تاج الدين عبد الحق
إذا نجحت الوساطة الفرنسية في ترتيب لقاء بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والإيراني حسن روحاني، فإن مثل هذا اللقاء قد يأخذ شكل مصادفة على هامش الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة المقررة في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر.
لكن لقاء مصادفة من هذا النوع، حتى لو كان مرتبًا سلفًا، لن يكون كافيًا للوصول إلى معالجة ملف مثقل بالخلافات، ومحمل بالشكوك، وغالب الظن أن المحاولة الفرنسية هي في جوهرها، محاولة لشراء مزيد من الوقت، وفرملة انزلاق البلدين نحو مواجهات كتلك التي شهدنا أمثلة عليها في الخليج العربي، خلال الشهرين أو الثلاثة الماضية.
والفرنسيون يدركون الهوة الواسعة بين الموقفين الأمريكي والإيراني، وهم لا يطمحون من وراء اقتراحهم، للقيام بوساطة كاملة، تنهي كل المشكلات المعلقة، وجل ما يسعون إليه هو طرح معادلة، تفتح كوة صغيرة في جدار الخلاف، قد تكون نقطة انطلاق في الحوار بين الجانبين، لا في ما يتعلق بالملف الأساس وهو الاتفاق النووي، بل في ملفات أخرى مثل موضوع الصواريخ البالسيتية، ودور إيران الإقليمي، وغيرها من الملفات المثيرة للجدل.
والمعادلة الفرنسية المطروحة لا تتجاهل تمسك إدارة الرئيس ترامب بالعقوبات المشددة، ورفضها أي تخفيف لهذه العقوبات، ناهيك عن رفعها، قبل انصياع إيران لطلب واشنطن تحسين شروط الاتفاق النووي.
وفي الجانب الآخر، فإن الاقتراح الفرنسي، يعطي الإيرانيين متنفسًا من الضائقة الاقتصادية والمالية الناجمة عن تشديد العقوبات الأمريكية، وذلك من خلال توفير خط ائتمان لتمويل الواردات الإيرانية مقابل رهن مبيعات النفط الإيراني في الأسواق الدولية. وهذا الاقتراح هو شكل مطور لبرنامج النفط مقابل الغذاء الذي طبقته الأمم المتحدة على العراق قبل الغزو الأمريكي.
ومع أن المقترح الفرنسي لا يتضمن قيودًا على كيفية التصرف بخط الائتمان المقدم لإيران، فإن هذا يفرض نوعًا من الرقابة على ميزانية الصرف الإيرانية وقد يحصرها في الصرف على تمويل الواردات من السلع الأساسية والضرورية، وهو ما قد يخضع تجارة إيران الخارجية إلى رقابة دولية تعيد إلى الأذهان، القسوة التي اتسم بها تنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء الذي طبق على العراق قبل أكثر من عقدين.
ورهان باريس على مقترحها، يستند إلى المزايا التي يمكن لواشنطن وطهران أن تجداها في المقترح الفرنسي، دون أن يظهر أن أيًا منهما تتخلى عن شروطها، لفتح حوار أو القبول بتسوية.
فإيران قد تجد في خط الائتمان المقترح بديلًا ممكنًا عن شرطها الأساس وهو رفع العقوبات قبل الجلوس مع إدارة الرئيس ترامب للبحث في تعديل شروط الاتفاق النووي، فمبلغ 15 مليار دولار قد يساعد طهران في تجاوز الكثير من الصعوبات المالية والتي تسببت بزعزعة الاستقرار الداخلي، وفي اندلاع الاحتجاجات التي تهدد بقاء النظام الإيراني.
أما واشنطن، فإن موافقتها على توفير خط ائتمان للواردات الإيرانية، لا تعني أنها تتراجع عن العقوبات المشددة، بقدر ما هو تطوير لآليات عمل هذه العقوبات وتدويلها، بحيث لا تظل عقوبات أمريكية صرفة، من خلال تطعيمها بصيغة دولية تتشارك فيها دول قد تسهم بتوفير خط الائتمان أو تكون سوقًا للنفط الإيراني.
والاقتراح الفرنسي بالرغم من أنه لا يجيب على مطالب الطرفين، إلا أنه يوفر أساسًا يمكن البناء عليه، خاصة أنه لا توجد بدائل يمكن من خلالها خفض التوتر بين الجانبين، وإعطاء فرصة جديدة للإبقاء على الاتفاق النووي مع إيران، والسماح بتطويره بالشكل الذي يرضي واشنطن، وبالصورة التي يمكن أن تصبح بداية مراجعة لكافة المشكلات التي تواجه علاقات إيران بالولايات المتحدة، وتمهد لانفراج في علاقات طهران بمحيطيها الإقليمي والدولي.