أعاد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري اليوم الأربعاء خلط الأوراق السياسية بدعوة صريحة لانتخابات مبكرة وحل البرلمان الذي يهيمن عليه خصومه من أحزاب الإطار التنسيقي (الشيعية) منذ إعلان كتلته الانسحاب من مجلس النواب.
وتأتي دعوته في خضم معركة لي أذرع بينه وبين القوى الشيعية الموالية لإيران والتي خسرت في معظمها في الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول 2021، لكنها أصبحت الآن صاحبة الكتلة الأكبر عددا في البرلمان بعد قراره (الصدر) سحب كتلته النيابية.
ولا يبدو اقتراح رجل الدين الشيعي النافذ الذي خبر إدارة المعركة السياسية بالاحتكام للشارع وبتوجيه أنصاره حيث ما شاء ووقت ما شاء، محاولة لحل الأزمة بقدر ما هو إرباك لخصومه، فحل البرلمان يعني عودة للمربع الأول بالاتجاه لانتخابات مبكرة مرة ثانية وهو أمر مكلف لوجستيا وماديا وأمنيا وهو أيضا مسار طويل يعيد الجميع إلى متاهة السجالات والتجاذبات.
واعتبر الصدر في خطاب أن "لا فائدة ترتجى من الحوار" من خصومه. وقال مع دخول اعتصام مناصريه في البرلمان يومه الخامس "أنا على يقين بأن أغلب الشعب قد سئم الطبقة الحاكمة برمتها بما فيها بعض المنتمين للتيار".
وطالب أنصاره بمواصلة اعتصامهم في مجلس النواب في بغداد لحين تلبية مطالبه التي تشمل انتخابات مبكرة وتعديلات دستورية غير محددة.
ومن المرجح أن تؤدي التصريحات التي جاءت في خطاب تلفزيوني، إلى إطالة أمد الجمود السياسي الذي أبقى العراق بدون حكومة منتخبة منذ ما يقرب من عشرة أشهر.
واقتحم الآلاف من أتباع الصدر المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد والتي تضم العديد من المقرات الحكومية والبعثات الأجنبية مطلع هذا الأسبوع واستولوا على مبنى البرلمان الخاوي وبدؤوا اعتصاما مستمرا حتى الآن.
وتأتي هذه التحركات ردا على محاولات خصومه الشيعة، وكثير منهم مقربون من إيران، لتشكيل حكومة برئاسة مرشحين يرفضهم الصدر.
وفاز التيار الصدري بالعدد الأكبر من المقاعد في البرلمان في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول لكنه فشل في تشكيل حكومة تستبعد منافسيه المدعومين من إيران.
وسحب نوابه من البرلمان ولجأ لممارسة الضغط عبر الاحتجاجات والاعتصام الحالي في البرلمان مستفيدا من قاعدته الشعبية الكبيرة والمكونة من ملايين الشيعة من الطبقة العاملة.
وكرر الصدر خلال خطابه اليوم الأربعاء أنه مستعد "للشهادة" من أجل قضيته. وقال "استغلوا وجودي لإنهاء الفساد ولن يكون للوجوه القديمة مهما كان انتماؤها وجود بعد الآن... من خلال عملية ديمقراطية ثورية سلمية أولا ثم عملية ديمقراطية انتخابية مبكرة بعد حل البرلمان الحالي".
ودعت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) الأربعاء الطبقة السياسية إلى إيجاد "حلول عاجلة للأزمة" عبر الحوار بين الأطراف السياسية، وسط خلافات حادة في ما بينها حول تسمية رئيس وزراء جديد للبلاد.
واعتبرت البعثة في بيانها أن "الحوار الهادف بين جميع الأطراف العراقية الآن أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، حيث أظهرت الأحداث الأخيرة الخطرَ السريع للتصعيد في هذا المناخ السياسي المتوتر"، مضيفة "نناشد الجهات الفاعلة كافة الالتزام والمشاركة بفاعلية والاتفاق على حلول من دون تأخير".
ونبهت الأطراف السياسية إلى أنه "لا يسع العراق احتمال أن يذهب حوار وطني آخر سدى. ولا يحتاج العراقيون إلى صراعات مستمرة على السلطة أو إلى المواجهات".
وأضافت "أمام العراق قائمة طويلة من القضايا المحلية العالقة، فعلى سبيل المثال لا الحصر العراق بحاجة ماسّة للإصلاح الاقتصادي وخدمات عامة فضلا عن إقرار الموازنة الاتحادية".
وفي محاولة للخروج من الأزمة، دعا رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي يتولى حكومة تصريف الأعمال، الأطراف السياسية إلى الدخول في "حوار وطني".
وأفادت وكالة الأنباء العراقية الأربعاء بأنّ هادي العامري زعيم أحد الفصائل البارزة في تحالف الفتح الموالي لإيران والمنضوي في الإطار التنسيقي أعلن تأييده لمبادرة الكاظمي.
وقال العامري في بيان "نؤكد ما أكدناه سابقا أن لا حل للازمة الحالية إلا عبر تهدئة التشنجات وضبط النفس والجلوس على طاولة الحوار البناء الجاد"، مضيفا "لذلك نؤيد ما جاء ببيان رئيس مجلس الوزراء بخصوص الأحداث الأخيرة التي تشهدها البلاد".
ويشهد العراق أزمة سياسة وتوتراً منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة في تشرين الأول/أكتوبر 2021، بسبب الخلافات حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية ورئيس وزراء للحكومة المقبلة.
وبسبب عدم تشكيل حكومة جديدة للبلاد، مازال العراق يعتمد على موازنة عام 2021، التي وضعت وفقا لسعر برميل النفط أقل بكثير مما هو عليه حاليا في الأسواق العالمية، ما يعني أن الإنفاق العام أقل بكثير مما يمكن أن يكون عليه.
وبهدف مواصلة تأمين الاحتياجات الملحة، أقر البرلمان قانون الدعم الطارئ في يونيو/حزيران ويتضمن تخصيصات لاستيراد الطاقة من الخارج واستيراد الحبوب وتمويل برامج التنمية مثل مشاريع إعادة التأهيل الحضري في بغداد.
وأجرى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الأربعاء محادثات مع الرئيس برهم صالح، أكدا خلالها على أهمية "ضمان الأمن والاستقرار" في البلاد.