تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مهرجان دهوك للأفلام يناقش هوية السينما العربية

جانب من الندوة
AvaToday caption
اليوم في عصر اليوتيوب، فالمحتوى العراقي الذي يشاهده الملايين من العرب لا يعود عراقيا
posted onSeptember 16, 2019
noتعليق

في ندوة حوارية انعقدت مؤخرا على هامش مهرجان دهوك الدولي للأفلام، بإقليم كردستان العراق، ناقش نقاد وفنانون موضوع "هوية السينما العربية"، وهل هي هوية أحادية أم تعددية مركبّة؟ وكيف نحدد العائدية القومية والثقافية للأفلام ذات الإنتاج المشترك؟

وقالت الأكاديمية والناقدة كوثر جبارة، مديرة الندوة، إن "البحث في تعريف السينما العربية وتحديد سماتها الفنية والجمالية بمعزل عن المعيار الإثني مدخل لبلورة خطاب سينمائي يوظّف اللغة المرئية في بناء جسور التعايش والتواصل بين الشعوب وإذابة الحواجز التي تعيق التفاهم الإنساني".

افتتحت الندوة بمحاضرة للناقد العراقي كاظم السلوم الذي أوضح أن تحديد العناصر التي تجعل فيلماً يُصنّف على أنه "عربي" يتطلّب العودة إلى تعريف السينما نفسها؛ فالسينما فن وصناعة تخضع لحسابات السوق ودلالة شباك التذاكر، وهو مفهوم قد لا يصحّ في الحالة العربية إلا على التجربة المصرية كونها تتمتع ببنى تحتية إنتاجية أنشئت مبكراً ولديها صناعة نجوم وتسويق ومواسم سينمائية، مثل أفلام الصيف والعطل والعيد وهناك أيضاً أفلام ثقيلة من حيث القصة والميزانية.

وأكد السلوم أن اللغة عامل تلقائي لتحديد هوية الفيلم ولكن لا يمكن اعتبارها عنصراً أساسياً في تصنيف الفيلم العربي بسبب اختلاف اللهجات بين البلدان العربية.

وتابع أن كثافة الإنتاج السينمائي المصري منذ عقود جعلت عموم الجمهور العربي يتكيّف مع اللهجة المصرية ويستوعبها، وهي ظاهرة لا تنطبق على السينما المغربية أو الجزائرية مثلاً بسبب حاجز اللهجة الذي يفصلها عن جمهور المشرق العربي.

وأضاف أن عنصريْن أساسييْن يمكن الاعتماد عليهما في تمييز الأفلام العربية؛ الأول سياسي يتعلّق بطبيعة المواضيع المتشابهة المطروحة فيها والتي تعبّر عن الأزمات العربية مثل الفقر واضطهاد المرأة والإرهاب والربيع العربي وتداعياته. أما الثاني فهو ثقافي واجتماعي يتعلّق بالتشابه البيئي بين المجتمعات العربية، فالعادات والتقاليد التي تعالجها الأفلام تكاد تكون متماثلة.

ولفت السلوم إلى سمة تاريخية للسينما العربية تمثّلت في تأثيرها الثقافي على المشاهد العربي فقد دخلت حياته مبكرا قبل التلفزيون، وأسهم تحويل الأعمال الأدبية لنجيب محفوظ مثلا إلى أفلام في إيصال مضامينها السياسية والاجتماعية إلى جمهور واسع يعاني من تفشي الأمية وغير قادر على قراءة الكتب.

كما تأثرت السينما العربية بالأجواء السياسية والأيديولوجية التي سادت في ستينات وسبعينات القرن الماضي فاتسمت بعض الأفلام الروائية العربية في ذلك الوقت، وفق السلوم، بالطابع "التحريضي" والدعوة إلى رفض ظواهر كالاستعمار والطبقية والإقطاع، كما في أعمال المخرج الجزائري الأخضر حمينة مثل "ريح الأوراس".

وأكد السلوم خلال النقاش أن جودة الفيلم أهم من جنسية صانعيه، وأنه ضد التصنيفات الجهوية فالسينما إبداع “أممي” وأكثر الأفلام إثارة للدهشة هي ذات الإنتاج المشترك التي تجمع هويات متعددة، مضيفا أن أفضل الأفلام المصرية كانت لمخرج باكستاني الأصل هو محمد خان.

وأشار إلى أن المهرجانات أحيانا هي التي تقرّر هوية الفيلم وفق اعتباراتها حتى لو كان إنتاجه مشتركا، كما في فيلم "ذكريات منقوشة على حجر" للمخرج الكوردي شوكت أمين كوركي، الذي فاز في مهرجان أبو ظبي 2014 كأفضل فيلم روائي طويل من العالم العربي.

وقالت الناقدة السورية ندى الأزهري في محاضرتها إننا نسأل ما هو "الفيلم العربي" وكيف يمكن تصنيفه ونناقش معايير قومية وجغرافية وموضوعية لذلك، ولكننا لا نطرح مثل هذه الأسئلة حول الفيلم الفرنسي أو الإسباني، ولعلّ هذه المفارقة ترتبط بسؤال آخر أكثر شمولاً من موضوع السينما وهو سؤال: مَن هو "العربي" أساساً؟

وبيّنت عضو لجنة التحكيم في مهرجان دهوك أن العربي في تعريفه الضيق هو الذي يتكلم العربية ويحمل جنسية دولة لغتها هي العربية، ولكن ثمّة تعريف أكثر مرونة يحدد العربي بأنه كل مَن له روابط مع ثقافات تعبّر عن نفسها باللغة العربية، وبين التعريفيْن هناك درجات من “العروبة” تجعل مفهوم “الهوية العربية” غير قابل للإحاطة والجزم، بحسب اعتقاد الأزهري.

وأضافت في حديث أن تحديد هوية أي فيلم في زمن العولمة ليس أمرا يسيرا وتزداد صعوبته في الحالة العربية لأن مفهوم "الهوية العربية" بات غامضا وملتبسا لما يواجهه من تحديات داخلية وخارجية على الصعيديْن السياسي والثقافي، وحتى مصطلح "العالم العربي" برأيها أصبح محلّ تساؤل ومراجعة مع ما يحصل من تحوّلات وصراعات في المنطقة.

وأشارت خلال الندوة إلى خصائص مشتركة يمكن من خلالها تحديد الأفلام العربية مثل طبيعة الشخصيات والأداء التمثيلي.

جانب من استقبال الضيوف

 ولكنها اعتبرت الأمر ليس بهذه البساطة في زمننا الراهن مشددة على أن سؤال الهوية عموما هو سؤال شائك، فالثقافات موجودة ولا يمكن نفيها ولكن في الوقت ذاته لا يمكن أن تفصل بينها حدود، فهي ليست عوالم منعزلة عن بعضها، كما أن السينما خطاب عابر للثقافات، ولذلك يصعب من وجهة نظر الأزهري تحديد الهوية الثقافية للفيلم.

المخرج العراقي حسنين الهاني قال في تعقيبه إن سرعة انتشار الفيلم المصري جعلته يحتكر صفة "الفيلم العربي"، أما السينما الفرنسية مثلاً فيمكن وصفها بأنها "مدرسة"، ولذلك عندما نصنّف فيلما على أنه "فرنسي" فنحن نعني تجسيده لأصول الصنعة السينمائية الفرنسية، وهذا ينطبق على تجارب شرقية أيضاً مثل السينما الإيرانية.

وأما السينما العربية فوصفها الهاني بأنها سينما اقتباس وتقليد تحاكي التجارب الإقليمية والعالمية، ولكنها لم تتحوّل إلى مدرسة سينمائية قائمة بذاتها.

ودعا الهاني في مداخلته إلى التفريق بين الملكية القانونية للفيلم وهي حق لجهة الإنتاج سواء كانت شركة أو دولة، وبين الملكية الجماهيرية وهي حق للجمهور المتلقي الذي يتم الإنتاج على أرضه وبلغته.

وأضاف في تصريح صحفي، "أننا اليوم في عصر اليوتيوب، فالمحتوى العراقي الذي يشاهده الملايين من العرب لا يعود عراقيا فقط بل يصبح عربيا ومُلكا لكل من يفهمه ويستمتع به".

وأشارت الفنانة السورية سلمى المصري إلى غلبة المضامين السياسية وقصص الحرب على الفيلم العربي المعاصر، وعلّلت ذلك بأن الأحداث والتحديات التي تمرّ بها المنطقة تضغط على صنّاع السينما العرب وتفرض عليهم تجسيدها في أعمالهم، لافتة إلى ظهور أعمال جيدة في هذا الإطار مثل فيلم “أمينة” لأيمن زيدان، وهذه الظاهرة برأيها لها وجه إيجابي هو بناء "ذاكرة سينمائية" وتوثيق تاريخي، وأرشفة ما تواجهه شعوبنا من أزمات ونكبات، لكنها في الوقت نفسه تسلب الكتّاب والمخرجين فرصة تقديم أفلام اجتماعية وكوميدية.

وشارك المخرج العراقي بهاء الكاظمي في النقاش، مؤكداً أن لغة ومنطق السوق نسفا كل الجدل حول هوية الفيلم، فالفيلم بات تابعاً لشركات الإنتاج الموجودة في بلدان غير البلد الذي يُنسب إليه الفيلم وفق معيار اللغة أو الجمهور. وأضاف أنه كمخرج، وبحكم عمله، يفحص سنوياً المئات من الأفلام ويلاحظ أن هناك أفلاما عربية تأتي مصنّفة لشركات أجنبية خارج العالم العربي، ما يعني أنها لن تكون مفاجأة في يوم ما لو أن فيلما عربيّا تم ترشيحه للأوسكار باسم بلد أجنبي.

أما المخرج والممثل العراقي ناصر حسن فقال إن لا أحد يمتلك صلاحية تقرير هوية الفيلم، ولم يحصل أن اتفق صنّاع السينما العرب أو غيرهم على قواعد لتحديدها.

وأضاف عضو لجنة التحكيم في المهرجان أن السينمائيين يشتغلون على الصورة والسيناريو في عملهم الإبداعي وليس اللغة أو هويات العاملين، فربما يكتب مؤلف غربي سيناريو لفيلم شرقي ويحبه الجمهور.

وأشار إلى دور تكنولوجيا الاتصال التي جعلت العالم مترابطا بحيث يمكن للطموحات الإبداعية أن تلتقي وتتلاقح عبر القارات. داعيا إلى الانتقال من المؤتمرات والندوات إلى الميدان وصالات العرض، وبحث كيفية استمرار العملية الإنتاجية وتقديم أعمال ذات قيمة فنية ترتقي بالذائقة السينمائية للمجتمع، وليس الانشغال بالجدل حول هوية الأفلام.

وقال الباحث العراقي خالد علي إن "تجنيس" أي فيلم يرتبط بمسألة الهوية والتي هي في حدّ ذاتها مفهوم جدلي، كما أن الفيلم عمل تشارُكي لا يمكن نسبته إلى هوية أحادية.

ومن ناحية اقتصادية، يستطرد علي، فإن السينما "صناعة" كأيّ صناعة لها بلد مَنشأ وأيدي عاملة ومنتجون ولكل منهم هويته التي لا يستطيع أن يفرضها على السلعة التي يشارك في إنتاجها.

وأضاف علي في مقابلة مع صحيفة "العرب" اللندنية أن إلغاء هوية الفيلم مُحال لأننا لا نستطيع محو التقسيمات الجغرافية والكيانات السياسية، ولا يمكن تجاهل المكان الذي صُنع فيه الفيلم أو انتماءات المشاركين فيه