تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

طهران على خط دمشق أنقرة

روحاني و أردوغان
AvaToday caption
لا يمكن لطهران وأنقرة أن تكونا بديلتين للمشروع الدولي الراعي لأي اتفاق سياسي في المرحلة المقبلة خاصة وأنّهما دولتان توصفان بالمارقتين في عرف السياسية الدولية من الولايات المتحدة وليس انتهاء بالاتحاد الأوروبي
posted onApril 28, 2019
noتعليق

حسين الشيخ

حركة دبلوماسية نشطة تنتهجها إيران في الآونة الأخيرة تجاه سوريا، فطهران تراقب ما تقوم به روسيا بعين الريبة خاصة مع ضجر السوريين من التسلط المليشياوي المدعوم إيرانيا أو حتى الأجنحة العسكرية المرتبطة بها، وهذا ما لن ترضى به ذهنية القوات السورية التي لا تتشارك مع إيران الأيديولوجية نفسها ولا طريقة التفكير وإن كانت مصلحتها الاستفادة إلى أقصى الحدود في الحفاظ على غلبتها العسكرية ضد الفصائل المعارضة. وهذا ما كان بالفعل عقب نحو ثماني سنوات من الصراع المسلح الدامي.

ماذا تريد إيران من حراكها الدبلوماسي وزيارة وزير خارجيتها محمّد جواد ظريف لسوريا وتركيا في آن واحد؟

في الواقع فإنّ إيران تخشى تراجع نفوذها في سوريا في ظل تقارب سوري عربي بوساطة روسيا (لاحظ زيارات مبعوث الرئيس الروسي للدول العربية) التي تسعى لهذا عبر تسويقها لدمشق بين العواصم العربية. وهذا لن يكون في صالح إيران التي دخلت الحرب السورية لتضع رجلا ثابتة في الأراضي السورية، التي تشكل أهمية كبيرة -أي سوريا- ليس فقط لإيران بل للعالم بأكمله بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي.

يدرك الساسة الإيرانيون أنّه لا خوف على نفوذهم في العراق أو لبنان أو اليمن لسبب واحد أنّه ثمة حاضنة مليشياوية لإيران ستستثمر بها الأخيرة في وزن الأمور، وترجيح كفتها في حال تعرضت للمضايقات، ويعد الحشد الشعبي العراقي نموذجا لذلك فهو يعارض التقارب العراقي السعودي، ولا يرغب السير نحو الأمام بهذه العلاقة حتى لو كانت مصلحة العراق في ذلك. ويعد السبب الوحيد لذلك هو إرضاء إيران وكسب ودها، وهذا لم يعد خافيا على أحد، فرئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي قالها علانية إنّ إيران كانت تدفع المال لفك عرى تحالف النصر، ونجحت بشق صفه عندما غرد فالح الفياض مستشار الأمن القومي خارج سرب العبادي ما أفقد الأخير ولاية ثانية كانت شبه مضمونة.

أما في سوريا فالوضع مختلف تماما؛ إذ يعرف حكام طهران أنّهم لم يستطيعوا إخضاع سوريا بشكل تام فيما سبق رغم تحالف الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد معهم، والذي لم يقدم العلاقة مع طهران على حساب ابتعاده عن محيطه العربي والرياض على وجه التحديد، بل كانوا ورقة يستخدمها الأسد لتحقيق توازنات دولية مفيدة له حينها وهذه تجربة قد تتكرر مع الأسد الابن الذي تصله شكوى قادته العسكريين من العجرفة والفوقية الإيرانية بالإضافة لهمس مؤيديه وتفضيلهم لموسكو على طهران.

من هنا بدأت طهران بحركة تحاول من خلالها فتح الأفق لحليفتها دمشق على أنقرة والعكس صحيح من أجل قطع الطريق على المشروع العربي الذي بدأ محاولاته انتزاع سوريا من الحضن الإيراني وتمثل ذلك بإعادة افتتاح بعض سفارات الدول العربية في دمشق.

محاولة طهران هذه لن تأتي أكلها كما يشتهي حكامها إطلاقا فلا مصلحة للسوريين بالابتعاد أكثر عن محيطهم العربي وإلا لكان هذا قبل فترة حين اقترحت الدوحة على دمشق عبر وسطاء تحالفا رباعيا تكون سوريا وإيران وتركيا وقطر أضلاعه الأربعة.

عقبات كثيرة تقف بوجه مساعي طهران الأخيرة لسحب سوريا أكثر نحو تركيا ومن ورائها قطر حتى وإن فتحت الأجواء السورية أمام الطائرات القطرية، لكن أبواب دمشق ستبقى موصدة بوجه الدوحة وأنقرة لعدة أسباب.

أولاً: عدم قدرة الدولتين الإيرانية والتركية على إنقاذ الوضع الاقتصادي المتردي في سوريا، وهذا ما أثبته الحصار الأخير المفروض على القمح والوقود مما وضع الحكومة في موقف محرج وصل حدّ الغليان واتهام الحلفاء بالتآمر على دمشق.

ثانياً: لا يمكن لطهران وأنقرة أن تكونا بديلتين للمشروع الدولي الراعي لأي اتفاق سياسي في المرحلة المقبلة خاصة وأنّهما دولتان توصفان بالمارقتين في عرف السياسية الدولية من الولايات المتحدة وليس انتهاء بالاتحاد الأوروبي.

ثالثاً: ثمة ملف مهم جدا بالنسبة لسوريا وهو إعادة الإعمار لذلك لن تفرط دمشق بفرصة مساعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إيجاد ركائز عربية تسهم في ذلك، وهذا لن يتحقق في ظل تنامي النفوذ التركي والإيراني المزعجين للعرب باستثناء قطر وبعض المتحالفين مع هاتين الدولتين داخل العراق ولبنان واليمن.

رابعاً: لا يمكن لدمشق إقناع شارعها بتقارب سوري تركي بوابته طهران؛ لأنه ثمة شعور لدى السوريين بأنّ ثقلا كبيرا جاثما على صدورهم نتيجة فتح تركيا حدودها أمام الفصائل المتطرفة لتقتل من السوريين مئات الآلاف (راجع اعترافات عناصر داعش الأخيرة).

نستطيع القول إنّ الوضع في سوريا بات أكثر ملاءمة للحل السياسي من ذي قبل ولن يكون هذا الحلّ متاحا إن لم تكن هناك جبهة عربية تدعمه وتسانده فلا إيران ولا تركيا رغم قوة نفوذيهما على الأرض قادرتان على سدّ الفراغ العربي في مستقبل سوريا السياسي، خاصة بعد ارتفاع صوت السوريين موالين ومعارضين عاليا بأنهم يرفضون استثمار هاتين الدولتين بدماء السوريين كل واحدة حسبما مصالحها؛ لذلك سوريا أقرب لعروبتها حتى وإن بدت الأمور الظاهرية خلاف ذلك، وهذا ما ستكشفه الأشهر المقبلة.