تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

أعين إيران تتجه للتركيز على ليبيا

الأرهاب الإيراني تصل الى ليبيا
AvaToday caption
أرادت طهران التأكيد على أن تضييق الخناق عليها سوف يقود إلى مد أذرعها إلى ليبيا وخلط الترتيبات المتعلقة بالتخلص من المتطرفين والميليشيات المسلحة، وخلخلة التعهدات المعلنة من قبل الجيش الليبي باستمرار تدفق النفط والغاز إلى الدول الغربية
posted onMay 6, 2019
noتعليق

محمد أبوالفضل

يتصور البعض أن السفينة الإيرانية التي رُصدت قبالة سواحل مصراتة، الشهر الماضي، هي الأولى والأخيرة المتجهة إلى ليبيا، أو أنها تجسد إصرارا على خرق العقوبات وكفى، لكنها في الحقيقة قد تكون مقدمة لمزيد من السفن والطائرات التي تتدفق من خلال البحر والجو والبر، فالأزمة يمكن أن تكون ملاذا جديدا لطهران، وتفتح شهيتها على زيادة عملياتها العدائية في المنطقة، مستفيدة من الفوضى التي تأمل توسيع نطاقها في ليبيا.

درج النظام الإيراني على توظيف التوترات الإقليمية، وغالبية الاختراقات التي قام بها والنجاحات التي حققها الحرس الثوري كانت من وراء صراعات ونزاعات باتت المدخل المناسب لدس أنفه في بعض الدول، لأن العوائد القصيرة للطرق الناعمة، من قبيل نشر التشيع، قد تكون نتائجها مجدية على المدى البعيد.

تضخم دور طهران في لبنان على وقع الحرب الأهلية وتنامي دور حزب الله، واشتد عودها في العراق مع الغزو الأميركي لبغداد وعقب شيوع الاقتتال الطائفي، وظهرت معالم تصرفاتها بوضوح في اليمن عندما تفاقمت عمليات المتمردين الحوثيين ودخلوا معارك ضارية مع الحكومة الشرعية، وأصبح الحال في سوريا أكثر صعوبة، لأن التدخلات الشائكة على خطوط الثورة الشعبية مكنت إيران من التمترس في جبهات عدة.

أصبحت سياسات إيران ملفوظة على الأراضي السورية، وتحول الصمت على التمادي في تطوير أسلحتها إلى شيء مزعج لدوائر إقليمية ودولية، كما أن استخدامها الأزمات الساخنة بات محل رفض كبير، ما وضعها تحت دائرة الضوء وفرض التعامل معها بقدر أكبر من الخشونة السياسية والاقتصادية وربما العسكرية.

بدت الساحة الليبية لقمة سائغة بالنسبة لطهران، منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي واندلاع اقتتالات وانقسامات ملتهبة عام 2011، لكن الاقتراب منها جاء على استحياء، لأن الأزمة السورية كانت في عنفوانها، واليمنية بحاجة إلى مزيد من التركيز، ناهيك عن المضايقات التي تنامت على جبهتي لبنان والعراق، الأمر الذي احتاج متابعة دقيقة من طواقمها الأمنية والسياسية.

لم تلجأ إيران إلى الدخول السافر في ليبيا، وامتنعت عن الصدام المباشر مع مصر، التي تعتبر ليبيا فناء خلفيا حيويا لها، وأيقنت أن العبث فيه سوف يقلّب بعض المواجع المكتومة، وحاولت عدم استفزاز القاهرة والمحافظة على قدر من الحذر والليونة النسبية في التعامل مع القضايا التي أظهرت فيها طهران تهورا بالغا، لكن عندما يمس الأمر مصير النظام يتم تجاوز هذه النوعية من الكوابح السياسية، وهو ما تفعله طهران بالضبط في ليبيا حاليا، ومثل تحديا لمصر التي يمكن أن تخرج عن حلمها في التعامل مع إيران، إذا تمادت الأخيرة في تدخلاتها.

أخذت إيران تخرق الكثير من الثوابت، فالسفينة التي اتجهت إلى مصراتة لم تكن صدفة أو تائهة في عرض البحر المتوسط، لأنها كانت رسالة لقوى إقليمية ودولية بأن لدى طهران أدوات تستطيع أن تستخدمها وتنغص بها على آخرين بما يحرجهم ويربك حساباتهم.

أرادت طهران التأكيد على أن تضييق الخناق عليها سوف يقود إلى مد أذرعها إلى ليبيا وخلط الترتيبات المتعلقة بالتخلص من المتطرفين والميليشيات المسلحة، وخلخلة التعهدات المعلنة من قبل الجيش الليبي باستمرار تدفق النفط والغاز إلى الدول الغربية.

وجد هذا الاتجاه ما يدعمه، سياسيا وأمنيا واقتصاديا، على قاعدة تصاعد التعاون بين إيران وكل من تركيا وقطر اللتين تعتبران ليبيا مجالا مفتوحا لهما، وبذلك يتم استكمال التنسيق بين أضلاع مثلث ظهرت معالمه في أزمة الخليج وأدت إلى مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر للدوحة، وتزايدت الإدانات التي وجهتها الدول الأربع لتصرفات أنقرة والدوحة في ليبيا.

تبدو المقاربة الجديدة، في أحد جوانبها، مستندة إلى هذه القاعدة، غير أنها لا تخلو من خصوصية. فإيران تعتقد أن الأزمة السورية تلملم أوراقها، والاتجاه العام يمضي نحو تقليص أجنحة طهران هناك، وما تستتبعه الخطوة من تقويض لدورها في المنطقة، وفتح المجال لتوسيع الاستهداف الدولي في أماكن كرست نفوذها فيها.

قرأ النظام الإيراني ما يجري في ليبيا، وحسب أن هناك فرصة لتطويل أمد الحرب في طرابلس بين الجيش الوطني وحكومة الوفاق المدعومة من المتشددين والكتائب المسلحة وتركيا وقطر، عبر تقديم الدعم للفريق الأخير، فإذا تشابكت الأوراق وتلاشت المسافات وتاهت الطرق وطالت المعارك، ربما تتراجع الضغوط الواقعة على طهران.

جاءت هذه الرؤية من رحم الدعم الذي يلقاه الجيش الليبي من القوى الرئيسية المتصدرة لمكافحة الإرهاب وروافده من المتطرفين النشطين في المنطقة، الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات، واستنادا إلى الروابط التي تجمع بين طهران وأنقرة والدوحة والطيف الواسع بالتيار الإسلامي والإرهابيين.

جعلت هذه المسألة إيران ترى في الأزمة الليبية نافذة تمكنها من توثيق علاقاتها مع هذا التحالف، وتلفت الأنظار بعيدا عن سوريا وترتيبات التسوية السياسية الخاصة بها، وهو ما تحتاج إليه طهران لوقف عملية تكثيف الضغوط عليها من جوانب مختلفة.

تريد طهران أن تبطل الورقة التي تسعى الولايات المتحدة بها إلى سد الثغرة الناجمة عن وقف ضخ النفط القادم من إيران بموجب تداعيات العقوبات الجديدة، والاستعاضة عن جزء معتبر منه بالنفط الليبي وزيادة معدلاته الراهنة، وتلبية جانب رئيسي من العجز المتوقع في السوق العالمي.

تتمنى إيران المزيد من تسخين المعارك في طرابلس، ولن تبخل عن تقديم وسائل الدعم لذيولها في أفريقيا، ومنها تصل إلى أيدي المتطرفين في الأراضي الليبية، بغرض تعقيد المشهد ومنع الوصول سريعا إلى درجة عالية من الأمن والاستقرار، لأن إحكام سيطرة الجيش الليبي على طرابلس وتأمين مصادر النفط والغاز يعنيان هزيمة منكرة لتوجهات إيران وتصورات الدول والجماعات الإرهابية التي تدور في فلكها.

بدأت هذه القوى مجتمعة تعمل حثيثا على عرقلة تقدم القوات المسلحة الليبية، وضخ كميات كبيرة من المعدات العسكرية للميليشيات، وتأليب القنوات الخلفية لتشتيت الانتباه. فالمسافة التي قطعتها عناصر الجيش الوطني من الشرق إلى طرابلس في الغرب طويلة وتصل إلى نحو 1500 كيلومتر، ومن الجنوب إلى العاصمة تتجاوز 500 كيلومتر.

تصورت حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج أن الزحف المشترك، من الشرق والجنوب، يؤدي حتما إلى فراغ أمني فيهما، لذلك عملت بمساندة حليفتيها، تركيا وقطر، على محاولة الالتفاف على قوات الجيش، وتشجيع المتشددين على القيام بعمليات إرهابية في المناطق التي جرى تأمينها سابقا، مع محاولة التركيز على الهلال النفطي في الشرق، وحقل الشرارة في الجنوب، وكل ما تصل إليه أيدي المتطرفين لتعطيل تقدم الجيش الليبي وتغيير توازنات علاقاته المتنامية بقوى كبرى باعتباره الضامن لتوفير الأمن وتدفق النفط والغاز.

يتصور الفريق المقابل أن قدرة الجيش الوطني سوف تهتز، ولن يستطيع القتال في طرابلس وتأمين الحقول النفطية في آن واحد، لكن فاته أن هذا العمل سوف يثير نقمة الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي ترى المساس بالمناطق النفطية عملا عدائيا يضر بمصالحها، ما يستوجب التدخل لتفويت الفرصة على من يريدون إحداث خلل في السوق العالمية.

ربما تتوسع إيران في الاهتمام بما يجري في ليبيا الفترة المقبلة، لكن الخبرات المتراكمة تؤكد أنها لن تتمتع بحرية حركة كاملة، فالتنظيمات المتطرفة تعي أن التحالفات معها غير مضمونة ومتغيرة، والقوى الإقليمية والدولية التي تعمل على تقويض وجودها في العراق والشام واليمن لن تسمح لها بأن تمرح في ليبيا والدول المجاورة لها.

 

كاتب مصري