تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

المناطق الصناعية في العراق.. بين الصناعة الوطنية والتبعية لإيران

الحدود الإيرانية
AvaToday caption
المشكلة أن إيران تفرض نفوذها على العراق بمساعدة المليشيات المناصرة لها، والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: أين ستذهب أموال المستثمرة في هذه المناطق الصناعية بين العراق وإيران؟
posted onMarch 2, 2019
noتعليق

د. شاكر نوري

في خضم مقاطعة معظم الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة لإيران، يبرز العراق مدافعاً وهو غارق في مشكلاته، في محاولة يائسة لتقديم العون إلى حليف خاسر وهو إيران، فبدلا من خروج عجلته الاقتصادية من وحول الطائفية والفساد والأحزاب الدينية، راح يهرول لإنشاء مناطق صناعية مع إيران في وسط العراق وشماله، وهي من شأنها أن تخنق بأنفاسها الثقيلة والكريهة ما تبقى من الاقتصاد العراقي؛ وهذا ما يصّب الزيت على النار، ويغرقه أكثر فأكثر في المستنقع الإيراني الآسن.

الاستثمار المشترك وتنمية التجارة الثنائية بين البلدين له قوانينه العملية التي تكون بعيدة عن الطائفية والفساد والضغط والتبعية. إن تعجل إيران لتوقيع ست اتفاقيات تعاون في مجالات مختلفة، دوافعه الخشية من تضييق الخناق عليها من الحصار الأمريكي الذي دخل مرحلته التطبيقية

إن خطوة إنشاء المناطق الصناعية بين أي بلدين في العالم هي خطوة إيجابية وتعود بالنفع على الطرفين، ولكن في حالة إنشائها مع إيران المتوغلة لا منفعة فيه أبداً لأسباب التبعية واستغلال النفوذ.

كما يؤكد الخبراء الاقتصاديون أن هذا النمط الريعي من شأنه أن يعطل التنمية الوطنية التي يحتاج إليها العراق بعد تدمير البنى التحتية لأغلب مدنه خاصة السنيّة منها كالموصل والأنبار وصلاح الدين وغيرها.

ولا يزال النازحون يفترشون الخيام البلاستيكية في هذا الشتاء القارس البرد، ولا أمل في عودتهم إلى مدنهم الأصلية، وهم ليسوا جزءاً من هذه المناطق الصناعية المشتركة، بل على العكس إنهم من المهمشين والمعزولين.

إن إيران والمليشيات التابعة لها حرصت على تدمير معظم المصانع الصغيرة والمتوسطة التي يصل عددها إلى أكثر من مئتي شركة ومعمل، وقد تم تفكيك آلاتها وبيعها إلى إيران كما يشهد التاريخ؛ وهذا ما خلق فراغاً كبيراً وحوّل العراق إلى مجرد مستهلك للبضائع السلع الإيرانية.

إذاً ما نفع المناطق الصناعية المشتركة التي يكون فيها الرابح الوحيد هو إيران؟ إن معظم هذه الشركات والمصانع العراقية مُصابة بالشلل التام بعد أن أصبحت معزولة عن تقنيات التكنولوجيا الحديثة التي يتعامل معها العصر، مع انتشار البطالة على نطاق واسع وتعطل الأيادي العاملة، وبدلاً من تطويرها وتنميتها، راحت إيران تشجعها على الانخراط في المليشيات التي أسستها إيران في العراق، وأغلبها كان يعمل في إيران قبل سقوط النظام العراقي في 2003، وقد وصل عددها في آخر إحصائية إلى 67 منظمة مسلحة ومعظمها تابعة إلى إيران قلباً وقالباً.

كيف يمكن أن تعمل المصانع والشركات العراقية من أجل تعزيز التنمية الوطنية إذا كانت الكهرباء معطلة، وكانت بؤرة للفساد عبر هذه السنوات الطويلة من أجل استيرادها من إيران، إضافة إلى فتح الحدود أمام جميع البضائع التي تدخل إلى العراق خاصة الفاسدة منها؟

وعملت القوانين التي صوّت عليها قادة المليشيات على تعطيل ملف التعرفة الجمركية، وظل قانون التعرفة الجديد (رقم 22 لعام 2010) غير مفعّل؛ وهذا ما أثر سلباً على الاقتصاد العراقي الذي من المفترض أن تكون له حماية قانونية، وفي هذه الحال ليس هناك فائدة من المناطق الصناعية وغيرها لأن العراق غير ملتزم بقوانين منظمة التجارة العالمية، ما أدّى إلى إضعاف إنتاجه الوطني المحلي؛ لذلك يسعى الفاعلون الأساسيون إلى ربط الاقتصاد العراقي بالاقتصاد الإيراني المتهاوي الذي لن يؤدي إلا إلى تدمير الاقتصاد العراقي وتخريبه، وهو متهاوٍ أصلاً.

وتأتي هذه الخطوات من خلال إعفاء قائمة السلع والبضائع الإيرانية من الرسوم الجمركية الذي يتناقض مع قوانين منظمة التجارة العالمية.

إن المناطق الصناعية المشتركة لن تكون إلا معولا لتدمير الاقتصاد العراقي، وجعل هذا البلد تابعاً اقتصادياً لا أكثر لأن إيران تعلم أن الاقتصاد عنصر جوهري في حياة الناس.

وبمعنى آخر، تدق هذه المناطق الصناعية آخر مسمار في نعش الاقتصاد العراقي، لأنه سوف يكبح تشغيل المعامل العراقية، وهذا ما تريده إيران، حتى أنها شلت الزراعة العراقية من أجل تصريف منتجاتها الزراعية، وآخر ما حصل تدميرها للثروة السمكية العراقية وأثار جدلاً كبيراً في أوساط العراقيين.

ومن جراء هذه السياسة، أصبح عمال شركات القطاع العام عالة عليها في ظل استلامهم للرواتب بدون إنتاج، وهو مبدأ يناقض فكرة الاقتصاد الاجتماعي الذي يحرّك حياة الناس في العالم أجمع.

المشكلة أن إيران تفرض نفوذها على العراق بمساعدة المليشيات المناصرة لها، والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: أين ستذهب أموال المستثمرة في هذه المناطق الصناعية بين العراق وإيران؟

من المعروف جيداً أن الأحزاب الدينية هي التي تسيطر على الأموال وإنفاقها في كلا البلدين، لذلك لا تستفيد الفئات الضعيفة منها بل تذهب إلى تسليح المليشيات المسيطرة أصلاً على كل نشاط في كلا البلدين.

وقد وصل حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران إلى 12 مليار دولار سنوياً وفي ارتفاع إلى 20 مليار سنوياً، حسب الإحصائيات الأخيرة وتصريحات المسؤولين من الطرفين، ولكن هذه العوائد غائبة، ولا تأثير لها على التنمية الوطنية، ولا تعمل على امتصاص البطالة أو تحسين مستوى معيشة الأفراد في البلدين.

الاستثمار المشترك وتنمية التجارة الثنائية بين البلدين له قوانينه العملية التي تكون بعيدة عن الطائفية والفساد والضغط والتبعية، إن تعجل إيران لتوقيع ست اتفاقيات تعاون في مجالات مختلفة، دوافعه الخشية من تضييق الخناق عليها من الحصار الأمريكي الذي دخل مرحلته التطبيقية، وإنشاء مناطق تجارة حرة يصّب في مصلحة إيران في الدرجة الأولى، ولا يكون فيها العراق إلا مستهلكا بائسا لا غير، في ظرف بات فيه الحرس الثوري الإيراني اللاعب الأساسي في تدريب المليشيات الطائفية وتسليحها، لتكون حديقتها الخلفية في أي صراع.

بل إن العراق يقع تحت ضغط إيران في عمليات الاستيراد لأنها تذهب إلى جيوب خاصة، وهذا ما يمنع العراق من تنويع استيراداته من بلدان متنوعة أخرى.

إن الاقتصاد العراقي في ارتباطه بإيران لا يؤدي إلى نتائج إيجابية في تحسين أوضاع الناس بل يزيدها سوءاً، ويبقى العراقيون يحلمون بتأسيس صناعتهم الوطنية بعيداً عن كل التأثيرات الأجنبية.