فاروق يوسف
إيران في محنة مصيرية. إنها تمر في وقت عصيب، يمكنه أن يطول. رهانها الوحيد فيه أن يختفي شبح ترامب من البيت الأبيض. أمنية قد لا تتحقق. ولو تحققت فإن ذلك لا يعني أن الولايات المتحدة ستتراجع عن قراراتها الخاصة بإيران وبالأخص على مستوى مكافحة نشاطها في التسليح ودعم وتمويل المنظمات الارهابية التي صارت أذرعا لها في منطقة الشرق الأوسط.
الرجل الذي أدت قراراته إلى خنق إيران سيظل ماثلا من خلال سياسة المؤسسات الأميركية التي تستند إلى القوانين التي سُنت في عهده.
الانتظار الإيراني هو لعب في الوقت الضائع ولا فائدة تُرجى منه.
ستظل العقوبات الاقتصادية قائمة، بقي ترامب في منصبه أم غادره.
ذلك ما يعرفه الإيرانيون جيدا وقد صاروا كما يُشاع خبراء في السياسة العالمية. وما يدخل في نطاق الدعاية الإعلامية من أجل صناعة الأمل لدى الشعوب الإيرانية لا يكفي لطمس تلك الحقيقة. حقيقة أن العقوبات باقية إلى أمد غير منظور.
ما الذي يحدث في إيران إذن؟
أعتقد أن هناك مَن أوحى لإيران بأنها ستكون مؤهلة دائما للحوار مع الدول العظمى. لربما كانت البداية تعود إلى مباحثات الاتفاق النووي التي استمرت لسنوات طويلة ربحت إيران من خلالها الوقت كما جنت مليارات الدولارات.
ولقد تبين في ما بعد أن ثقة الإيرانيين بأنفسهم لم تكن في محلها.
حين انسحبت الولايات المتحدة من ذلك الاتفاق صار واضحا أن إيران لا تملك المقومات التي تجعلها مهابة من قبل الدول العظمى بالطريقة التي تخيلتها.
كانت الأوهام أكبر من الواقع.
المحاولة الغربية في إيهام إيران بمكانتها "غير الحقيقية" لا تزال مستمرة.
فهناك انتصارات صغيرة وجزئية يحققها النظام الإيراني ليستعيد من خلالها ثقته بسياساته التي حوصر بسببها.
هناك مَن يشجع إيران خفية على عدم التراجع.
هذا ما فعلوه بالعراق يوم احتل الكويت. صدق صدام حسين يومها أن الحرب لن تقع وإن وقعت فإن الطرف الأميركي لن يكون قادرا على تحمل الخسائر التي سيتكبدها وأن هناك قوى عالمية ستنهض من أجل إيقاف العدوان.
كل ذلك لم يكن حقيقيا، بل مجرد ايحاءات كاذبة.
لم يتراجع صدام حسين فدمر العراق.
تحرز إيران اليوم نصرا وهميا حين يتم اطلاق سراح ناقلة نفطها من جبل طارق وهي تحرز نصرا آخر حين لم تتمكن الولايات المتحدة حتى اللحظة من مصادرة نلك الناقلة وحين تعود تلك الناقلة إلى أحد الموانئ الإيرانية فإن ذلك يعد بمثابة نصر كبير على قوى الاستكبار.
أليس هناك ما يضحك في تلك اللعبة المكشوفة؟
هناك مَن يضحك على إيران غير أن إيران تضحك على نفسها أيضاً.
لقد هزتها العقوبات الأميركية بحيث تدهورت أحوال عملتها في أسواق الصرف وهي إذ تبتز أوروبا استغاثة فإنها تعرف أن أوروبا لن تنفذها ولن تتمكن من إخراجها من الفخ الذي وقعت فيه.
لقد تبخرت أوهام العظمة. ولم يعد لإيران ما تستعرض عظمتها من خلاله سوى مضيق هرمز الذي لن تجرؤ على الاقتراب من حرية الملاحة فيه. اما احتجاز الناقلة البريطانية فإنه سيكون الحدث الذي ستندم عليه.
لا أعتقد أن أحدا سيقبل بالتفاوض معها في شأن تك الناقلة.
ذلك ما ينذر بالخطر. فإيران التي آملت في أن تجر بريطانيا إلى التفاوض أو البحث عن وساطات وجدت نفسها أمام جدار أصم.
لن تتفاوض بريطانيا مع إيران في شأن ناقلتها.
العقوبات الأميركية شيء وحرية الحركة في مياه الخليج العربي هي شيء آخر. ولن تتمكن إيران من خلال القرصنة من فرض شروطها في الحوار مع القوى العظمى.
لقد انتهى الوهم وصار على إيران أن تعي أنها في طريقها إلى الهلاك إذا ما استمرت في سياساتها.