تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

عودة القضية الكوردية إلى الواجهة

مظاهرات كوردية في باريس (أرشيف)
الصورة: كارزان حميد - شبكة (AVA Today) الإخبارية
يُنظر إلى الكورد المطالبين بإقامة كوردستان موحّدة على أنهم تهديد للسلامة الإقليمية للدول التي استقرّوا فيها، تبعًا لتقلّبات الأحداث الدولية، وإن نُظر إليهم في بعض الأحيان على أنهم حلفاء مؤقتون لقوى معيّنة
posted onDecember 29, 2022
noتعليق

ساهم مقتل ثلاثة الكورد الجمعة في باريس على يد فرنسي اعترف بارتكاب جريمته بدافع "الكراهية"، في تسليط الضوء على مطالب هذا الشعب المشتّت، وسط تحدّيات جيوسياسية كثيرة.

شهدت مسيرة تكريم الضحايا الاثنين على ألمٍ يتجاوز حادثة القتل، وهتف المتظاهرون باللغة الكوردية "شهداء لا يموتون"، وباللغة الفرنسية "المرأة، الحياة، الحرية"، وهو شعار التظاهرات في إيران.

كما طالبوا "بالحقيقة والعدالة"، فيما استذكر كثيرون اغتيال ثلاث ناشطات من حزب العمّال الكوردستاني في التاسع من كانون الثاني/يناير 2013 في باريس، في حادثة لم تكشف ملابساتها حتى الآن. وجاء ذلك في وقت يعتبر فيه حزب العمال الكوردستاني العدو اللدود لتركيا التي تصنّفه هي والاتحاد الأوروبي على أنه "إرهابي".

في ما يلي، تسليطٌ للضوء على شعب من دون دولة يتراوح عدد أفراده بين 25 و35 مليون شخص منتشرين بين العراق وإيران وسوريا وتركيا.

ويعيش الكورد في مناطق تمتد على نحو نصف مليون كيلومتر مربعة، معظمهم من المسلمين السنّة، إضافة إلى أقليات غير مسلمة ومجموعات سياسية معظمها علمانية.

مهّد انهيار الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، الطريق لإنشاء دولة كوردية. لكن بعد انتصار مصطفى كمال في تركيا، تراجع الحلفاء عن قرارهم بهذا الشأن.

في العام 1923، كرست معاهدة لوزان سيطرة تركيا وإيران وبريطانيا العظمى وفرنسا على السكان الكورد في العراق وسوريا.

منذ ذلك الحين، يُنظر إلى الكورد المطالبين بإقامة كوردستان موحّدة على أنهم تهديد للسلامة الإقليمية للدول التي استقرّوا فيها، تبعًا لتقلّبات الأحداث الدولية، وإن نُظر إليهم في بعض الأحيان على أنهم حلفاء مؤقتون لقوى معيّنة.

غير أنّ الكورد، الذين لم يعيشوا أبداً تحت سلطة مركزية، ينقسمون أيضاً إلى عدد لا يحصى من الأحزاب والفصائل. وغالباً ما تكون هذه الحركات العابرة للحدود متخاصمة في ما بينها، ربطاً بالتحالفات المبرمة مع الأنظمة المجاورة على وجه الخصوص.

في سوريا، تبنّى الكورد موقفاً محايداً في بداية الحرب الأهلية في العام 2011، قبل الاستفادة من الفوضى وإقامة إدارة ذاتية في المناطق الشمالية.

بعد ذلك، هيمن المقاتلون الكورد على تحالف قوات سوريا الديموقراطية الذي قاتل تنظيم الدولة الإسلامية، بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

تسيطر قوات سوريا الديموقراطية الآن على منطقة يُحتجز فيها عشرات الآلاف من الجهاديين وعائلاتهم، ويناشدون من دون جدوى بإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية.

لكن بينما يرون أنهم حاربوا تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد الشام، نيابة عن بقية العالم، تقوم تركيا بملاحقتهم.

وشنّت أنقرة سلسلة غارات جوية على مواقع المقاتلين الكورد في شمال سوريا في 20 تشرين الثاني/نوفمبر. كما يهدّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بشنّ عملية برية عسكرية في شمال سوريا.

وتشغل القضية الكوردية أحد محاور التوتر العديدة في العلاقات الثنائية بين باريس وأنقرة.

ويأتي ذلك فيما تشير عناصر التحقيق في مقتل ثلاث ناشطات في حزب العمّال الكوردستاني في العام 2013 في باريس، إلى أنّه من المرجّح أن يكون المشتبه به قد تصرّف لحساب أجهزة الاستخبارات التركية. توفّي هذا الأخير، لكنّ قضاة مكافحة الإرهاب استأنفوا التحقيق في القضية.

كذلك، تعرَّض أربعة رجال من أصل كوردي لهجوم في نيسان/ أبريل 2021 بقضبان حديدية في مكتب جمعية في ليون وسط شرق فرنسا، في هجوم نسبه الضحايا إلى حركة "الذئاب الرمادية" القومية التركية المتطرّفة التي تمّ حلّها أخيراً.

ولأسباب بديهية، أثارت المأساة التي وقعت الجمعة في باريس مخاوف لدى 150 ألف كوردي في فرنسا.

وقال مدير المركز الفرنسي للأبحاث حول العراق عادل باخوان لصحيفة "جورنال دو ديمانش" الفرنسية "هناك تهديدات مباشرة، المؤسسات الكوردية السياسية والثقافية والدبلوماسية في فرنسا محقّة في أن تشعر بالخوف". وأعرب في الوقت ذاته عن خوفه من أنّ التجاوزات التي تجري على هامش التظاهرات "تلطّخ التضامن الكبير للرأي العام الفرنسي".

إضافة إلى ما تقدّم، ترفض الجالية الكوردية فرضية الجريمة العنصرية من قبل رجل تصرف بمفرده. وقال عكيد بولات الرئيس الشاب للمجلس الديموقراطي الكوردي في فرنسا الإثنين "نظام أردوغان الفاشي ضرب مرة أخرى".

ومن دون أي صلة واضحة بالأمر، وُضع شاب "من أصل تركي" يبلغ أربعين عاماً رهن الاحتجاز لدى الشرطة الثلاثاء، بعد إصابته بمقصّ مصفّف شعر "من أصل كوردي" في روبيكس (شمال)، في مشاجرة مرتبطة ببثّ موسيقى كوردية، حسبما علمت وكالة فرانس برس من مصدر قريب من التحقيق.

من جهتها، استدعت أنقرة السفير الفرنسي في تركيا للتعبير عن "عدم رضاها عن الدعاية السوداء التي أطلقتها دوائر حزب العمال الكوردستاني"، حسبما أفاد مصدر دبلوماسي تركي وكالة فرانس برس.

وقالت وزارة الخارجية الفرنسية لفرانس برس إنّ "سفيرنا شدّد على الطبيعة المشينة للهجوم"، مشيرة إلى أنّ "النيابة العامّة تحدّثت علناً عن وجود دافع عنصري لدى المشتبه به".