تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

خسائر جديدة تطارد الليرة التركية

العملة التركية
AvaToday caption
تسببت سياسات خفض أسعار الفائدة التي انتهجها الرئيس التركي وفرضها على البنك المركزي، في عديد من الأزمات، وتصدر التضخم المرتفع قائمة الأزمات العنيفة التي واجهت الأتراك
posted onJune 8, 2023
noتعليق

بعد أيام من إعلان فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية ثانية، تراجع سعر صرف الليرة التركية بأكثر من 7 في المئة حتى تعاملات اليوم الأربعاء، لتبلغ أدنى مستوى لها على الإطلاق مقابل الدولار، بعد أن تجاوز سعر الليرة التركية نحو 23 للدولار الواحد.

وهوت الليرة لمستوى قياسي جديد لتواصل الخسائر التي تكبدتها منذ إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان تشكيل حكومته مطلع الأسبوع بعد الانتخابات التي أجريت الشهر الماضي، إذ انخفضت الليرة التي تتعرض لضغوط وسط طلب قوي على العملات الأجنبية لتصل خسائرها بذلك منذ بداية العام وحتى الآن إلى أكثر من 15.5 في المئة.

في غضون ذلك تترقب الأسواق تحركات وزير المالية التركي الجديد، محمد شيمشك، لكن الملف الأخطر الذي يواجه الوزير الذي سبق استبعاده من الحكومة بعد الإطاحة به قبل 4 سنوات، يتمثل في الخسائر والانهيارات التي تطارد العملة التركية مقابل الدولار الأميركي.

على صعيد خسائر الليرة ومنذ بدء الولاية السابقة للرئيس التركي، فقدت العملة التركية أكثر من 80.5 في المئة من قيمتها مقابل نظيرتها الأميركية، إذ قفز سعر صرف الدولار من مستوى 4.48 ليرة في يونيو (حزيران) من عام 2018، إلى نحو 23 ليرة في الوقت الحالي، لتصل مكاسب الورقة الأميركية الخضراء إلى أكثر من 413.4 في المئة خلال السنوات الخمس الأخيرة، بمتوسط مكاسب سنوية تقترب من 70 في المئة.

وقبل أيام، ارتفعت نسبة متداولي المشتقات المالية الذين يتوقعون تراجع سعر صرف الليرة التركية إلى 29 ليرة لكل دولار من المستويات الحالية عند 20 ليرة، إلى 53 في المئة مقابل 36 في المئة كانوا يتوقعون صعودها إلى هذا المستوى بعد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في تركيا.

ويبدو من التصريحات المتداولة للحكومة التركية أن عودة شيمشك، بمثابة ستار يسدل على مغامرة اقتصادية خاضها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ضد النظريات السائدة في الاقتصاد الحديث، خصوصاً تلك التي توضح العلاقة بين أسعار الفائدة والتضخم، إذ تسببت الضغوط التي مارسها الرئيس التركي في دفع البنك المركزي نحو خفض سعر الفائدة الرئيس من 24 في المئة في عام 2018 إلى المستوى الحالي البالغ 8.5 في المئة.

ولا ترتبط ضغوط الرئيس التركي على البنك المركزي في شأن الفائدة بأي نظرية اقتصادية، لكنها تتعلق فحسب بوجهة نظره في أن الفائدة شر لا بد من التخلص منه.

وتسببت هذه السياسات في دفع معدل التضخم في البلاد التي تعاني سلسلة من الأزمات الاقتصادية، إلى أن يتجاوز مستوى 85 في المئة خلال العام الماضي، في الوقت الذي كانت البنوك المركزية على مستوى العالم تشد أحزمتها للدخول في دورة من التشديد النقدي ورفع أسعار الفائدة، كان البنك المركزي التركي وحيداً يواصل خفض أسعار الفائدة.

وفي أول تصريح له عقب إعلانه وزيراً للمالية، قال شيمشك إن بلاده "لا خيار لديها إلا العودة إلى أساس منطقي في السياسات الاقتصادية لضمان القدرة على التنبؤ بتبعاتها".

وفسر المحللون هذا التصريح المقتضب على أنه بمثابة انقلاب على السياسات التي انتهجها البنك المركزي التركي خلال السنوات الماضية، والتي تسببت في وصول التضخم إلى معدلات قياسية غير مسبوقة، خصوصاً أن شيمشك معروف عنه تأييده للنظريات الاقتصادية التقليدية، وهو أمر يتعارض مع وجهة نظر أردوغان التي تميل إلى أن أسعار الفائدة المرتفعة تسبب التضخم المتزايد بدلاً من علاجه.

الأزمات الاقتصادية التي تحاصر الاقتصاد التركي، خصوصاً ما يتعلق منها بانهيار الليرة وارتفاع معدل التضخم مع استمرار تهاوي احتياطات البلاد من النقد الأجنبي في إطار محاولات احتواء خسائر الليرة مقابل الدولار الأميركي، دفعت مؤسسة "أس أند بي غلوبال ريتينغز" للتصنيف الائتماني، إلى تخفيض نظرتها المستقبلية للتصنيف الائتماني السيادي لتركيا إلى سلبية بدلاً من مستقرة، مشيرة إلى سلسلة التحديات التي تواجه إسطنبول بما في ذلك كلفة التعافي من الزلازل، والتضخم الذي خرج عن السيطرة.

وأكدت المؤسسة تصنيف تركيا عند درجة B مما يضعها على قدم المساواة مع مصر وكينيا، وأوضحت أنه على رغم انخفاض عجز موازنة الحكومة المركزية في العام الماضي، إلا أن مخاطر القطاع العام الأخرى آخذة في الزيادة.

ولفتت الوكالة إلى أن عمليات إعادة الإعمار في أعقاب سلسلة من الزلازل التي ضربت البلاد خلال فبراير (شباط) الماضي، تحتاج إلى تمويل داخلي وخارجي يصل إلى 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وخلال فبراير الماضي، خفض البنك المركزي التركي سعر الفائدة الأساسي إلى 8.5 في المئة على رغم أن التضخم السنوي كان يدور حول مستوى 55 في المئة، مقارنة بهدف البنك الرسمي البالغ نحو 5 في المئة.

تعليقاً على ذلك قالت "أس أند بي غلوبال"، إن "التضخم المنفلت يعقد تحليلنا المالي والاقتصادي والنقدي"، مشيرة إلى أن "المخاوف تتعلق بالتزام البنك المركزي ووزارة الخزانة بتعويض المودعين عن أي خسائر مرتبطة بتغير سعر الصرف على المدخرات المرتبطة بالعملة الأجنبية، مضيفة أن "هذه المدخرات تعادل نحو 9.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي".

كانت آخر مرة خفضت فيها "أس أند بي غلوبال ريتينغز" تصنيفها الائتماني لتركيا في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي.

وفي أغسطس (آب) الماضي، كانت وكالة "موديز" خفضت تصنيف تركيا إلى B3 مشيرة إلى أن "مخاطر ميزان المدفوعات"، بينما خفضت وكالة "فيتش" تصنيف الديون السيادية لتركيا إلى B في يوليو (تموز) الماضي بسبب مخاوف ارتفاع التضخم.

وتسببت سياسات خفض أسعار الفائدة التي انتهجها الرئيس التركي وفرضها على البنك المركزي، في عديد من الأزمات، وتصدر التضخم المرتفع قائمة الأزمات العنيفة التي واجهت الأتراك، وأرهقت الخسائر العنيفة التي طاردت الليرة، الأسر التركية بعد أن سجل التضخم مستوى يتجاوز 85 في المئة خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

فيما يبرر البنك المركزي التركي عدم قدرته على خفض أسعار الفائدة والتخلي عن دورة التشديد النقدي، بأن احتياطاته تعرضت أيضاً لضغوط بسبب الاضطرار إلى تمويل الجزء الأكبر من عجز الحساب الجاري لتركيا، بعد أن وصل إلى مستوى قياسي بلغ نحو 10 مليارات دولار في يناير (كانون الثاني) الماضي. وقبل أيام، قال محللون في "مورغان ستانلي"، إن "الضغط المستمر على إجمالي الاحتياطات منذ بداية العام، في ظل استقرار الليرة، لا يوفر مساحة كبيرة لظروف مالية ملائمة".

في الوقت نفسه يشعر بعض المستثمرين بالقلق من أنه إذا تعافت السوق مرة أخرى، قد تلجأ السلطات إلى مزيد من ضوابط رأس المال الصارمة، وهو ما نفته الحكومة التركية أكثر من مرة. وأكدت أنها لا تدرسه بينما تسعى إلى سد فجوة التمويل الخارجي البالغة 230 مليار دولار أو 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وخلال السنوات الماضية، اعتمدت الحكومة التركية على الأسواق الدولية للإقراض بالليرة لدرجة أن بيانات بنك إنجلترا المركزي تظهر أن التداول في المراكز الرئيسة مثل لندن تقلص إلى أقل من 10 مليارات دولار يومياً في المتوسط من 56 مليار دولار في عام 2018. وتسبب الخلل المتزايد في سوق الصرف والخسائر العنيفة التي تواجه الليرة التركية مقابل الدولار الأميركي، إلى انحسار التفاؤل الذي جلب في السابق عدداً من الاستثمارات الأجنبية إلى تركيا.