منذ عدة أسابيع، تشهد إيران موجة برد قارس ما أدى إلى انقطاع إمدادات الغاز وبالتالي انقطاعات في التيار الكهربائي. وإضافة إلى تأثير ذلك على حياة الناس اليومية، فقد كان لهذا الشتاء الجليدي تأثيرا على حياة الإيرانيين، حيث لجأت السلطات إلى تشغيل محركات مراكز توليد الكهرباء لإنتاج طاقة أكثر ولكن باستثناء "المازوت"، الذي يعتبر وقودا ملوثا وثقيلا ما أثر على جودة الهواء مع وصول التلوث إلى مستويات عالية عدة مرات.
تملك مادة "المازوت" ميزة أنها رخيصة التكلفة لكن ذات جودة سيئة، وتعلم السلطات الإيرانية جيدا أضراره وهو ما جعلها تخفي لجوءها إليه لإنتاج الطاقة. داريوش غوليواده، أحد مساعدي وزير البيئة صرح في 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2022: "لقد خططنا لعدم حرق المازوت في مراكز توليد الكهرباء هذا العام".
فيما قال برفي سرفاري، العضو في المجلس البلدي بالعاصمة طهران، من جهته في 16 كانون الأول/ ديسمبر 2022: "المولدات الكهربائية لا تحرق المازوت في محافظة طهران".
طبقة سميكة من الدخان تتصاعد من مولد كهربائي في قم بسبب حرق مادة المازوت. ويقع مركز قم لتوليد الكهرباء في مدينة فارديس على بعد 40 كيلومترا غرب العاصمة طهران.
تيرماه (اسم مستعار) هي مختصة في البيئة بطهران، وتوضح أن الدخان الذي في سماء المدن الإيرانية يجعل الهواء "غير قابل للتنفس" ويأتي في جزء منه من المولدات الكهربائية التي تحرق المازوت وفي بعض الأحيان وسط نفي قاطع من السلطات.
السلطات تنفي ذلك، ولكن مستويات التلوث الهوائي في جنوب طهران وفي عدة مدن قريبة من المولدات الكهربائية تؤكد أنها تعمل بالمازوت. خلال السنوات الماضية، كانت بعض مراكز توليد الكهرباء تعمل في بعض الأحيان بالمازوت عندما لا تتوفر كمية كافية من الغاز، ولكن هذا العام، فإن كل مراكز توليد الكهرباء تعمل كلها على ما يبدو بالمازوت وبدون انقطاع. والجودة السيئة للهواء هذا العام هي مؤشر آخر على ذلك.
المستوى العالي للجزيئات الصغيرة في الهواء لا يمكن أن يكون له سبب آخر سوى احتراق المازوت [فريق التحرير: الجزيئات الصغيرة بي أم 2,5 "PM2,5" وبي إم 10 "PM10" هي ملوثات للجو وللهواء وتضع حياة البشر في خطر. وتتسبب في تقليص مدى الرؤية وتعطي للهواء مظهرا داكنا عندما تكون مستوياته مرتفعة]. وحسب دراسة أجرتها جامعة طهران، يموت ما لا يقل 40 ألف إيراني كل عام بسبب تلوث الهواء بالجزيئات الصغيرة "PM2,5".
مصنع جارام للألمنيوم على بعد 9 كيلو مترات من مدينة جارام وقد انبعثت منه طبقة سميكة من الدخان بسبب حرقه لمادة "المازوت" عوض الغاز وذلك لتشغيل الآلات الموجودة بالمصنع.
وبالاعتماد على صور ومعطيات الأقمار الاصطناعية، تمكن فريق قناة فرانس24 من العثور على أدلة لاستخدام واسع للمازوت في عدة مراكز توليد كهرباء في إيران، وهو ما كانت تشك فيه مراقبيهِ ومختصون آخرون في مجال البيئة في البلاد.
ويعرف المازوت بأنه يتسبب في تكوين سحابة بيضاء عندما يحترق ولكن التبخر الذي يتسبب به احتراق الغاز الطبيعي بالكاد يكون ظاهرا.
إذا ما قارنا صور الأقمار الاصطناعية لمداخن مراكز توليد الكهرباء في إيران خلال شهر كانون الثاني/ يناير 2023، عندما تم حرق ما قيل إنه مازوت، مع صور المداخن في صيف 2022، عندما من المفترض أنها لم تكن تستخدمه، يبدو الفرق واضحا للعيان.
في صيف 2022، لم يكن هناك أثر لأي دخان أبيض فوق مداخن مولدات الكهرباء، ولكن في كانون الثاني/ يناير 2023، كانت طبقة دخان أبيض سميكة ظاهرة بوضوح في صور الأقمار الاصطناعية.
تواصل تيرماه شهادتهِ بإن "احتراق المازوت بمثل هذه الكميات الكبيرة له أثر بالغ على البيئة. عندما يحترق المازوت، تنبعث من المولدات الكهربائية جزيئات صغيرة شديدة الخطورة على الكائنات الحية".
قائلاً " يحتوى المازوت على كميات كبيرة من الكبريت ويصدر مادة ثاني أكسيد الكبريت السامة في الهواء عندما يتم حرقه، هذه المواد الكيماوية السامة خطيرة على بني البشر والحيوانات والنباتات وتتسبب بتساقط أمطار ملوثة. مع الأسف، لا نعرف الأثر الحقيقي لهذا المشكل حيث لا توجد دراسة متكاملة عن الموضوع في كامل أنحاء إيران. ولا نملك سوى أدوات قياس عشوائية لمستويات التلوث الراجعة إلى احتراق المازوت". وحسب دراسة، على سبيل المثال، فإن نسبة تركز ثاني أكسيد الكبريت في الهواء بمدينة أصفهان بلغ 1200 جزئية على المليون في 24 ساعة: "ppm" بي بي أم، وهو مؤشر لقياس عدد الجزيئات الملوثة من ضمن كل مليون جزيئة في الهواء] وذلك عندما يتم تشغيل المولد الكهربائي في أصفهان بالمازوت، فيما أن المعدل المطلوب كل يوم هو 50 بي بي إم.
تضيف تيرماه قائلة" الطبقة السميكة لتلوث الجو التي تغطي طهران وعدة مدن أخرى في إيران تجعل الناس يمرضون. المشي في الشوارع أصبح صعبا وممارسة أي نشاط بدني بات أمرا لا يطاق حيث ينتشر السعال وآلام الرأس والغثيان وهي ليست سوى أضرار على المدى القصير فيما أن الإصابة بالسرطان ومشاكل صحية كبيرة أخرى على المدى الطويل هي أمر لا مفر منه. وكل ذلك يعود إلى عشرات السنين من الإدارة السيئة في كل المجالات في هذه البلاد، والذي لا يمكن أن يتغير بمجرد إقرار بعد التعديلات البسيطة".
ولحل مشكلة تلوث الجو في إيران، يجب أن تكون هناك مقاربة جديدة لإنتاج الطاقة، والسير نحو مصادر نظيفة للطاقة، وهذا التغيير يتطلب بالتأكيد انفتاحا على العالم الخارجي، على المستثمرين الأجانب والتكنولوجيا الأجنبية، وهذا لن يحدث في إيران إلا بحدوث تغيير سياسي.
وهذا ما يتفق فيه أيضا الصحافي المختص في الاقتصاد رضا غيبي الذي يقول "يستهلك الإيرانيون أكثر من 700 مليون متر مكعب من الغاز يوميا فيما تنتج البلاد منه يوميا نحو 850 مليون متر مكعب".
هذا ما يعني أن مراكز توليد الكهرباء وعدة صناعات أخرى مستهلكة للغاز محرومة من الكهرباء. إنتاج عدة مصانع متوقف في الوقت الحاضر بسبب عدم وجود كميات كافية من الغاز".
عندما تتوقف المصانع عن الإنتاج، توجد بضائع أقل في السوق وهو ما يعني أن الأسعار ستستمر في الارتفاع. والآفاق كثيرة في ميادين شتى. علما بأنه -من جهة- لا يوجد مال كاف لصيانة وتحديث أنظمة الطاقة و -من جهة أخرى- استهلاك الطاقة يتزايد، وهو ما يعني أن انقطاع الغاز والكهرباء لن يستمر فقط، بل سيتفاقم مع مرور الوقت. ولتجاوز هذه المعضلة، تحتاج إيران إلى أكثر من 80 مليار يورو حسب تقديرات مسؤولين إيرانيين.