تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

إسرائيل وإيران... اعتماد متبادل على العداء

العلم الاسرائيلي والايراني
AvaToday caption
بيروت لجأت إلى القوات الدولية لترتيب البحث عن حل عبر الاجتماع الثلاثي التقليدي في الناقورة بين ممثلين عن الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي وقوات "اليونيفيل" الدولية
posted onJuly 17, 2023
noتعليق

حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 كانت في رأي الرئيس أنور السادات "آخر الحروب العربية- الإسرائيلية"، وفي رأي شريكه الرئيس حافظ الأسد "الحرب الناقصة"، لكن الحرب الناقصة لم تكتمل، وما حدث بعدها هو مجرد حروب أو معارك إسرائيلية مع طرف واحد أبرزها حروب تل أبيب مع منظمة التحرير ثم مع "حزب الله" في لبنان.

وبعد حرب 2006 بين إسرائيل و"حزب الله" قيل إن هذه آخر الحروب الطويلة بين الطرفين، مع استمرار كل منهما في التهديد بحرب شاملة. إسرائيل تهدد بإعادة لبنان إلى "العصر الحجري". و"المقاومة الإسلامية" تلوح بمعارك "حيفا وما بعد حيفا".

لكن 17 عاماً من الهدوء على الحدود في الجنوب اللبناني بعد الحرب أكدت رأي الخبير الاستراتيجي الأميركي كينيث بولاك الذي قال "حرب تموز علمت إسرائيل وحزب الله خطورة تكرار الأخطاء، ولا حرب بعدها".

اليوم تتكرر الأجواء المتوترة والتهديدات المتبادلة مثل التي سبقت الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل لكي يعمل كل طرف على استثمار ثروته الغازية والنفطية. جدار حديدي تبنيه إسرائيل على أرض لبنانية شمال قرية الغجر المحتلة، التي يسكنها سوريون يحملون الجنسية الإسرائيلية. "حزب الله" يقيم خيمتين في مزارع شبعا المحتلة بعد سنوات من دفع موضوع المزارع التي احتلتها إسرائيل من سوريا عام 1967 إلى الوراء في سلم الأولويات. لبنان يطالب باستعادة أرضه وإجبار إسرائيل على تفكيك الجدار. وتل أبيب تطالب بنزع الخيمتين.

خطاب التهديد بالحرب والتذكير بما يسمى "توازن الردع" جرى تبريده بسرعة. رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أهارون حاليفا قال إن "تل أبيب ستفعل كل ما هو مطلوب للمحافظة على الهدوء". إدارة الرئيس جو بايدن دعت إلى "التهدئة على الخط الأزرق للحفاظ على الاستقرار والأمن في لبنان وإسرائيل". وبيروت لجأت إلى القوات الدولية لترتيب البحث عن حل عبر الاجتماع الثلاثي التقليدي في الناقورة بين ممثلين عن الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي وقوات "اليونيفيل" الدولية.

ذلك أن الأحاديث كانت ولا تزال عن حرب شاملة لا يريدها أي طرف. لبنان الذي بلا رأس والمأزوم سياسياً والمهترئ مالياً واقتصادياً ليس الجبهة المناسبة لحرب شاملة تخوضها "المقاومة الإسلامية" بما يؤدي إلى تدمير الباقي من لبنان، وإن ألحق دماراً كبيراً بالعدو. وإسرائيل التي تعاني انقساماً سياسياً حاداً ونوعاً من العصيان المدني وامتناع ضباط الاحتياط في سلاح الطيران عن الخدمة احتجاجاً على "المذبحة القضائية" على يد حكومة هي الأكثر تطرفاً حتى بين حكومات اليمين، وسط أزمة مع البيت الأبيض، ليست جاهزة لشن حرب ومواجهة عشرات آلاف الصواريخ. حتى وزير الدفاع يؤاف غالانت فإنه يتحدث عن "نهاية عصر المواجهات المحدودة، فالحرب صارت على كل الجبهات بعد تشكيل طوق جديد"، في إشارة إلى "وحدة الساحات" بين غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن بقيادة إيران.

لكن ذلك كله لا يمنع إسرائيل من خوض ما تسميها "المعركة بين الحروب". ولا يحول دون أن تذهب "المقاومة الإسلامية" إلى "أيام قتالية" ضمن تثبيت أو تعديل "قواعد الاشتباك". فما فعلته وتفعله إسرائيل في الحروب على غزة واقتحامات جنين ونابلس وسواهما في الضفة الغربية كما في القصف الجوي لأهداف في سوريا، بقي في إطاره الثنائي من دون أن يفعل "محور المقاومة" استراتيجية "وحدة الساحات".

الكل يعرف في العمق بصرف النظر عن الخطاب، أن الحرب الشاملة عبر "وحدة الساحات" لن تحدث إلا إذا قامت إسرائيل بهجوم على إيران تحت عنوان السلاح النووي، سواء قامت بالهجوم وحدها أو دعمتها أميركا.

والمعركة تتوقف على خطأ في التقدير أو في القراءة، لكن من الصعب أن تتطور إلى حرب شاملة. والسؤال الذي يهرب كثيرون من الجواب عنه هو: ماذا تفعل إسرائيل من دون عدو إيراني يسلح ميليشيات ويعمل على مشروع نووي ويتحدث عن إزالة إسرائيل، وماذا تفعل إيران وميليشياتها إذا بلع البحر إسرائيل، أليس "الاعتماد المتبادل" على العداء محوراً مهماً في السياسات الإقليمية والدولية؟