تضمّنت زيارة رئيس البرلمان العراقي، محمّد الحلبوسي إلى الولايات المتّحدة، رسائل طمأنة واضحة لواشنطن، بشأن مسألة إخراج القوات الأميركية من الأراضي العراقية التي تتزّعم إثارتها قوى عراقية موالية لطهران وتدور أسئلة بشأن مدى جديتها في طرح القضية كمطلب حقيقي، أو كورقة ضغط ومساومة لمصلحة طهران نفسها.
والحلبوسي من المعنيين بشكل مباشر بالملف، باعتباره رئيس البرلمان الذي سيمرّ عبره أي تشريع قد تسعى كتل نيابية لاستصداره بشأن وضعية القوات الأجنبية في الأراضي العراقية، وباعتباره أيضا جزءا من تحالف البناء القريب من إيران بزعامة هادي العامري.
وفي مظهر عن مساعي واشنطن لتحصين وجودها العسكري في العراق، خُصّ الحلبوسي باستقبال لافت خلال زيارته الولايات المتحدة وحظي بلقاء كبار مسؤوليها.
وقال مكتب الحلبوسي إن رئيس البرلمان بحث مع نائب الرئيس الأميركي مايك بنس “استمرار التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية بتقديم الدعم الأمني والاستخباري للعراق”. وناقش الجانبان “ملف إعادة النازحين، وتأمين المناطق المحررة..”.
ويمثّل الحديث عن هذه الملفات بين الحلبوسي ومسؤولي الولايات المتحدة إشارة واضحة إلى التزام واشنطن إزاء مسؤولياتها في العراق، وفقا لمراقبين.
وخلال لقاء الحلبوسي برئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي “تم التأكيد على انفتاح العراق على المجتمع الدولي للمضي بإعادة الإعمار والاستثمار من خلال استقطاب الشركات العالمية ومنها الشركات الأميركية، فضلا عن توفير فرص العمل للمواطنين والقضاء على البطالة”. ودعا الحلبوسي نظيرته الأميركية إلى زيارة العراق.
أما خلال لقائه بالقائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي باتريك شانهان، فكان لافتا تركيز رئيس مجلس النواب العراقي على دور التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في هزيمة تنظيم داعش، وإشارته على وجه الخصوص إلى أنّ العراق بعد انتصاره على التنظيم عسكريا “ما زال بحاجة إلى استمرار الجهود ومواصلة الدعم للقضاء على الخلايا الإرهابية والفكر المتطرف، في تدريب القوات العراقية وتأهيلها والجهد الاستخباري والدعم اللوجستي”. ويمثل حديث الحلبوسي هذا أوضح إشارة إلى موقفه الحقيقي من بقاء القوات الأميركية في العراق ودورها.
وبالرغم من أن الحلبوسي جزء من التحالف النيابي الذي يضمّ “صقور” الموالاة لإيران، إلا أنه يلتقي مع المزاج السني الداعم للوجود العسكري الأميركي في العراق.
وطلب الحلبوسي من وزير الدفاع الأميركي “إسناد الحكومة العراقية لتقديم الخدمات” للمناطق المنكوبة بفعل الحرب على تنظيم داعش، “من أجل غلق ملف النزوح بما سيُسهم إيجابا في عدم عودة داعش وانتشار فكره المتطرف مرة أخرى، فضلا عن توفير فرص العمل من خلال المشاريع الاستثمارية للقضاء على البطالة”.
ومن جهته، أكد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خلال لقائه الحلبوسي “دعم الولايات المتحدة لعراق قوي سيد ومزدهر كما هو محدد في اتفاق الإطار الاستراتيجي بين البلدين”. ويسمح هذا الاتفاق بمجال واسع لحركة القوات الأميركية في العراق.
وجاءت زيارة الحلبوسي إلى الولايات المتحدة في وقت يرصد فيه المراقبون خفوتا واضحا في نبرة المطالبة بمغادرة القوات الأميركية للأراضي العراقية، قياسا بالفترة الماضية التي شهدت حملة مكثّفة قادتها بشكل أساسي قوى موالية لإيران ولقيت تجاوبا لدى عدد من المكونات السياسية العراقية الأخرى التي أبدت استعدادها للتعاون في تمرير قانون عبر البرلمان يلزم حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي بإعادة تنظيم أوضاع القوات الأجنبية في البلاد.
وأكّدت مصادر عراقية مطلّعة وجود تراجع في فكرة “طرد” القوات الأميركية من العراق، لكّنها شدّدت على اختلاف دوافع ذلك من فريق سياسي لآخر.
وقال نائب عراقي اطلع على جزء من نقاشات كتل برلمانية ممثلة لعدة أطراف سياسية، إنّه لمس ميلا للتريث بشأن البدء بمسار إخراج القوات الأميركية من العراق لدى أعضاء الفريق الذي يوصف بـ”الموالي لإيران”.
وأرجع النائب الذي تحدّث طالبا عدم ذكر اسمه، سبب ذلك التراجع إلى أنّ إيران بحد ذاتها ميّالة لتخفيف الضغط عبر حلفائها العراقيين على حكومة عادل عبدالمهدي وتفضّل تجنيب حكومة بغداد المتعاونة معها في خرق العقوبات المفروضة على طهران من قبل واشنطن، التعرّض لمزيد من الضغوط الأميركية.
وقال ذات النائب إنّ طهران تفضّل الإبقاء على مسألة إخراج القوات الأميركية من العراق كورقة ضغط ومساومة، على أن تستخدمها بالفعل وتستنفد فعاليتها وقد تأتي بنتائج عكسية.
وبحسب النائب ذاته لا “يشكّل الوجود العسكري الأميركي في العراق أولوية في الوقت الحالي لدى إيران بقدر ما يقلقها ملف العقوبات”. وتدرك طهران أن الولايات المتحدة ما تزال مضطرّة لمراعاة ظروف الحكومة العراقية المصنّفة ضمن حلفائها في المنطقة، وهو ما تجلّى مؤخّرا في قرار واشنطن تمديد فترة إعفاء العراق من تطبيق العقوبات والسماح له باستيراد الطاقة من إيران، وذلك في ظلّ انعدام البدائل الجاهزة لتعويض النقص الكبير في توليد الطاقة الكهربائية، في حال توقّفت بغداد عن استيراد الغاز الإيراني بموجب العقوبات الأميركية.
وتمتدّ فترة الإعفاء تسعين يوما لتغطي جزءا من موسم الصيف الذي يرتفع فيه الطلب على الكهرباء في العراق حيث تبلغ الحرارة ذروتها. ولن يكون من السهل على حكومة بغداد مواجهة التداعيات التي ستنجم عن العجز في تلبية احتياجات مواطنيها من الطاقة الكهربائية، بعد أن تحوّل ملف الكهرباء إلى سبب مباشر في تفجير الاحتجاجات بالشارع.
أما الفريق الثاني المنخرط في المطالبة بإخراج القوات الأميركية من العراق، فهو الشقّ المحسوب على الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الداعم لائتلاف سائرون المشارك بدوره في تشكيل تحالف الإصلاح والذي أبدى استعدادا لتوظيف كتلته البرلمانية لمصلحة مشروع قانون إعادة تنظيم وضع القوات الأجنبية.
لكنّ قادة تحالف الإصلاح يبدون أميل لصرف جهودهم للدفع بعملية الإصلاح الداخلية التي يرفعون لواءها. وحسب مصادر مطلّعة على نقاشاتهم الداخلية، فإنّ هؤلاء الذين يرفعون الصوت بمناهضة الوجود العسكري الأميركي في العراق، “يتهامسون” في ما بينهم بأن معركة طرد القوات الأميركية من العراق هي بالأساس معركة إيران وإذا تمّ كسبها فسوف تحسب لحلفاء طهران وستزيد من تمكينهم وستساعدهم على توسيع شعبيتهم.