامي 2019 و2023.

وقال ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في حسابه على تويتر “عقدنا اجتماع المجلس الأعلى للبترول واعتمدنا 486 مليار درهم (132.33 مليار دولار) استثمارات لدعم مشاريع أدنوك للنمو والتوسع في السنوات الخمس المقبلة”.

والإمارات منتج كبير في منظمة أوبك، حيث تضخ نحو ثلاثة ملايين برميل يوميا من النفط الخام وتنوي زيادة طاقة الإنتاج إلى 3.5 مليون برميل يوميا بنهاية العام الحالي.

ولا تعتمد سياسة الدولتين على زيادة الإنتاج استنادا إلى الاحتياطات الاستراتيجية وحسب، لكنها أيضا تتضمن زيادة طاقات الإنتاج، عبر ضخ استثمارات جديدة، وبناء خطوط نقل ومحطات تكرير وتطوير البنية التحتية التي تعتمد عليها عمليات التصدير.

ويعمل المسؤولون في الدولتين على محاولة استشراف المستقبل، في ظل تقلب في السوق ناجم عن عدم الاستقرار في ليبيا وفنزويلا ونيجيريا وأنغولا والمكسيك، بالإضافة إلى عدم وضوح الرؤية في ما يتعلق بمستقبل صادرات النفط الإيرانية. وقال الفالح “هناك عقوبات على إيران ولا أحد يدرك الوضع الذي ستكون عليه الصادرات الإيرانية”.

وزاد العراق من إنتاجه أيضا، في سياسة يحاول من خلالها استعادة حصته التاريخية في السوق، لكن هذه المرة على حساب إيران، رغم نفوذها القوي الذي تمارسه على بغداد.

ولفت المحلل في مؤسسة “تانكر تراكرز”  سمير مدني، والمتخصص في متابعة حركة ناقلات النفط عبر الأقمار الصناعية، إلى أن “الكل يتحدث عن السعودية، لكن صادرات البلاد مستقرة حول 10 ملايين برميل في اليوم”، مضيفا أن “الارتفاع الحقيقي هو العراق الذي يصدر 4.2 مليون برميل في اليوم، وهي كمية لم يسبق أن شهدها من قبل”.

وتعتمد الولايات المتحدة على سياسات الإعفاءات المؤقتة من أجل ضرب عصفورين بحجر واحد. فمن ناحية سيسمح القرار لحلفاء الولايات المتحدة بالاستمرار في استيراد كميات ضئيلة من النفط الإيراني، لكن في نفس الوقت لن تتحول أرباح هذه الصادرات إلى سيولة نقدية قد تمكن النظام الإيراني من المضي قدما في سياسات دعم الميليشيات المسلحة في كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان.

وقال هنري روم، المحلل المتخصص في شؤون إيران في مجموعة “يورواسيا” للأبحاث، إن “السماح لهذه الدول بالاستمرار في شراء كميات صغيرة من النفط الإيراني فيه عدالة من وجهة نظر البيت الأبيض، لأنه في النهاية لن يعود بفائدة كبيرة على إيران، وفي نفس الوقت سيبقى سقفا للأسعار”.

وأضاف “لن تتم ترجمة النفط الذي تصدره إيران بسهولة إلى سيولة نقدية يستطيع النظام الإيراني توظيفها في سياساته الإقليمية، إذ سيتم تحويل هذه الأموال إلى حسابات بنكية ستفتح في ملاذات ضريبية، ويتم الإنفاق منها على إمدادات السلع الغذائية والبضائع الضرورية وبعض الأنشطة التجارية”.

وتقترب هذه الديناميكية الجديدة في التعامل مع صادرات النفط الإيرانية من سياسة “النفط مقابل الغذاء” التي كانت مطبقة على العراق خلال تسعينات القرن الماضي، بإشراف أممي. ويعني ذلك أن المبالغ التي ستحصل عليها إيران من تصدير النفط خارج السوق السوداء ستخضع لرقابة مشددة، خصوصا طرق صرفها لاحقا.

وقال مارك دوبوفيتش، المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إن “هذه القيود المالية ستضاعف من تأثير ضغط إدارة ترامب، حتى لو استمرت إيران في تصدير كميات من النفط لمشترين حول العالم”. وأضاف “من أجل الوصول إلى صفر أرباح نقدية، ليس من الضروري الوصول إلى صفر براميل نفطية”.

وبالفعل، هبطت الصادرات الإيرانية بمعدل 800 ألف برميل عن حصتها الثابتة والمقدرة بـ2.5 مليون برميل يوميا منذ توقيع الاتفاق النووي عام 2015. وبمقدور حزمة العقوبات، التي ستدخل حيز التنفيذ اليوم، أن تهبط بمستوى الصادرات إلى ما بين 1.2 أو 1.3 مليون برميل يوميا، خصوصا إذ ما انصاعت لها الدول الأوروبية، واستمرت الشركات الصينية في وقف طلبياتها من إيران.

وأدخلت هذه المعادلة إيران من جهة والسعودية والإمارات وحلفاءهما من جهة أخرى، في مباراة نفطية غير محسوبة. فالمسؤولون الإيرانيون يراهنون على عدم استقرار السوق للتغلّب على العقوبات الأميركية، في وقت تعمل فيه الرياض وأبوظبي على ضمان استقراره.