تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

أردوغان.. أجندة عثمانية بوصفة خمينية

أردوغان وجارتهِ طهران، يبدعون في التدخل في الشرق الأوسط
AvaToday caption
عندما استنفدت تركيا كل الفرص التي يمكن أن تلوي بها أعناق شعوب المنطقة، فضلت مؤخرا وعلى الطريقة الإيرانية، أن تراهن على استغلال المشاعر المقدسة والشعائر الدينية، بتجنيد أردوغان أعضاء من منظمة شباب الأناضول المدعومة من الأجهزة الأمنية والإعلامية التركية لترديد شعارات سياسية خلال أدائهم مناسك العمرة في الحرم المكي
posted onFebruary 28, 2020
noتعليق

عمر علي البدوي

نقاط تشابه كثيرة تجمع المنهج التركي المتبع في المنطقة العربية، بما اقترفته السياسات الإيرانية في المنطقة منذ ثورة العام 1979. التدخل في شؤون الدول العربية، وفق منطلقات عقائدية واللعب على وتر النعرات الطائفية، هي سياسات لم تجن سوى الفشل المتواتر، ولم تنتج سوى ردود أفعال عربية تجلت في هبات شعبية ترفض التدخلات التركية والإيرانية مهما اتخذت من عناوين.

كأن إيران لديها وصفة جاهزة لإيذاء الجوار العربي، والاستثمار في عواصم الخليج العربي لاختراق دوله وتأليب شعوبه وزرع الخلايا المرتهنة لمرشدها بين أحشائه وأعضائه، ولذلك يستلهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان النموذج الإيراني بحذافيره، وهو يتعاطى مع قضايا المنطقة ويتعامل مع العواصم الإقليمية العربية والمركزية.

نفس المستوى من الفشل والإخفاق تسجله سياسات أردوغان، وكأنه لم يتعلم من درس ما تجده إيران اليوم من غضب ونقمة وهبة شعبية عربية ترفض أي نفوذ أو حضور لها في المنطقة، تقتفي أنقرة أثر طهران وهي تنظر إلى المنطقة من زاوية الأطماع التوسعية، تنتهك الحدود، وتلعب على أوتار الشعبوية، وتبني على أكتاف الأيديولوجيا، وتستنزف طاقات المنطقة في غير محلها.

لقد زاد تورط أردوغان في مشاكل العالم العربي، وأفلت زمام طموحاته من يديه، وفقد انضباط تصريحاته واتزان أطروحاته، الأمر الذي جعله مكتنزا بالمشاكل والصدامات بعد أن بدأ عهده بسياسة الـ”صفر مشاكل”، لكنه جلب إلى تركيا غضب الجيران الأقارب والأباعد، وأخذ يخسر صداقاته ويجني عداواته بلا حساب.

وعندما استنفدت تركيا كل الفرص التي يمكن أن تلوي بها أعناق شعوب المنطقة، فضلت مؤخرا وعلى الطريقة الإيرانية، أن تراهن على استغلال المشاعر المقدسة والشعائر الدينية، بتجنيد أردوغان أعضاء من منظمة شباب الأناضول المدعومة من الأجهزة الأمنية والإعلامية التركية لترديد شعارات سياسية خلال أدائهم مناسك العمرة في الحرم المكي، على منوال ما كانت إيران تفعله باستخدامها المشاعر المقدسة منصة للشعارات السياسية واستفزاز مشاعر المسلمين وإثارة القلاقل في بلدانهم، لتحقيق أهدافها السياسية من خلال أعمال الشغب. واليوم ينضم إليها المشروع التركي الذي يمارس نفس النهج التخريبي غير مهتم لحرمة مكة ومكانة البيت العتيق ويتباكى عناصر المشروع التركي على فلسطين من الأراضي المقدسة التي تفصلهم عنها اللآلاف من الأميال، فيما تقبع السفارة الإسرائيلية على مسافة قصيرة من أوكارهم التنظيمية من دون نية لإبداء الانزعاج على أراضيهم.

بذلت الدعاية الحركية الكثير خلال العقد الماضي لتزرع في نفوس العامة من المسلمين صورة الرئيس التركي كنموذج أممي، كانت رمزيته تختصر الكثير من الأعباء الطوباوية، لكن إكراهات الواقع بددت جهود الأسطورة، وافتضاح المصالح الضيقة والقومية للسياسات الأردوغانية كشفت عن حجم الانتهازية والدور الوظيفي الذي كانت تلعبه تلك الجماعات المحلية في بلدانها وبين شعوبها.

ورغم إصرار بعض المؤدلجين على مواصلة هذه المهمة التلميعية بكل ما أوتيت طاقاتهم من القدرة على إنتاج السرديات الخيالية وإخصاب الخيال باحتمالات العظمة، لكن الكثير من تلك الرهانات خسرت أمام الشعوب، وقد انقدح في وعيها وعلى مرأى منها حجم الاستلاب الذي كانت تبديه تلك الجماعات المؤدلجة والمرتهنة لأغراض خارجية تهدد السلم الداخلي والأمن.

ولعل ما طرحه الداعية السعودي، عائض القرني، تجاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووصفه ببائع الكلام وشريك الفتن المحدقة بالمنطقة، ينمّ عن حجم التحول في الذهنية الاجتماعية تجاه رمز يشهد أفوله بعد أن خلعت عليه حلل المهابة والغرابة.

لقد تحول المزاج العام العربي والإسلامي بعد أن أثخنته الشعارات التي كانت تدفع بقوة الكلام المرسل والمنزوع من فعاليته وواقعيته، ودخلت تركيا، في عهدها الأردوغاني، نفس النفق الذي سبقها إليه النظام الإيراني بوصفته الخمينية. نفس القسمات والملامح والمشتركات، ومن أكثر تلك المتشابهات حدّة، هي العلاقة المزدوجة التي تبديها قطر ونظامها الذي نذر مقدرات شعبه لخدمة أجندة أنقرة وطهران وتلميع رموزها وغرز خنجر الاختراق في خاصرة عالم عربي يلمّ شتاته ويلفظ المتطلعين للسيطرة عليه.

 صحافي سعودي