تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

تحليل: إيران و"القاعدة"... علاقة متضاربة الأبعاد

القاعدة في إيران
AvaToday caption
أن طهران سهلت قبل أحداث 11 سبتمبر سفر أعضاء التنظيم إلى أفغانستان والخروج منها، فضلاً عن فرارهم إلى إيران بعد غزو أفغانستان
posted onFebruary 22, 2023
noتعليق

هدى رؤوف

ذكرت وزارة الخارجية الأميركية أن القيادي في تنظيم "القاعدة" سيف العدل صار زعيم التنظيم بعد مقتل أيمن الظواهري في يوليو (تموز) 2022.

إعلان الخارجية الأميركية ومعها الأمم المتحدة يثير الجدل حول العلاقة بين إيران الشيعية وتنظيم "القاعدة" السني، كما يشير إلى الكيفية التي استفادت بها إيران من انهيار نظام "طالبان" والغزو الأميركي لأفغانستان.

منح انهيار نظام "طالبان" في أفغانستان والنظام البعثي بقيادة صدام حسين في العراق المجال لإيران من أجل توسيع نفوذها في محيطها المباشر كأحد المنافسين الإقليميين. ورغم الاختلاف الطائفي بين إيران و"القاعدة" فإنه لم يمثل حائلاً أمام التعاون بينهما، لا سيما مع براغماتية كل منهما للتعامل معاً وفقاً لوحدة الأهداف وليس الأيديولوجيا.

واشنطن وإيران

استفادت إيران من إسقاط "طالبان" فعرضت التعاون مع الإدارة الأميركية في أفغانستان والعراق، ومنذ عام 2001 تبنت إيران خلال حكومة محمد خاتمي نهجاً عملياً إلى حد كبير حيال العمليات العسكرية الأميركية في أفغانستان والعراق، ورغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين منذ عام 1979، دخل المسؤولون الأميركيون والإيرانيون في محادثات حول مجموعة متنوعة من القضايا في جنيف منذ بدء الحرب في أفغانستان واستمر ذلك التعاون مع مجيء أحمدي نجاد.

شهد الغزو الأميركي لأفغانستان فتح مفاوضات بناءة بين الطرفين، وولد التواصل على مدى 18 شهراً حول أفغانستان عدداً من النتائج الإيجابية، بما في ذلك محاولة مراقبة الحدود الشمالية الشرقية لإيران والتعاون التكتيكي لحفظ الاستقرار فيها بعد سقوط "طالبان"، كما عرضت طهران مرات عدة المشاركة في برنامج تدريبي بقيادة الولايات المتحدة للجيش الأفغاني. وعلى رغم ذلك استضافت إيران تنظيم "القاعدة" في أعقاب فراره من أفغانستان عام 2001 وعملت على توظيف عناصره كورقة ضغط.

رغم رغبة طهران في إطلاق حوار مع واشنطن حول مكافحة الإرهاب، استضاف النظام قيادات وأعضاء "القاعدة" وعائلاتهم على أراضيه ووفر لهم ملاذاً آمناً وإن وضع قيوداً عليهم. وبشكل عام حافظت إيران على علاقة مع "القاعدة" بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، مدفوعة أساساً بأجندة مناهضة للولايات المتحدة. ورغم أن وجود قوات أميركية في أفغانستان القريبة من الحدود الإيرانية مثّل تحدياً أمنياً لطهران، فإنها استطاعت أن تتعامل مع ذلك التحدي عبر مسارين متوازيين، الأول هو عرض التعاون الأمني مع واشنطن، والثاني استضافة أعضاء "القاعدة" على أرضها كورقة مساومة مع واشنطن ولردع أي هجوم على الأراضي الإيرانية. وطالما أن لدى طهران والتنظيم أعداء مشتركين فمن المتصور أن تقيد الأولى من جهة أخرى نطاق أعمال "القاعدة" لعدم القيام بأنشطة ضد هؤلاء الأعداء أو ضد إيران نفسها.

توظيف براغماتي

تاريخياً دعمت إيران تنظيم "القاعدة" من 1993 إلى 1996، وخلال هذه الفترة كان التنظيم متمركزاً في السودان، لكن بعد عام 1996، عندما نقل "القاعدة" مقره الرئيس ومعسكراته التدريبية إلى أفغانستان، أصبحت الروابط أضعف نظراً إلى عدم ودية العلاقة بين إيران وحركة "طالبان".

وفي أوائل التسعينيات التقى أسامة بن لادن بعماد مغنية، أحد المسؤولين في "حزب الله" ليتلقى أعضاء "القاعدة" تدريبات على المتفجرات بمعرفة الحزب، إضافة إلى أن طهران سهلت قبل أحداث 11 سبتمبر سفر أعضاء التنظيم إلى أفغانستان والخروج منها، فضلاً عن فرارهم إلى إيران بعد غزو أفغانستان.

وأقر تقرير منشور من خلال مكتب النشر التابع للحكومة الأميركية حول جلسة استماع بمجلس النواب لتقييم التهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة من "القاعدة" في إيران والعراق، بأن هناك علاقة قوية بين طهران والتنظيم على رغم التباين والخلاف الأيديولوجي، وكذلك اختلاف المصالح في سوريا والعراق.

منذ عام 2001 عندما أطاحت الولايات المتحدة حركة "طالبان" فر كثير من أفراد أسرة بن لادن وكبار مرافقيه إلى إيران التي فرضت بدورها رقابة على عناصر "القاعدة"، كما كانت لأجهزة الاستخبارات الإيرانية قدرة على الوصول إلى جميع الاتصالات الخاصة بهم.

في 22 أبريل (نيسان) 2013، ألقت شرطة الخيالة الملكية الكندية القبض على شخصين بتهمة التخطيط لهجوم إرهابي على قطار ركاب يسافر من تورونتو عبر الحدود الشمالية عند شلالات نياغارا إلى مدينة نيويورك. وبحسب السلطات الكندية، فإن الفاعلين تلقوا المساعدة من عناصر "القاعدة" في إيران.

وفقاً لوثيقة جرى العثور عليها في مكان إقامة زعيم التنظيم، تصف رسائل عدة لأسامة بن لادن أهمية المركز اللوجستي لـ"القاعدة" في إيران. فلم يكن الدعم الإيراني للتنظيم من دون شروط، إذ فرضت قيود على سلوك عناصره. وبحسب إحدى الوثائق التي عثر عليها في مكان إقامة بن لادن، تلخصت شروط طهران في أنه لا مانع من وجود عناصر التنظيم، سواء عرب أو غير عرب، والعمل على التنسيق معهم وجمع الأموال ومهمات أخرى عبر إيران، على ألا تمر هذه الأنشطة عبر الطرق الرسمية وألا يتم جلب عناصر من الخارج من خلال المطارات، بل عبر طرق التهريب من تركيا أو دول أخرى، وألا يرتبط التنظيم وأنشطته بأي إيراني.

وأكد ما جاء في هذه الوثيقة ما ذكره تصنيف وزارة الخزانة الأميركية لعام 2012 حول القيود على سلوك "القاعدة" من قبل إيران، ففي مقابل حرية العمل والقدرة على السفر للإرهابيين وعائلاتهم عبر الأراضي الإيرانية، عليهم الامتناع عن القيام بأية عمليات داخل هذه الأراضي، أو تجنيد عناصر داخل إيران، مع إطلاع السلطات في طهران على أنشطتهم.

في المقابل، تحتوي الوثائق واليوميات التي نشرتها الاستخبارات المركزية الأميركية والتي تم الحصول عليها أثناء الهجوم على مجمع بن لادن في أبوت آباد، رسائل من هذا الأخير تتساءل عما إذا كانت إيران قد تتبادل سجناء "القاعدة" مع الغرب.

إيران راعية للإرهاب

وفقاً لتقارير وزارة الخارجية الأميركية عن الدول الراعية للإرهاب، كانت إيران مصنفة ضمن تلك الدول، ويجري تصنيف أية دولة بأنها راعية للإرهاب بناء على تقديم حكومات هذه الدول الدعم لعمليات إرهابية على المستوى الدولي، ووفق التصنيف تفرض مجموعة واسعة من العقوبات مثل حظر الصادرات والمبيعات المتعلقة بالأسلحة ووضع ضوابط على صادرات المواد ذات الاستخدام المزدوج التي تتطلب إخطاراً من "الكونغرس" لمدة 30 يوماً وفرض ضوابط على السلع أو الخدمات التي يمكن أن تعزز بشكل كبير جيوش الحكومات المدرجة على قائمة الإرهاب وحظر المساعدة الاقتصادية، فضلاً عن القيود المالية.

بحسب تقارير الخارجية الأميركية المتتالية، ظلت إيران غير راغبة في تقديم كبار أعضاء "القاعدة" المقيمين لديها إلى العدالة ورفضت الكشف علناً عن أعضاء التنظيم المحتجزين لديها، كما سمحت لعملاء "القاعدة" بتشغيل خط مرور عبر أراضيها منذ عام 2009 في الأقل، مما مكن التنظيم من نقل الأموال والمقاتلين إلى جنوب آسيا وسوريا، وواصلت السماح لـ"القاعدة" بتحويل الأموال عبرها، وكذلك نقل الأفراد والموارد عبر مناطق الصراع مثل أفغانستان وسوريا.

وفي حين أن مساعدة إيران مكنت "القاعدة" من تحدي الولايات المتحدة وحلفائها باستمرار، بما في ذلك السعودية، امتنع التنظيم ذو الأيديولوجيا السنية في المقابل عن ارتكاب هجمات داخل إيران، أو ضد السكان الشيعة في دول أخرى بالمنطقة.

الزعيم الجديد

حديثاً ذكر تقرير لوزارة الخارجية الأميركية أن الزعيم الجديد لتنظيم "القاعدة" بعد مقتل أيمن الظواهري يسمى سيف العدل ولجأ إلى إيران بعد 2001. وكان سيف العدل الذي ارتقى من رتبة أحد حراس أسامة بن لادن الشخصيين إلى قائد التنظيم، أقوى رجل في صفوف "القاعدة"، كما أنه مدرج في قائمة الولايات المتحدة التي تضم 22 إرهابياً مطلوباً.

يقول مسؤولو الاستخبارات الأميركية إنه بعد سقوط "طالبان" وفرار أعضاء تنظيم "القاعدة"، انتقل سيف العدل إلى إيران عبر المناطق الحدودية الشرقية تحت حماية الحرس الثوري. وفي حين أنكرت إيران على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان ما جاء في التقارير الأميركية، فإن تاريخ العلاقة بينهما يشير إلى شكل من أشكال التعاون المرن، حتى مع تباعد الأهداف الاستراتيجية للجانبين واستمرار انعدام الثقة والتوتر الأيديولوجي، لكن لا يستبعد التوظيف الإيراني لـ"القاعدة" في ضوء براغماتية الطرفين، في مقابل التعاون العسكري والسياسي ضد أعدائهما من الولايات المتحدة وإسرائيل إلى الأنظمة العربية.