من خلع الحجاب إلى إسقاط العمائم، ظاهرة بدأت تتنامى في إيران التي تشهد احتجاجات لم تهدأ منذ منتصف سبتمبر/أيلول الماضي تنديدا بممارسات الشرطة الدينية التي تسببت في وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني.
وتبدو الظاهرة مرتبطة بسيكولوجيا الجماهير التي تتجمع بشكل غير مقصود وتشفي غليلها الثوري في استهداف الرموز الدينية أو السياسية أو رموز الدولة (مبان ومؤسسات) وهو أمر تجلى بشكل أوضح في المدن الإيرانية المنتفضة والتي تحول فيها قسم كبير من جماهير الانتفاضة إلى التشفي بتمزيق الحجاب أو خلعه أو بإسقاط عمائم المعممين لا بإسقاط المعممين ذاتهم.
وليس في استهداف العمائم ولا الحجاب استهداف للدين أو تمرد عليه بقدر ما هو تمرد على مؤسسة دينية وظفت الدين لإحكام قبضتها على رقاب الناس وللتحكم في كل مناحي الحياة بالأمر وبالقمع وبكل وسائل لا تجعل الجماهير تخرج عن فلك تلك المؤسسة التي أرست قواعدها 'ثورة إسلامية' على جماجم عشرات آلاف المعارضين حتى ممن كانوا من أنصار تلك الثورة.
ويتحرك رجال الدين في عدة مدن إيرانية دون العمامة التي تميزهم عن سائر الناس والتي شكلت لعقود رمزا دينيا مميزا يعرف المرء من خلالها حتى في خارج إيران أكان من يرتديها سنّيا أم شيعيا.
وكان لافتا أن الأمر يتعلق بخوف من أن يكون هدفا للجماهير الغاضبة التي تمردت على الرموز الدينية، لكن لم يحدث ما يشير إلى نية قتل أو تنكيل برجال الدين وكان الأمر يقتصر على إسقاط العمامة كتعبير عفوي لدى المنتفضين ضد المؤسسة الدينية وكتصرف خطير بالنسبة لرجال الدين الذين يرون في تلك الحركة على عفويتها خطرا يتهددهم ليس في شخصهم بل في ما يمثلونه.
ولم تأخذ قضية خلع الحجاب أو تمزيقه أهمية لدى رجال الدين أكثر من تلك المتعلقة باضطرارهم للتخلي عن ارتداء عمائمهم بعد أن انتشرت مقاطع فيديو لمحتجين ينزعون عن أحد رجال الدين عمامته.
وفي علامة على قلق ينتاب المؤسسة الدينية في إيران من تنامي الاحتجاجات وتنامي ظاهرة إسقاط عمائم رجال الدين الشيعة، أقرّ رسول سنائي المساعد السياسي في مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي للتوجيه السياسي والعقائدي بأن "النظام لم يسقط، لكننا تلقينا ضربة".
وتابع يوم السبت الماضي في برنامج تلفزيوني "إننا اليوم نواجه ظاهرة اجتماعية متعددة الأبعاد ومتعددة الطبقات... كان لدينا بعض الإهمال. بما في ذلك خلال عصر كورونا والاستخدام المفرط للفضاء السيبراني من قبل الشباب والمراهقين".
ويرتدي رجال الدين والسياسيون بمن فيهم الرئيس الإيراني والمسؤولون الكبار، العمامة في ارتباط وثيق بين السياق الديني والسياق السياسي ونظام الحكم الذي أنتج حالة ضغط اجتماعي بسبب القيود التي يفرضها على الناس في لباسهم وسلوكهم.
وطالما أن الثائرين في إيران لم يصلوا إلى إسقاط من يرتدي العمامة من رموز النظام الديني السياسي، فإن إسقاط العمامة أخذ لديهم بعدا أكبر في رمزيته أيضا فكأنما بإسقاط العمامة عن مرتديها إسقاطا للنظام بما يتخفى خلفه أو فيها تحت عباءة الدين.
وأصبح الأمر مقلقا ولافتا حتى خارج إيران فقد حذّر الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر من تنامي إسقاط العمائم في المدن الإيرانية التي تلتقي مع العراق في الرموز ذاتها التي توحد مظهر رجال الدين في البلدين.
وذهب الصدر إلى تفسيرات دينية أكثر من تشخيصه للظاهرة من مغزاها السياسي، محذرا من انتقال ظاهرة إسقاط عمائم رجال الدين وحملة خلع الحجاب من إيران إلى دول أخرى. وقال إن "هذا الهجوم ضد رجال الدين والحجاب قد يمتد إلى دول أخرى".
وتابع في بيان مطول نشره على حسابه بتويتر، إن الأخطر هي الهجمة الشرسة ضد الإسلاميين وضد المعممين وحملة خلع العفة والحجاب في الجمهورية الإسلامية وقد تعم باقي الدول وقد يعم إسقاط العمائم إلى إسقاط الحجاب من رؤوس المحجبات العفيفات.