تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

واشنطن تغير استراتيجيتها في العراق

قوات أمريكية
AvaToday caption
وقالت مصادر دبلوماسية عراقية إن الولايات المتحدة أوقفت مفاوضات تقليص عدد قواتها في العراق، فيما أعلن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، أن "750 جنديا أميركيا سيتوجهون إلى الشرق الأوسط فورا"
posted onJanuary 3, 2020
noتعليق

حذرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إيران والميليشيات الحليفة لها في العراق بأنهم سيندمون على استهداف السفارة الأميركية في بغداد.

وأكد وزير الدفاع الأميركي، مارك إسبر، أن بلاده تتوقع هجمات جديدة من فصائل موالية لإيران، لكنه توعد بجعل طهران تندم، إذا أقدمت على ذلك.

وقال إسبر، في تصريح صحفي: "نشهد استفزازات منذ أشهر.. فهل أعتقد أنهم قد يقدمون على فعل شيء؟ الجواب هو نعم. ومن الأرجح أنهم سيندمون على ذلك"، متوعدا بمحاسبة الضالعين في الهجمات على القوات الأميركية.

وتسبب هجوم عناصر من الحشد الشعبي على السفارة الأميركية في بغداد يوم الثلاثاء في إلغاء خطط تقليص عدد جنود الولايات المتحدة في العراق، فيما قالت مصادر دبلوماسية إن بعثات خمس دول بينها بريطانيا والسويد تدرس تعليق أعمالها في العراق، بعد التطورات التي شهدتها المنطقة الخضراء مؤخرا.

وحتى قبل نحو شهرين من لحظة الهجوم على السفارة، كانت واشنطن وبغداد تناقشان خطط تقليص عدد الجنود الأميركيين الذين يزيد عددهم عن خمسة آلاف، في ظل تراجع المخاطر التي يمثلها تنظيم داعش في المنطقة.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية، نقلت القوات الأميركية معدات إضافية من قواعد مؤقتة في وسط البلاد وجنوبها إلى قاعدة عين الأسد، في أقصى غرب الأنبار، قرب الحدود مع سوريا.

وفي يوليو الماضي، تحدث عسكريون عراقيون عن أن خطط الولايات المتحدة للبقاء العسكري طويل الأمد في العراق تشمل قاعدة عين الأسد مبدئيا، ولا تتضمن قواعد أخرى في الجزء العربي من العراق، مع وجود واسع في الجزء الكردي.

لكن الخطط الأميركية تغيرت بدءا من يوم الثلاثاء، عندما تعرضت سفارة واشنطن في المنطقة الخضراء شديدة التحصين وسط بغداد لهجوم نفذته قوات الحشد الشعبي، نجم عنه إحراق أجزاء من مبنى الاستعلامات الخارجي، وقاد إلى إخلاء تام لجميع الموظفين الدبلوماسيين وعمال الخدمة في بعثة الولايات المتحدة لدى العراق.

وقالت مصادر دبلوماسية عراقية إن الولايات المتحدة أوقفت مفاوضات تقليص عدد قواتها في العراق، فيما أعلن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، أن “750 جنديا أميركيا سيتوجهون إلى الشرق الأوسط فورا، ردّا على اعتداء عناصر ميليشيات موالية لإيران على مبنى سفارة الولايات المتحدة في المنطقة الخضراء وسط بغداد”. وقال إٍسبر إنه لم يلمس تحركا كافيا من العراق لمواجهة الجماعات المدعومة من إيران وإن عليه محاسبة الضالعين في هجمات على قوات أميركية.

وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” أنها أرسلت جنود مارينز “قادمين من الكويت لتعزيز مبنى السفارة الأميركية في بغداد”، وأرفقت الإعلان بصور لحظة إقلاع الطائرات ووصولها إلى مبنى السفارة، فيما أكدت القيادة المركزية للقوات المسلحة الأميركية، “نشر عسكريين من مشاة البحرية الأميركية المكلفة بمهمة من سلاح الجو والبحرية الخاصة للأغراض الخاصة والاستجابة للأزمات في العراق لتعزيز الأمن في السفارة الأميركية وضمان سلامة المواطنين الأميركيين”.

وكشفت مصادر عسكرية عراقية، أن العدد الفعلي للجنود الأميركيين في العراق مطلع العام 2020، فاق ستة آلاف”، مؤكدة وجود قرابة 400 مدني أميركي في مواقع مختلفة من البلاد.

ومنذ مساء الثلاثاء الماضي، تحلق في سماء المنطقة الخضراء طائرات الأباتشي المروحية التابعة للجيش الأميركي، فيما ألقت واحدة منها أقراصا تنويرية فوق ساحة التحرير ببغداد، وهي مركز الاحتجاج الرئيسي ضد الطبقة السياسية المرتبطة بإيران، مساء الأربعاء.

وتوقع كثيرون أن تلجأ الولايات المتحدة إلى الهرب عندما تصعّد الميليشيات الشيعية الموالية لإيران ضغوطها في العراق، لكن الرد الأميركي كان مفاجئا، فبدلا من الإخلاء والإغلاق نشرت القوات الأميركية عددا كبيرا من جنودها على أسطح معظم المباني العالية في سفارة واشنطن ببغداد، بالتزامن مع استمرار تحليق طائرات الأباتشي.

وقال ضابط في وزارة الدفاع العراقية إن طائرات هليكوبتر حلقت في وقت مبكر من فجر الخميس، بشكل منخفض وكثيف فوق المنطقة الخضراء وسط بغداد، بالتزامن من انقطاع التيار الكهربائي عنها، مشيرا إلى أن “قوات المارينز نفذت إنزالا جويا في السفارة الأميركية وقامت بتمشيط المبنى”.

ويرى مراقبون أن واشنطن تتقبل رسالة التحدي الإيرانية في بغداد عبر محاصرة السفارة الأميركية وإحراق أجزاء منها، لكنها عازمة على المواجهة هذه المرة.

ويعزز فرضية تزايد الاهتمام الأميركي بالملف العراقي الذي يشهد مواجهة مفتوحة مع إيران، إعلان وزارة الخارجية الأميركية أن الوزير مايك بومبيو ألغى يوم الأربعاء رحلة تستغرق أسبوعا إلى أوكرانيا وأربع دول أخرى للبقاء في واشنطن ومراقبة التوترات في العراق، بعد هجوم الحشد الشعبي على مبنى السفارة الأميركية في بغداد.

وبدا رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي في وضع لا يحسد عليه، وهو يشاهد عناصر قوات رسمية وهم يهتفون باسم إيران أمام مبنى السفارة الأميركية في بغداد، يتقدمهم شركاؤه الرئيسيون في حكومته، هادي العامري زعيم منظمة بدر وقيس الخزعلي زعيم حركة عصائب أهل الحق وفالح الفياض قائد الحشد الشعبي وزعيم حركة عطاء.

واستغرب معلقون أن يسمح القائد العام للقوات المسلحة عادل عبدالمهدي لقوات الحشد الشعبي التابعة له وفق الدستور العراقي بأن تنفذ هذا الهجوم على سفارة دولة أجنبية، وتهتف باسم إيران وقادتها، وترفع صور المرشد الأعلى علي خامنئي والقائد البارز في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.

وكشفت بعض المصادر أن سفارات خمس دول، بينها بريطانيا والسويد، أخطرت الحكومة العراقية بأنها تخطط لتعليق عملياتها في بغداد، على خلفية هجوم الحشد الشعبي على السفارة الأميركية.

وقالت مصادر دبلوماسية، على دراية بتفاصيل المشاورات بين بغداد والسفارات المذكورة، إن رئيس الوزراء المستقيل حاول عرض ضمانات كبيرة كي لا تنفّذ الدول الخمس تهديدها، لكنه قوبل بتشكيك في تعهداته.

ويبدو واضحا للمراقبين أن عادل عبدالمهدي لم يعد يملك من أدوات الحكم في العراق شيئا، بعدما انتقلت السلطات والصلاحيات الحقيقية إلى زعماء الميليشيات الموالية لإيران.

وقالت مصادر سياسية مطلعة إن عبدالمهدي قال لكتائب حزب الله وقادة الحشد الشعبي إنه سيترك منصب رئيس الوزراء شاغرا ويحرجهم إذا لم ينهوا مسرحية الاحتجاج أمام السفارة الأميركية داخل المنطقة الخضراء، مشيرة إلى أن قادة الحشد لبّوا رغبة رئيس الحكومة للحد من الحرج الكبير الذي يحاصره.

واعتبر مراقبون أن ما حدث كان فضيحة على أكثر من صعيد، فالواقعة أثبتت أن الحشد الشعبي ليس مؤسسة تابعة للدولة العراقية وهي لا تأتمر بأوامر القائد العام للقوات المسلحة، مشيرين إلى أن الشعارات التي رفعت أو كتبت على الجدران كشفت عن أن فصائل الحشد لا تحمل أيّ ولاء وطني بل إن ولاءها كاملا لإيران ولشخصيات مثل خامنئي وسليماني.

وهذا الأمر يجعل القول بـ”وطنية” الحشد أمرا يخالف الحقيقة، وهو ما اعترف به مهاجمو السفارة وكان على رأسهم زعماء الفصائل.

وكشف الهجوم بدءا من لحظة دخول المنطقة الخضراء إلى اللحظة التي تم فيها إحراق إحدى بوابات السفارة، بما لا يقبل الشك، عن هيمنة الحشد على القوات الحكومية المكلفة بحماية تلك المنطقة وأن التسهيلات التي قدمت للمهاجمين هي في حقيقتها تعبير صارخ عن اختراق الحشد للأجهزة الأمنية الحكومية ولم يكن ذلك خافيا على رئيس الحكومة حيث أن مستشار الأمن القومي فالح الفياض هو نفسه رئيس الحشد الذي قاد الهجوم.

ولا تضع هذه الحقائق حكومة عبدالمهدي المعلقة في زاوية حرجة وحسب بل هي أيضا تلقي بظلال من الشك على إمكانية قيام حكومة وطنية بديلة تملك القدرة على بسط سيطرتها على الأوضاع داخل العراق.

وقال مراقب سياسي عراقي إنه في ظل وجود مؤسسة عسكرية قوية تابعة للحرس الثوري الإيراني مثل الحشد الشعبي والذي استطاع أن يتمدّد داخل مفاصل الدولة العراقية، فإن القرار سيكون إيرانيا خالصا.

وأضاف المراقب أن هذا الوضع يحتّم على الولايات المتحدة والدول الكبرى الأخرى أن تتخذ إجراءات، من شأنها أن تؤمّن سلامة بعثاتها الدبلوماسية بما في ذلك إمكانية أن تنتقل البعثات الدبلوماسية إلى أربيل من أجل أداء مهماتها.