تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

أمين معلوف أميناً دائما للأكاديمية الفرنسية

أمين معلوف
AvaToday caption
انتخاب أمين معلوف الذي يوصف بـ "الفرنكوفوني" وقدم خدمات جلى للفرنكوفونية، يتجلى قرار الأكاديمية في إعادة إحياء البعد الفرنكوفوني الذي يشهد حالاً من الانحسار حتى في الدول الفرنكوفونية نفسها
posted onSeptember 28, 2023
noتعليق

فاز الكاتب اللبناني الفرنسي أمين معلوف (74 سنة) بمنصب "الأمين الدائم للأكاديمية الفرنسية" كما كان متوقعاً لكونه الأوفر حظاً، على خلاف منافسه جان كريستوف روفان (71 سنة)، وحصل معلوف على 24 صوتا بينما حاز روفان 8 أصوات من أصل 35 عضوا. وكانت معظم الصحف الفرنسية تحدثت عن فرصة فوز معلوف الذي وصفته صحيفة "جورنال دو ديمانش" الأحد الماضي بـ "الشخصية التي تحظى بالإجماع". ومعروف أن معلوف غارق جداً في أنشطة المؤسسة التي انضم إليها عام 2011، وكانت المؤرخة إيلين كارير دانكوس، الامين السابق، التي توفيت قبل مدة، تميل إلى أن يكون معلوف وارثها في هذا المنصب. وكان عضو في الأكاديمية هو الكاتب مارك لامبرون قاد حملة ضد روفان خلال الأشهر الأخيرة، متهما إياه بالافتقار إلى الاستقلالية.

أما جلسة الانتخاب فشهدت نقاشاً خلال انعقادها بعد ظهر اليوم حول الاسمين بصفتهما المرشحين الوحيدين لهذا المنصب، خلفاً للمؤرخة التي توفيت قبل شهرين.

لم يكن مستغرباً فوز معلوف، فالأكاديمية تواجه منذ أعوام حملات نقدية في الصحف والأوساط الأدبية، في شأن تقاعسها عن ترسيخ اللغة الفرنسية في العالم الفرنكوفوني وعدم ضلوعها في مواجهة الغزو الأنغلوفوني الذي بلغ فرنسا نفسها، وكان واضحاً بعد انتخاب أول كاتب غير فرنسي ولا يكتب بالفرنسية، وهو الروائي البيروفي النوبلي ماريو فارغاس يوسا عضواً في الأكاديمية، أنها تسعى حثيثاً إلى فتح أبوابها أمام أدباء العالم، ولا سيما الفرنكوفونيين، والخروج من عزلتها التي يأخذها عليها الكتاب والمثقفون الفرنسيون، ولعل انتخاب أسماء أجنبية فرنكوفونية يمنحها بعداً عالمياً يبدو أنها تحتاج إليه، بعد الاجتياح الأنغلوفوني العالمي الرهيب.

وعلى رغم الحملات النقدية التي تواجهها الأكاديمية منذ أعوام فهي لا تزال وطنية وتمثل دور حارسة اللغة الفرنسية والساهرة على سلامتها وسلامة الأدب الفرنسي والساعية إلى عصرنة اللغة وتطويرها انطلاقاً من حرصها على أصالتها، وقد جلب ذلك حملات ضدها وعناوين أو شعارات صارخة، ومنها على سبيل المثال "هل لا تزال الأكاديمية ذات نفع؟" و "هل وصلت إلى نهايتها؟" أو "إذا اختفت الأكاديمية غداً فلن يتأثر أحد"، و"الأكاديمية الفرنسية ضد اللغة الفرنسية". ومن الشائع أن الأكاديمية التي أسست العام 1635 لم تُصدر حتى الآن سوى 8 قواميس لغوية والتاسع قد يصدر هذه السنة.

وكتبت مرة مجلة "إكسبرس" الشهيرة مقالة عنوانها "لماذا يجب إلغاء الأكاديمية الفرنسية؟"، بينما عنونت مجلة "لوبس" أحد أعدادها بـ "الأكاديمية معطلة".

كان واضحاً إذاً انفتاح الأكاديمية على أسماء كبيرة في الأدب الفرنكوفوني، وهذا الانفتاح يدل على التزامها الفرنكوفوني وسعيها إلى الحفاظ على خريطة انتشار اللغة الفرنسية في العالم، وماريو بارغاس يوسا ليس الأجنبي الأول الذي يدخل رحابها، فقد سبقه إليها أدباء متنوعو الهويات ومنهم الجزائرية آسيا جبار واللبناني أمين معلوف والصيني فرانسوا شينغ والبريطاني ميكايل إدواردز و الإيطالي موريزيو سيرا، لكن هؤلاء فرنكوفونيون حقاً يكتبون بالفرنسية وينتمون إلى المشروع الفرنكوفوني ومعظمهم يحمل الجنسية الفرنسية.

وفي انتخاب أمين معلوف الذي يوصف بـ "الفرنكوفوني" وقدم خدمات جلى للفرنكوفونية، يتجلى قرار الأكاديمية في إعادة إحياء البعد الفرنكوفوني الذي يشهد حالاً من الانحسار حتى في الدول الفرنكوفونية نفسها، لا سيما بعد تراجع الحضور الفرنسي السياسي في أفريقيا وما سواها.

واللافت في معركة الأمانة العامة أن معلوف وروفان هما من الفائزين بجائزة "غونكور" المرموقة، علاوة على صداقتهما المتينة، لكن روايات معلوف أكثر شعبية وتخاطب شرائح واسعة من القراء، خصوصاً لما تتمتع به من أجواء تاريخية واستشراقية.

وعندما أصدر أمين معلوف كتاب "الحروب الصليبية كما رآها العرب" بالفرنسية عام 1983 لم يكن يهيأ له أن هذا الكتاب الفريد سيفتح له أفقاً واسعاً بعد النجاح الذي لقيه في فرنسا وسائر البلدان التي ترجم إلى لغاتها، فقد صدر هذا الكتاب في مرحلة دقيقة كان الحوار فيها بين الشرق والغرب مشوباً بكثير من التناقص وسوء الفهم، وكانت قضية الحروب الصليبية نفسها مثار جدل تاريخي وديني بين المؤرخين والعلماء العرب والمستشرقين الغربيين والمؤرخين وعلماء الاجتماع والسياسة، وجاء كتاب معلوف ليلقي ضوءاً ساطعاً على هذه القضية انطلاقاً من نظرة المؤرخين والرواة العرب إليها، معتمداً الموضوعية التامة في قراءة تلك الحقبة، وبدا الكتاب هذا أشبه بـ "الرواية الحقيقية" التي تميل إلى فعل التأريخ أكثر مما تميل إلى فعل القص والسرد.

إلا أن هذا الكتاب فتح أمام معلوف باب الرواية التاريخية ممهداً أمامه الطريق الذي سيسلكه، وبعد ثلاثة أعوام أصدر روايته الجميلة "ليون الأفريقي" (1986) متناولاً فيها الشخص الإشكالي الذي يدعى حسن بن محمد الوزان ويلقب بـ "الغرناطي" و"الأفريقي"، وكان يعد نفسه "ابن السبيل" وطنه "القافلة"، وفيه تلتئم اللغة العربية والتركية والبربرية والقشتالية والعبرية واللاتينية.

وبعد عامين أصدر معلوف رواية "سمرقند" (1988) جامعاً فيها بين غرق باخرة "تيتانيك" الشهيرة و"رباعيات" الشاعر الفارسي عمر الخيام وفرقة الحشاشين، وهذه الرواية بدت غاية في الطرافة والسحر لأنها ارتقت بالحدث التاريخي إلى مصاف الحدث المتخيل.

ثم أصدر "حدائق النور" (1991) التي تدور حول شخصية "ماني" مؤسس الديانة المانوية، ثم رواية "صخرة طانيوس" التي حازت جائزة "غونكور" الفرنسية عام 1993، و"موانئ المشرق" و"الهويات القاتلة" وسواها.

وروايات أمين معلوف هي أعمال روائية بمقدار ما هي أعمال تاريخية، واستطاع الكاتب اللبناني - الفرنسي أن ينفتح من خلالها على الحضارات والثقافات والشعوب في ما يشبه الحوار الحقيقي الذي لا يلغي الخصوصيات والاختلافات والهويات الأصلية، وكان لا بد لهذه الروايات من أن تشهد رواجاً عالمياً لم يتطلب كثيراً من الوقت، فهي تخاطب الإنسان حيثما كان وتتوجه إلى الذاكرة والمخيلة في وقت واحد، وكان لا بد لهذه الروايات أيضاً من أن تنتشر في سلسلة كتب الجيب.

هل يتمكن أمين معلوف من إيجاد سياسة جديدة تساعد الأكاديمية في الخروج من أزمتها غير المعلنة و تحديث أدواتها ومعطياتها والنهوض بمشاريع تسهم في إحياء الفرنكوفونية في العالم؟