تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

لماذا صار اللون الوردي رمزاً للأنوثة؟

حملة بوسي هوت الاميركية
AvaToday caption
اللون له لغة وتأثير وهو مرتبط بدلالات معينة في مجتمعه، أو دلالات عالمية في بعض الحالات ومن هنا يأتي تأثيره، وهناك أخطاء يقوم بها كثير من الناس مثل صرف الأطفال الذكور عن الارتباط باللون الوردي
posted onAugust 21, 2023
noتعليق

"الحياة بقى لونها بمبي"... قالتها الفنانة الراحلة سعاد حسني في واحدة من أشهر أغانيها للدلالة على السعادة الطاغية وطاقة البهجة التي يطلقها هذا اللون المرتبط بالربيع والأزهار والجمال وكثير من الرموز المتصلة بالسعادة، ودائماً ما تغنى الشعراء وتغزلوا بالفتاة ذات الخدود الوردية ليصبح هذا اللون مرادفاً للجمال عبر السنين.

في العقود الأخيرة صار اللون الوردي بمثابة الراعي الرسمي للأنوثة، في الملابس والديكورات والشعارات، وفي دمى البنات الصغيرات وأشهرها "باربي" التي جعل الفيلم الأخير عنها العالم وردياً بشكل أو بآخر.

والوردي هو مزيج من الأبيض والأحمر واستخدم للمرة الأولى بهذا الاسم في أواخر القرن الـ17، ولم يكن هذا اللون شائعاً في العصور القديمة حتى بين الطبقات العليا التي كانت تفضل ألواناً أخرى مثل الأحمر والأزرق الملكي، وفي بداية انتشاره لم يكن اصطبغ بعد بأية توجهات أو رموز تمنحه دلالات معينة.

ظهر اللون الوردي في أعمال بعض الفنانين من عصر النهضة، أبرزهم روفائيل في لوحة شهيرة تعرف باسمMadonna of the pinks وهي لمريم العذراء وابنها المسيح الطفل بينما يقدم لها زهرة وردية، ولاحقاً رسم فرانسوا بوشيه لوحته الشهيرة لمدام دو بومبادور عام 1759، وتظهرها اللوحة مرتدية فستاناً وردياً تعرف درجته اللونية حتى اليوم باسمها حتى أصبح يطلق عليه اسم "روز بومبادور".

ككل الألوان يحمل الوردي طاقات معينة تؤثر في الناس، وعن ذلك تقول مها العطار المتخصصة في فلسفة الفنون إنه مرتبط بالفرحة والبهجة والروحانيات والطاقة الإيجابية وكلها أمور على صلة بالأنوثة، لهذا فهو لون معتمد للتعبير عنها في العالم كله، وهذا العام شهد حالاً من الانتشار الكبير للون الوردي في العالم بأسره بالتواكب مع إطلاق فيلم "باربي"، لكن الأمر أصبح مبالغاً فيه لأن كل شيء لا بد من أن يستخدم بتوازن حتى يحقق الهدف منه، وكل عام يحدد المتخصصون ما يطلق عليه "الماستر كلر" أو (اللون الرئيس) للعام، وذلك وفق حسابات معينة وأمور تتعلق بالاتجاهات العالمية، واللون الرئيس لهذا العام ليس الوردي على رغم اكتساحه.

وتضيف العطار "تأثير الألوان فينا مهم وطاقتها تؤثر في طبيعة المكان، ومن هنا لا بد من حسن توظيفها، فالألوان الساخنة مثل الأحمر يكون تأثيرها سيئاً جداً في الأماكن التي تحتاج إلى الهدوء مثل غرف النوم والمستشفيات، وفيها يجب اعتماد الألوان التي تسبب الراحة والهدوء، وبالنسبة إلى الوردي فإنه يستخدم حال الرغبة في التزود بطاقة البهجة بشكل عام فيوظف في الملابس أو الديكورات".

الارتباط بين اللون الوردي والإناث، بخاصة من الأطفال لم يأت إلا في العصر الحديث، إذ يجري تخصيص اللون الأزرق للمواليد الذكور والوردي للإناث، أما في العصور القديمة، فكان الوردي يرتبط بالذكور باعتباره مشتقاً من اللون الأحمر الذي يرمز إلى القوة والإقدام، بينما كان اللون الأزرق الفاتح مرتبطاً بالصفاء والهدوء وبالتالي جرى استخدامه للإناث، وهناك لوحة للملكة فيكتوريا عام 1850 مع طفلها الأمير آرثر الذي كان يرتدي اللون الأبيض والوردي وهو ما كان شائعاً في هذا الوقت، واستمر الوضع على هذا النحو حتى العقود الأولى من القرن الـ20، ولم يكن اللون الوردي يعامل كرمز للأنوثة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

في مطلع الخمسينيات ظهرت مجموعات من الصور المتداولة لمشاهير من الرجال اعتمدوا فيها اللون الوردي الذي كان ظهورهم به مقبولاً خلال هذه الحقبة، ولم يكن أصبح حكراً على النساء بعد، فعام 1950 انتشرت صورة للملاكم الأميركي شوغر راي روبنسون أمام سيارته الـ"كاديلاك" الوردية في مشهد يبدو غير مألوف حالياً، كما ظهرت في الخمسينيات أيضاً صور للفنان إلفيس بريسلي بينما يرتدي قمصاناً وردية اللون أكثر من مرة.

جاءت الانطلاقة الكبرى للون الوردي كرمز للأنوثة في العالم من أميركا مع بداية عهد أيزنهاور في مطلع الخمسينيات، حينما ظهرت زوجته معه للمرة الأولى أثناء مراسم تنصيبه عام 1953 بثوب وردي والذي أصبح بفضلها "ترند" بلغة العصر الحالي، بحيث اعتمدته النساء في كل أنحاء العالم وأطلق عليه وقتها "مامي بينك" نسبة إلى مامي أيزنهاور.

شهد العام نفسه حدثاً آخر كان من عوامل اعتماد اللون الوردي رمزاً للأنوثة في هذه الفترة، وهو ظهور مارلين مونرو بفستان وردي في فيلم "Gentelmen prefer blondes" لينطلق من وقتها كرمز للأنوثة في كل أنحاء العالم.

في هذا التوقيت كان هناك تأثير كبير لوسائل الإعلام المختلفة وأصبح تناقل المعلومات والصور أسهل بكثير عن ذي قبل، ومن هنا أصبح اللون الوردي مرتبطاً بالنساء فتلاشى استخدامه للذكور بشكل شبه كامل، وفي الوقت ذاته كانت هذه المرحلة تشهد بداية ظهور تأثير الإعلانات الترويجية التي نجحت في خلق صورة ذهنية للون الوردي ترتبط بالإناث لزيادة مبيعاتها من المنتجات الوردية التي انتشرت تماشياً مع التوجه العام، ليصبح من وقتها وحتى الآن اللون الرسمي للأنوثة.

لكن هل في هذا التوجه عنصرية تجعل الوردي حكراً على النساء دون الرجال؟ تجيب العطار أن "الإنسان بشكل عام هو مزيج من طاقة الذكورة والأنوثة، لكن غالباً ما تكون لأحدهما الغلبة طبقاً للجنس، ومن هنا يأتي استغلال طاقة الألوان ودلالتها، ففي حال وجود رجل تغلب عليه القسوة الشديدة أو العنف يمكن أن ينصحه المتخصصون في توظيف لون تميل طاقته إلى الهدوء مثل الوردي فيستخدمه في قطعة مكملة من ملابسه مثل ربطة العنق أو المنديل، والعكس صحيح كذلك، إذ تنصح السيدات اللاتي يعانين ضعف الشخصية باستخدام لون طاقته قوية حتى تنتقل إليهن تلك الطاقة".

وتضيف العطار "اللون له لغة وتأثير وهو مرتبط بدلالات معينة في مجتمعه، أو دلالات عالمية في بعض الحالات ومن هنا يأتي تأثيره، وهناك أخطاء يقوم بها كثير من الناس مثل صرف الأطفال الذكور عن الارتباط باللون الوردي، فالطفل هنا ليس محملاً بهذه التوجهات والأفكار والدلالات التي تضفيها المجتمعات على الألوان، وإنما يدفعه إحساسه إلى اللون الوردي لارتباطه بالبهجة عموماً".

في كتابها بعنوانPINK" " قدمت فاليري ستيل، مؤرخة الموضة ومديرة متحف معهد الأزياء في الولايات المتحدة، رصداً لتاريخ اللون الوردي ورمزيته في ما يتعلق بالموضة والفن والثقافة منذ القرن الـ18 وحتى الوقت الحاضر، ومن بين المواضيع التي أثارتها تحوّل اللون الوردي إلى رمز للاحتجاج حينما يتعلق الأمر بالنسوية وقضايا المرأة، مستدلة على ذلك بالواقعة التي حدثت في الولايات المتحدة عام 2017 في اليوم التالي لتنصيب دونالد ترامب، حينما خرجت آلاف النساء في وقفة احتجاجية مرتديات قبعات وردية أطلق عليها "Pussy hats" في واحدة من الدلائل على استخدام اللون كقوة جماعية نسوية عند المطالبة بالحقوق المرتبطة بالإناث، وخرج في المقابل بعض النشطاء رافضين ارتداء هذه القبعات باعتبار أن القضايا التي تطالب بها النساء جدية وهذه القبعات "اللطيفة" يمكنها أن تقلل من شأنها.