مرت خمسة أعوام بالضبط منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران، ومنذ ذلك الحين لم تقف طهران مكتوفة الأيدي، ويبدو أن صور الأقمار الاصطناعية الأخيرة تؤكد أن إيران تبني منشأة نووية في جبال زاغروس بالقرب من مركز التخصيب الحالي في نطنز، وهي على عمق كبير جداً تحت الأرض لدرجة أنها قد تكون في مأمن من أقوى قنبلة أميركية معدة لتدمير المخابئ.
وتقول "إيكونوميست" في تقرير لها إنه لو كان تحليل هذه الصور من قبل "مركز جيمس مارتن لدراسات عدم الانتشار النووي" James Martin Centre for Non-proliferation Studies في كاليفورنيا صحيحاً، فإننا أمام منشأة تضم أربعة أنفاق حفرت في سفح الجبل، عرض كل منها ستة أمتار وارتفاعها ثمانية أمتار، ويقع الموقع على عمق 80 إلى 100 متر داخل الجبل.
وفي ما يخص قدرات الأميركيين على التدمير، يقول التقرير إنهم يمتلكون قنبلة تعرف باسم قنبلة "جي بي يو-57" gbu-57 وهي عبارة عن 14 ألف كيلوغرام من المتفجرات، وقادرة على اختراق 60 متراً من الأرض والصخور قبل أن تنفجر، لكن حتى هذا النوع قد لا يكون كافياً لتدمير الموقع الجديد.
ويعتقد معهد العلوم والأمن الدولي The Institute for Science and International Security، وهو مؤسسة أبحاث في واشنطن، أن أعمق جزء من الغرفة يمكن استخدامه كقاعة لعدد صغير من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي يمكنها إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة [أي مادة نووية قابلة للانشطار ونقية بدرجة كافية لصنع سلاح نووي، أو لها خصائص تجعلها مناسبة بشكل خاص لاستخدام الأسلحة النووية] بسرعة تجعل إيران قادرة على تحقيق اختراق نووي في وقت قصير.
ومنذ خروج ترامب من الصفقة أدخلت إيران أجهزة طرد مركزي جديدة وسعّت بشكل كبير قدرتها على التخصيب. واستناداً إلى تقرير التفتيش ربع السنوي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يقدر "معهد العلوم والأمن الدولي" أن إيران قادرة على إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة لصنع قنبلة نووية في غضون 12 يوماً، وستحتاج فقط إلى استخدام ثلاث مجموعات من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة ونصف مخزونها الحالي من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة.
ويعتبر التقرير أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو إذا أقدمت إيران على استخدام كامل مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، فعندها ستكون قادرة على إنتاج كمية من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة كافية لتصنيع أربعة قنابل نووية أخرى في غضون شهر.
وفي غضون شهرين آخرين وباستخدام مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب (أي أقل من خمسة في المئة من اليورانيوم المخصب)، يمكنها أن تحصل على ما يكفي من المواد لقنبلتين إضافيتين. وسيستغرق اختبار ونشر قنبلة عبر طائرة أو سفينة حوالى ستة أشهر، وعام أو عامين لإنجاز رأس حربي للصواريخ.
ويرى التقرير أن أية محاولة لإحياء الاتفاق النووي قضي عليها مع بداية الحرب الروسية ضد أوكرانيا العام الماضي، والتقارب الإيراني - الروسي في المجال العسكري، وهو ما أنهى أي آمال لإحياء مجموعة "5+1".
ويعتقد إميل الحكيم، وهو خبير في أمن الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن International Institute for Strategic Studies in London أن معظم الدول الإقليمية، تعتبر أن روسيا المعزولة بفعل الحرب على أوكرانيا والحريصة على شراء مسيّرات وصواريخ من إيران، ستصبح شريكاً أكثر قيمة لإيران وأكثر استعداداً لنقل أنظمة عسكرية عالية التقنية مثل منظومة "إس-400" ومقاتلات "سو-35" المتطورة.
ويلفت التقرير أن بعض من في واشنطن يرغب في رؤية دور خليجي فاعل أكبر في مجال أمنها الذاتي، بخاصة مع انهماك الإدارة الأميركية في تداعيات الحرب في أوكرانيا، ناهيك عن تنافسها المستمر مع الصين.
وبينما تضغط إيران للحصول على صواريخ "أس-400" والمقاتلات الروسية من أجل تغيير قواعد اللعبة، ترى إسرائيل أن نافذة تحركها تغلق، فهي ربما تحتاج إلى ناقلة عملاقة من طراز "بوينغ كيه سي-46 بيغاسوس" KC-46 Pegasus، لشن هجوم على إيران، والذي سيكون على أي حال صعباً ومحفوفاً بالأخطار، فيما لا تتوقع "بوينغ" تسليمها حتى عام 2025.
وعلى أي حال فإن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ليست مقتنعة بعد بأن إيران قررت الدخول في عملية تخصيب نووي أو أنها اتخذت الخطوات الرئيسة نحو التسليح، وفي غضون ذلك تركز تل أبيب على لجم وكلاء إيران الإقليميين مثل حركة "حماس" الفلسطينية و"حزب الله" اللبناني.
