تحولت شوارع المدن الكوردية في إيران إلى ساحة حرب بعد إرسال السلطات الإيرانية قوات حربية وتعرّض الأهالي لحملات قمع في وقت تتواصل فيه الاحتجاجات الشعبية في جوانرود وبيرانشهر ومهاباد وسنندج وغيرها من المدن في إطار التظاهرات التي تشهدها البلاد على خلفية وفاة الشابة مهسا أميني في منتصف سبتمبر (أيلول).
وأشارت التقارير إلى منع النظام الإيراني إيصال الدم إلى المستشفيات في مدينتي جوانرود وبيرانشهر.
وأظهرت الصور والتقارير الواردة من جوانرود بمحافظة كرمانشاه بإطلاق نار متقطع ومداهمات على منازل الأهالي من قبل قوات القمع، من أجل اعتقال المحتجين في هذه المدينة وغيرها من المدن الكوردية، الثلاثاء 22 نوفمبر (تشرين الثاني)، كما حالت الإجراءات الأمنية عند مداخل هذه المدن دون إيصال المساعدات للجرحى.
وعقب هجوم القوات الأمنية الإيرانية على الأهالي في جوانرود وبيرانشهر توجهت مجموعة كبيرة من المواطنين في كرمانشاه إلى المراكز العلاجية للتبرع بالدم، لكن التقارير أفادت أن القوات منعت إيصال الدم إلى مستشفيات المدينتين.
وتشهد مدن عدة في مناطق يسكنها الكورد وتسمى كوردستان إيران وتقع في غرب البلاد، وتشمل مهاباد وجوانرود وبيرانشهر تظاهرات واسعة، غالباً ما تبدأ بجنازات ضحايا قمع التحركات.
72 قتيلاً في أسبوع
وقتلت قوات الأمن الإيرانية 72 شخصاً منهم 56 شخصاً في مناطق يسكنها الكورد خلال الأسبوع الماضي في حملة القمع المستمرة، بحسب ما قالت منظمة حقوقية، الثلاثاء 22 نوفمبر.
وتتهم حكومة طهران الفصائل الكوردية المعارضة بإثارة الاضطرابات التي تشهدها إيران إثر وفاة أميني بعد أن أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم التزامها قواعد اللباس الصارمة.
وقضى العشرات بينهم عناصر من قوات الأمن على هامش الاحتجاجات التي تخللها رفع شعارات مناهضة للسلطات واعتبر مسؤولون جزءاً كبيراً منها "أعمال شغب".
وشنت إيران أيضاً ضربات صاروخية متكررة عبر الحدود كان آخرها، الثلاثاء، ضد جماعات معارضة كردية في العراق.
استهداف الكورد
وتحدثت منظمة حقوق الإنسان في إيران التي تتخذ من أوسلو مقراً لها في آخر حصيلة أصدرتها عن مقتل 416 شخصاً على أيدي القوات الأمنية بمن فيهم 51 طفلاً و21 امرأة، ولفتت إلى أن 72 شخصاً لقوا حتفهم، الأسبوع الماضي، وحده من بينهم 56 في مناطق يقطنها الكورد بالغرب، حيث تصاعدت الاحتجاجات خلال الأيام الأخيرة.
واتهمت منظمة "هنكاو" الحقوقية التي تتخذ من أوسلو مقراً، قوات الأمن الإيرانية بإطلاق النار مباشرة على المتظاهرين بالرشاشات وقصف المناطق السكنية، وذكرت أن خمسة أشخاص قتلوا في جوانرود، الإثنين، بعدما تجمع الآلاف للمشاركة في جنازات ضحايا الحملة القمعية الذين قتلوا نهاية الأسبوع الماضي.
وقالت المجموعة، إنها أكدت مقتل 42 كردياً في إيران بتسع مدن خلال الأسبوع الماضي وقضوا جميعهم تقريباً بنيران مباشرة.
تحقيق أممي حول قمع الاحتجاجات
وتعقد الدول الـ47 المنضوية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الخميس، جلسة عاجلة حول الوضع في إيران تبحث خلالها إمكانية فتح تحقيق دولي حول القمع الدامي للاحتجاجات الجارية منذ أكثر من شهرين.
وتقرر عقد الاجتماع حول "تدهور وضع حقوق الإنسان" في إيران بعد تلقي طلب بهذا الصدد من ألمانيا وأيسلندا. وأدى قمع الاحتجاجات إلى مقتل المئات وتحولت التظاهرات مع الوقت إلى احتجاجات ضد السلطة.
واعتقل آلاف المتظاهرين السلميين بينهم عديد من النساء والأطفال والمحامين والناشطين والصحافيين، بحسب خبراء في حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. وأصدر القضاء حتى الآن ستة أحكام بالإعدام على ارتباط بالتظاهرات.
وسينظر الدبلوماسيون في جنيف في مسودة قرار قدمتها ألمانيا وأيسلندا، تطالب بفتح تحقيق دولي رفيع المستوى تكلف به بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق للنظر في قمع التظاهرات، على أن تأخذ أيضاً بـ"الأبعاد المتعلقة بالنوع الاجتماعي".
ويدعو مشروع القرار، الذي لا يزال من الممكن إدخال تعديلات عليه، المحققين إلى "جمع وتوحيد وتحليل" عناصر الأدلة على هذه الانتهاكات والحفاظ عليها تحسباً لاستخدامها أمام المحاكم، لا سيما المحاكم الدولية.
وشددت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك التي ستحضر، الخميس، إلى جنيف في تغريدة على أن إجراء تحقيق أمر أساسي، مشيرة إلى أهمية "محاسبة المسؤولين على أفعالهم بالنسبة للضحايا".
كذلك دعت مسودة القرار طهران إلى "التعاون الكامل" مع المحققين، لافتة إلى أنهم سيقدمون إحاطة شفهية للمجلس خلال دورته العادية في يونيو (حزيران) المقبل، وتقريراً كاملاً في مارس (آذار) 2024.
وأثنت المنظمات غير الحكومية على الدعوة لعقد الجلسة. وصرحت لوسي ماكيرنان من منظمة "هيومن رايتس ووتش" لوكالة الصحافة الفرنسية "نرى انتهاكات في غاية الخطورة رداً على التظاهرات".
وأكدت أن "على المجلس أن يتحرك" مبدية أملها في أن تؤيد الدول التحقيق "لإتاحة الفرصة في المستقبل على الأقل لمحاسبة المسؤولين".
ويتعين أن يحصل الطلب على دعم 16 عضواً من أصل 47 في المجلس، أي أكثر من الثلث، كي تعقد جلسة خاصة خارج الجلسات الثلاث العادية السنوية. وأيدت 50 دولة الدعوة إلى الاجتماع، بينها الدول الـ17 أعضاء مجلس الأمن وبينها ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة.
وسيتحتم على الدول المؤيدة لمسودة القرار جمع الأصوات الضرورية لإقرار النص بالغالبية البسيطة. إلا أن المجلس يشهد خلافات متصاعدة في وجهات النظر، إذ تبدي عدة بلدان معادية لأي تدخل خارجي وبينها الصين وروسيا وإيران، معارضة متزايدة لأي مشروع تحقيق.
وسيشكل اجتماع الخميس فرصة للمفوض السامي الجديد النمساوي فولكر تورك للتوجه لأول مرة إلى المجلس. كما سيلقي المقرر الخاص حول إيران كلمة، وستكون هناك على الأرجح مداخلات لممثلين عن المجتمع المدني الإيراني.
وقال المتحدث باسم مجلس حقوق الإنسان جيريمي لورنس خلال مؤتمر صحافي روتيني، الثلاثاء، في جنيف إن "فولكر تورك يرى أن عدد الوفيات المتزايد جراء التظاهرات في إيران، ومن بينها وفاة طفلين في نهاية الاسبوع، وتشديد رد قوات الأمن، يشيران إلى أن الوضع حرج في البلد".