تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

ليس أحد بمأمن الفيروس كورونا

فيروس كورونا
AvaToday caption
«السارس» كان زلزالًا بسيطًا إذا ما قُورن بـ«تسونامي كورونا»، في عام 2003 كانت الصين تُشكل 4% من الاقتصاد العالمي، نسبة ضئيلة مقارنة بباقي الـ 96%، لكنها ضخمة كون دولة واحدة تمثل رقمًا ملحوظًا في اقتصاد العالم بأسره، فكيف يكون الحال والصين تمثل حاليًا منفردةً 14% من الاقتصاد العالمي.
posted onMarch 3, 2020
noتعليق

الرعب يجتاح العالم. الرعايا المصابون بـ«فيروس كورونا» يُرسلون إلى بلادهم؛ لتتكفل بحجرهم صحيًّا وعلاجهم، حدود العديد من الدول أُغلقت أمام المواطنين الصينيين، ومواطني أية دولة يخشون التواجد مع مواطن صيني في مكان واحد، القطاعات التي تعتمد على نقل الأفراد أو البضائع تأثرت بشكل سلبي بسبب إغلاق الحدود وسياسات العزل الصحي.

ولأن الفيروس أصغر من أن يُرى بالعين المُجردة؛ فقد صار كل شيء يُنقل من دولة مصابة إلى دولة أخرى قيد الاشتباه، فشركات الطيران قد تأثرت، وخطوط النقل البحري والبري، وشركات شحن البضائع، ومُنع التبادل الطلابي بين الجامعات الدولية، كذلك توقفت إمدادات قطع غيار السيارات، ومعالجات الحاسوب الدقيقة، والهواتف المحمولة وقطع غيارها.

مما سبق نستنج أن كل ما هو صيني أصبح تهديدًا عالميًّا؛ لمجرد أنه صيني؛ فالرسالة الاقتصادية الأساسية التي أرسلها «فيروس كورونا» منذ اللحظات الأولى لانتشاره، ماذا بعد الصين؟ فقد أظهر الفيروس أهمية الصين للاقتصاد العالمي، لكنّه في الوقت ذاته أظهر ضرورة الاعتماد على مصادر متنوعة للمنتج الواحد، أولًا تنويع أماكن الاستيراد، ووضع البدائل؛ إذ يجري التوجه إلى دول أخرى حال توقفت الصين عن إمداد الدول بأي منتج لأي سبب.

وثانيًا التنويع في الأسواق الاستهلاكية للمنتجات الدولية، وعدم الاعتماد بشكل كامل أو كبير على سوق الصين الاستهلاكية.

لكن القائمين على الأسواق العالمية لم يدركوا هذه الرسالة مبكرًا، صحيح أن الوصول متأخرًا خير من عدم الوصول أبدًا، لكن على مدى الأسابيع الثمانية التي مرت كانت الأسواق المالية تقول بثقة: إن تفشي «كورونا» عالميًّا لن يلحق ضررًا بالأسواق المالية العالمية.

حتى إن مؤشر البورصة العالمي «ستاندر آند بورز 500» حقق ارتفاعًا ملحوظًا، لكن لا تشغل بالك بالبحث عما هو هذا المؤشر، وما يعنيه، فالغرض من وضع المؤشر هنا هو المقارنة ارتفاعًا وانخفاضًا، إذًا فالمؤشر يعني أن البورصة ترتفع؛ ما يعني أن الأمور بخير.

تأثرت البورصات العالمية بالفيروس

«كورونا» لن يكون حادثًا عابرًا وصندوق النقد الدولي يبحث عن الفرص

بدايةً من 25 فبراير (شباط) 2020، بدأت التقارير تتوالى عن وجود إصابات بالفيروس في دول اقتصادية كبرى، مثل كوريا الجنوبية وإيطاليا، أسواق المال بدأت تدرك أن شيئًا سيئًا قد يحدث، وأن قليلًا من التشاؤم لا يضر، بعد هذه التقارير انخفض المؤشر العالمي «ستاندر آند بورز 500» بمقدار 7%، تبدو نسبةً ضئيلةً، لكنها في عالم البورصة شيء خطير، إضافةً إلى أن فكرة تراجع المؤشرات نفسها مخيفة، كما أن عائدات سندات الخزانة الأمريكية انخفضت إلى أقل مستوى لها على الإطلاق.

انخفاض العائدات يعني أن المستثمرين أصابهم الشك، بل إنهم يتوقعون حدوث خسائر اقتصادية كبيرة، هذه الخسائر والانخفاضات تقول إن أصحاب الأموال يشعرون بالخطر من «فيروس كورونا» أكثر مما شعروا بالتهديد من الحرب الاقتصادية المباشرة التي دارت بين الولايات المتحدة والصين مؤخرًا.

باتريك تشوفانيك، مستشار «سيلفر كريست» لإدارة الأصول وضح السبب بقوله: إن «الأمر يختلف إذا كانت بورصة مدينة ووهان، موطن كورونا، هي المغلقة وحدها، أو كانت الصين بأكملها قيد الإغلاق، أو كانت بورصة آسيا بأكملها مغلقة، أو كان العالم بأسره قيد الإغلاق».

تشوفانيك يرسم بكلماته المباشرة هذه أسوأ كابوس يمكن أن يُصاب به الاقتصاد العالمي.

أصحاب المحافظ المالية يصرون على افتراض أن كورونا يمكن أن يكون فيروسًا موسميًّا سوف يتلاشى أثره بنهاية الشتاء، لذا لن يكون سوى حادثة عابرة قللت من نمو الاقتصاد الصيني لمدة ربع عام، هذا الأثر العابر الذي سوف يتدخل محافظو البنوك المركزية العالمية لمعالجة أثره سريعًا، كما ورد في تصريحات كريستينا جورجييفا، رئيسة صندوق النقد الدولي، التي قالت إن "الصندوق الدولي سيكون هو الملاذ الأخير أمام الدول التي يصيبها الوباء، وأن الصندوق سوف يقدم لهم المنح التي يريدونها، كما سيعمل على تخفيف عبء الديون".

إيجاد اللقاح هو أحدى العمل لإنهاء الوباء

القروض لن تحل المشكلة؛ «اللقاح» هو الأمل الوحيد

تلفت ميجان كرين، زميلة جامعة هارفارد، نظرنا إلى ما فات المتفائلين إدراكه، وهو أن الأمر يختلف عن الحرب التجارية الأمريكية الصينية في نقطة جوهرية هي التعافي، فحين فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية إضافية على السلع، فقد فرضتها على سلع محددة، وحتى حين تُرفع تلك الرسوم الإضافية فسوف تعود البضائع لأسعارها المُعتادة ما يعني عودة الربح للأرقام المعتادة كذلك.

لكن كورونا، أو أي وباء آخر، يصيب المناطق الخدمية أيضًا علاوة على الأفراد، فحين يظل فندق سياحي فارغًا من الناس لمدة شهر بسبب قرار منع الطيران، أو حظر دخول الأجانب؛ فإنه لن يربح بمجرد رفع القرار، وعلى حد تعبير جريدة «نيويورك تايمز» «إذا كانت التعريفات الإضافية والعقوبات الاقتصادية يمكن أن تنثر الرمال في وجه الاقتصاد العالمي، فإن «فيروس كورونا» يمكن أن يدفن الاقتصاد العالمي بالرمال تمامًا».

يزيد من سوء الأثر المحتمل لـ«فيروس كورونا» أن خطة الإنقاذ التي يُعول عليها المتفائلون لن تفلح، فتدخُّل البنوك المركزية العالمية لإنعاش الاقتصاد العالمي لن يجدي، ببساطة لأن ضخ الأموال يُنعش الاقتصاد إذا كان سبب ركوده هو سياسة مالية خاطئة للدولة، أو انهيار أسعار العملات لأي أسباب سياسية أو اقتصادية.

لكن في حالة الوباء، إذا منحت البنوك المركزية كل دولة قرضًا ضخمًا، فهل سيجعل ذلك الهيئات الصحية تُعلن أنه من الآمن إعادة تشغيل المصانع وفتح المطارات والفنادق؟ أو هل إذا خفضت الدول سعر الفائدة، وقللت تكاليف الاقتراض، وشجعت المستهلكين على الاستثمار بصور شتى، هل سوف يجعل ذلك، الشخص المصاب بـ«كورونا» يعود إلى العمل، أو يدفع الشخص الخائف من الإصابة أن يدخل دولةً سياحية يوجد بها الفيروس؟.

بالطبع لا، لعل ذلك ما دفع الباحثة الاقتصادية كريشنا جها، في ورقة بحثية نشرتها، للقول إنه «من الأفضل أن يكون لدينا لقاح للفيروس، بدلًا عن التعويل على خفض سعر الفائدة».

من «سارس» إلى «كورونا».. ما الذي اختلف؟

« الهيئة التجارية لصناعة الطيران العالمية » قالت في فبراير 2020 إن انخفاض الطلب على الطيران المحلي والدولي كلّف صناعة الطيران العالمية 29.3 مليار دولار في الأسابيع القليلة الماضية فقط، مجموعة «هِيرمس» للبضائع الفارهة، هي الأخرى قالت إنها لم ترصد الأرقام الدقيقة لخسائرها بعد، لكنّ تجار التجزئة في عالم البضائع الفاخرة سيكونون الأكثر تضررًا، ولفترات طويلة.

شركة «آبل» قالت هي الأخرى إنه سوف يحدث نقص في إمدادات هواتف «آيفون» بسبب إغلاق مصانعها في الصين، أما عملاق صناعة السيارات «جَاغوار» فقد اعترفت أن قطع الغيار الموجودة في مصانعها البريطانية سوف تنفذ في مارس (آذار) 2020، إذ أقرت الشركة أنها كانت تنقل قطع غيار من الصين لداخل بريطانيا في حقائب سفر، ليس «جاغوار» وحدها التي تأثرت، «تويوتا»، و«فولكسواغن»، و«جنرال موتورز»، و«ديلمر»، و«هوندا»، و«هيونداي»، وغيرهم لا يستطيعون استئناف أعمالهم.

ربما ليست تلك المرة الأولى التي يرتعش فيها الاقتصاد الصيني، ومن ثم الاقتصاد العالمي؛ فقد حدث زلزال مماثل سابقًا عام 2003 بتفشي «السارس».

لكن «السارس» كان زلزالًا بسيطًا إذا ما قُورن بـ«تسونامي كورونا»، في عام 2003 كانت الصين تُشكل 4% من الاقتصاد العالمي، نسبة ضئيلة مقارنة بباقي الـ 96%، لكنها ضخمة كون دولة واحدة تمثل رقمًا ملحوظًا في اقتصاد العالم بأسره، فكيف يكون الحال والصين تمثل حاليًا منفردةً 14% من الاقتصاد العالمي.

كما أن اقتصاد عام 2003 كان يتسم بالانعزالية قليلًا، كل دولة قائمة بذاتها، لكن حاليًا بات الاقتصاد العالمي مترابطًا بصورةٍ أقرب لأوراق الدُومينو، فإذا تداعت ورقة منهم فسوف تبدأ تسلسلًا كارثيًّا في باقي الأوراق.

لكن بالرغم من الترابط الاقتصادي، فقد ارتفعت في الأعوام الأخيرة النزعة القومية بين الدول، تلك النزعة قد تجعل من الصعب التنسيق لتبني رد فعل مشترك، كما أن البنوك المركزية منهكة من آثار الأزمة العالمية التي حدثت عام 2008.

تأثرت البورصات العالمية بالفيروس

لن ينجو أحد.. الانهيار الاقتصادي سيصيب الجميع

كورونا يحمل التأثير الاقتصادي ضمن تركيبه الجيني، فأينما حلّ سوف تظهر أعراضه الاقتصادية، ولعل أكثر الدول التي تتأثر به بعد الصين، دول مثل كوريا الجنوبية، واليابان، وألمانيا.

تفشي الفيروس يأتي في وقت سيئ بالنسبة لتلك الاقتصادات فقد عانت بالفعل أعوامًا سيئةً ولتوها قد بدأت في الانتعاش.

مون جاي-إن، رئيس كوريا الجنوبية، أعلن حالة طواريء اقتصادية، ودعا إلى اتخاذ تدابير للحد من احتمالية إصابة اقتصاد بلاده، لكنها تبدو يائسةً وغير ذات جدوى.

أوروبا بأكملها قد بدأت في التأثر؛ إذ انخفض اليورو أمام الدولار الأمريكي لأدنى مستوى منذ ثلاث سنوات، عودة لآسيا، سنغافورة خفضت توقعاتها للنمو الاقتصادي لعام 2020 كاملًا، وخططت لحزمة تحفيز مالية بعدة مليارات دولار لتُعوّض الركود الاقتصادي، تبعتها ماليزيا وتايلاند في خفض توقعات النمو ورصد مليارات الدولارات للإنقاذ الاقتصادي، ربما تُعزّي الدول الثلاث السابقة نفسها بأنها اتخذت موقفًا وقائيًّا استباقيًّا، أما اليابان فعليها مواجهة الكارثة التي حدثت.

اليابان تلي الصين في عدد الإصابات، وتعد أكبر دولة في العالم بعد الصين بها مصابو كورونا، وأظهرت الأرقام الاقتصادية تقلص اقتصادها وحدوث انكماش اقتصادي لم تشهده اليابان في آخر خمس سنوات.

كما أن مصانعها قد أُغلقت، بجانب تعطل إنتاج قطع غيار نوعَيْها الرائجين من السيارات، «تويوتا» و«نيسان».

كذلك فإن الفيروس سوف يتسبب في خسائر فادحة بالنسبة لمبادرة الحزام والطريق الصينية، فالشركات الصينية التي تعمل في مشروعات المبادرة سوف ترتفع تكاليف عملها، وتعاني من انقطاع الإمدادات والعمال، كما سوف تتأخر القروض التي تمنحها الصين للدول المشاركة في المبادرة؛ ما يؤثر في اقتصادات تلك الدول التي تعتمد معظمها بشكل كبير على القروض الصينية.

متحف اللوفر تكون فارغة من الزوار، خوفا من الفيروس

ليست في مأمن.. الإنكار لن يفيد الولايات المتحدة

الولايات المتحدة التي ترى نفسها بعيدةً عن التأثر حاليًا، سوف تصبح رقبتها تحت سيف التأثير الموسم الزراعي القادم، فقد وضعت الولايات المتحدة عدة خطط لتصدير المزيد من المنتجات الزراعية والسلع إلى الصين، كما أُبرمت عدة اتفاقات لتصدير مصادر الطاقة الأمريكية إلى الصين، كل ذلك سوف يتأثر بضعف تعافي السوق الاستهلاكي الصيني.

لا يعني ذلك أن الولايات المتحدة سوف تنتظر بضعة أشهر كي تتأثر، البورصة تقول إنها تتأثر بالفعل، فقد سجلت البورصة العالمية يوم الخميس 27 فبراير 2020 أسوأ أسبوع اقتصادي لها منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، وهو أيضًا أسوأ أداء شهري لها منذ مايو (آيار) 2019، كما شهد الخميس ذاته انخفاض أسعار النفط لليوم الخامس، مسجلة أدنى مستوياتها منذ يناير (كانون الثاني) 2019.

تلك الحقائق التي تكشفت، وما تزال تتكشف تباعًا، جعلت الذين طمأنوا العالم في بادئ الأمر يتراجعون عن تفاؤلهم القديم، على رأسهم كريستينا جورجييفا، رئيسة صندوق النقد، التي عادت لتقول إن انتشار الوباء أكثر ثباتًا وسرعةً؛ ما يعني أنّه سيؤدي لعواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي.

إذًا مصير العالم في الأيام القادمة لن يكون في يد رجال الاقتصاد، بل في يد علماء الوبائيّات. وأن السياسات الوحيدة التي تهم حقًّا، هي سياسات التصدي لانتشار «فيروس كورونا»، لا سياسات الإنقاذ الاقتصادي.