يستمر معرض تونس الدولي للكتاب الذي تأتي دورته هذا العام تحت شعار "حلق... بأجنحة الكتاب" وسط جدل بشأن إمكان استعادة القراءة مكانتها، لا سيما أن المعرض شهد إقبالاً لافتاً في أيامه الأولى.
وسجل قصر المعارض بالكرم، إحدى ضواحي العاصمة، اليوم الأحد مشاركة المئات من التونسيين الذين أقبلوا على اقتناء عديد من الإصدارات، خصوصاً أن اليوم تزامن مع عطلة رسمية في البلاد ستمتد إلى الغد بمناسبة عيد العمل.
وقالت هبة وهي طالبة جامعية (22 سنة)، إن "هناك عناوين تستحق القراءة، عودة معرض الكتاب الذي يشهد تخفيضات في تلك العناوين يحفزنا على الإقبال على المعرض، لا سيما بعد تأجيل نسخته العام الماضي لأسباب لا نزال نجهلها".
وعلى رغم وجود عوامل أربكت انطلاقة المعرض الجيدة، على غرار مزاعم بسحب بعض نسخ من كتب تنتقد الرئيس قيس سعيد مثل مؤلف "فرنكشستاين تونس" لكاتبه كمال الرياحي، و"قيس سعيد، ربان سفينة تائهة" للصحافي نزار بهلول، إلا أن المعرض سجل نسب إقبال جيدة من التونسيين.
لكن هذا الإقبال لا يحجب وجود تحد يواجه القائمين على المعرض كما المسؤولين في المجال الثقافي في البلاد، ألا وهو استعادة الكتاب بريقه في تونس لا سيما في ظل تزايد الإصدارات للكتاب التونسيين في السنوات الأخيرة بمختلف الأجناس سواء الرواية أو الشعر أو غيرهما.
وتضاعف عدد المشاركين في معرض تونس الدولي للكتاب، إذ بلغ 22 دولة للمرة الأولى، وذلك بحسب تصريحات لمديرة الدورة الحالية زهيرة جويرو.
وقال الروائي محمد عيسى المؤدب إن "معرض تونس للكتاب يبقى حاضنة لأهم الإصدارات العربية وحتى الأجنبية في وجود تعاون مع دور نشر أوروبية وغيرها، اليوم الأول كان هناك ضغط كبير واحتجاج من بعض دور النشر، لكن الهدوء عاد إلى المعرض ونسب الإقبال جيدة في انتظار أن تتحسن أكثر في هذه العطلة".
وعلى رغم أن السنوات الأخيرة شهدت انتشاراً كثيفاً لباعة كتب متجولين في العاصمة تونس، ما يمنح المواطنين فرصاً لاقتناء كتب بأسعار منخفضة مقارنةً بالمكتبات، إلا أن أرقاماً رسمية تفيد بأن التونسيين لا يزالون يهجرون بشكل كبير المطالعة.
وتقول الإدارة العامة للكتاب التابعة لوزارة الثقافة إن معدل المطالعة عند التونسيين لا يتجاوز 0.7 كتاب لكل ساكن في العام، وهو معدل لطالما أثار تساؤلات حول أسباب انتكاسة الكتاب على رغم أن تونس من أكثر الدول في المنطقة التي تعرف انتشار مكتبات بحوالى 423 مكتبة حكومية.
أما اللجنة الوطنية للاستشارة في شأن الكتاب والمطالعة، فقد أفادت في وقت سابق بأن 57.71 في المئة من الذين لا يطالعون يفتقرون إلى الوقت من أجل المطالعة، إذ ينشغل هؤلاء بتحصيل مقدرات عيشهم.
وبخصوص علاقة الكتاب بالقارئ، قال المؤدب "هناك ظروف اقتصادية يعيشها التونسيون مقابل غلاء أسعار الكتاب والورق، تجعل العائلة التونسية تقلل من اقتناء الكتب، بل تفضل اقتناء الكتب الموازية بتمكين أبنائها من الدراسة أكثر من إشباع حاجاتهم الإبداعية والثقافية والقراءة للفكر".
وتابع الروائي التونسي الذي صدرت له عديد من الروايات والمؤلفات من بينها "حذاء إسباني" في تصريح صحفي "مع ذلك لست من المتشائمين حول مستقبل الكتاب لأن ما حدث في تونس في السنوات الأخيرة طفرة كبيرة في الإصدارات بلا رقابة ولا حرص على الجودة، واليوم القارئ أصبح ينتقي ويختار ماذا يريد أن يقرأ، وبعض دور النشر التونسية لا تشتغل على النوع بقدر ما تشتغل على الكم والكم هزيل في الواقع".
وشدد على أنه "توجد أخطاء على المستوى الفني والإخراج واللغة يجب تلافيها، لا سيما وأن هناك تنافساً مع الوسائط الرقمية والحديثة، لأن عدم الاشتغال على المستوى النوعي سيجعل القارئ يذهب نحو البحث عن الكتب الرفيعة التي يجد فيها معرفة وتلبي له رغباته".
ورأى أنه "لا توجد منافسة في الحقيقة بين الرقمي والورقي، يتم الترويج منذ سنوات أن الورقي سيختفي أمام سطوة الكتب الرقمية، الورقي لا يزال يقاوم ليس في تونس فحسب، بل في العالم أجمع، أنا شخصياً حضرت معارض للكتب في عديد من الدول والأماكن، ورأيت اهتماماً حتى من الجيل الجديد والمرأة وتعطشهم للكتاب".
وكان الرئيس قيس سعيد قد دعا على هامش افتتاح معرض الكتاب، التونسيين إلى الإقبال على القراءة، مؤكداً "ألا مستقبل لنا إلا بالثقافة والعلم، تحرير الفكر أمر مهم ولا يمكن أن نحقق أي شيء في ظل فكر جامد".
وحول الأسباب التي تدفع التونسيين إلى الابتعاد عن المطالعة، اعتبر المؤدب أن "ذلك يعود إلى الظروف الصعبة التي يعيشها التونسيون سواء القدرة الشرائية أو تدهور الدينار مقابل اليورو والدولار".
وعلى رغم أن السنوات الماضية شهدت سطوع نجم عديد من الكتاب في تونس، مثل أميرة غنيم، وشكري المبخوت، والمؤدب وغيرهم، إلا أن أوساطاً ثقافية لا تتوقع انفراجة في أزمة المطالعة في البلاد.
ويبدو أن هناك أسباباً متشابكة تدفع أكثر نحو ما يشبه القطيعة بين عدد كبير من التونسيين والكتاب الورقي، خصوصاً مع ارتفاع أسعار الكتب بالتزامن مع ارتفاع أسعار الورق.
واعتبر الكاتب والمؤرخ التونسي، محمد ذويب، أن "العزوف عن قراءة الورقة ظاهرة عالمية وليست مقتصرة على تونس فقط، وهي تعود لعوامل متعددة منها ظهور بدائل للورقة كالكتب الإلكترونية والأفلام والأشرطة المصورة التي حلت محلها، وهذا هو السبب الأول".
وأضاف ذويب في تصريح خاص أن "السبب الثاني في اعتقادي هو ارتفاع أسعار الورق الناجم عن غلق معمل إنتاج الورق الذي جاء بالتزامن مع الأزمة في تونس وارتفاع المعيشة، وهو ما أثر في الكتاب... عموماً الإقبال خلال اليومين الأولين على معرض الكتاب يعد جيداً ويعطي رسالة إيجابية، لا سيما أنه من المنتظر أن يرتفع أكثر الإثنين لأنه يوم عطلة".
والحديث عن أزمة بين الكتاب في تونس والقارئ لا يحجب وجود عناوين حققت نجاحات باهرة في السنوات الأخيرة، إذ سجلت بعض العناوين مبيعات ضخمة.
وقال ذويب إن "عنوان الكتاب ومحتواه واسم مؤلفه عوامل تفرض نفسها في المبيعات، صحيح هناك كتب تحقق مبيعات قياسية، ولكن الأزمة تشمل الجميع ولا تستثني أحداً ومن المتوقع أن تتفاقم أكثر".