تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

السيسي في أبوظبي.. كشف اللعبة الايرانيّة

السيسي في أبوظبي
AvaToday caption
تنفتح ايران على السعودية وتهاجم الامارات بالصواريخ والطائرات المسيّرة. اكثر من ذلك، شنت هجوما ثانيا على الامارات وهي الآن تهدد وتتوعّد، بواسطة الحوثيين، الذين تحوّلوا مع الوقت الى مجرّد أداة ايرانيّة
posted onJanuary 29, 2022
noتعليق

خيرالله خيرالله

ليست زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لأبوظبي واللقاءات التي عقدها مع الشيخ محمّد بن زايد وليّ العهد في الامارة سوى دليل على وجود تضامن عربي مبني على مصالح مشتركة بين اطراف عدّة. يجمع بين هذه الأطراف الانتماء الى عالم المستقبل، الخالي من العقد، من جهة والقدرة على التعاطي بشكل مستقلّ مع الإدارة الاميركيّة من جهة اخرى. لعبت الامارات، على سبيل المثال وليس الحصر، دورا محوريا في دعم ثوة الشعب المصري في 30 حزيران – يونيو 2013 من اجل التخلّص من نظام الاخوان المسلمين.

لم يكن هذا النظام الاخواني كفيلا بالقضاء نهائيا على مصر فحسب، بل كان ايضا جسرا للتغلغل الإيراني فيها. اكثر من ذلك، شكّل الدعم العربي الذي توفّر عبر الامارات للمصريين الذين نزلوا الى الشارع بالملايين تحدّيا مباشرا وواضحا للإخوان وللولايات المتّحدة في زمن إدارة باراك أوباما.

كانت تلك الإدارة تدعم في العمق نظام الاخوان في مصر، كما كانت تبارك تحرّكهم في كلّ منطقة من العالم من منطلق أيديولوجي بحت. لا يشبه هذا المنطلق الأيديولوجي لدى ادارة اوباما سوى ذلك الذي جعلها تدعم نظام الملالي في ايران. ثمّة اعجاب ليس بعده اعجاب بإيران والايرانيين لدى اركان إدارة أوباما وثمّة تعاطف مع الاخوان المسلمين المتحالفين مع "الجمهوريّة الاسلاميّة" في العلن أحيانا، كما الحال في قطاع غزّة، وفي السرّ في معظم الأحيان.

تؤكّد زيارة السيسي التي جاءت مع وجود ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة في أبوظبي انّ لعبة ايران مكشوفة من العرب الواعين لما يدور في المنطقة. لا تنطلي اللعبة التي تمارسها "الجمهوريّة الاسلاميّة" على هؤلاء. تقوم هذه اللعبة على اخذ الدول العربيّة بالمفرّق. ليس صدفة ان يكون العدوان الاوّل للحوثيين على الامارات جاء مع عودة ثلاثة ديبلوماسيين إيرانيين الى جدّة حيث مقرّ منظمة التعاون الإسلامي. ففيما كانت ايران توجّه، عبر الحوثيين، صواريخها وطائراتها المسيّرة في اتجاه أبو ظبي ومطارها، كانت "الجمهوريّة الاسلاميّة" تعيد ثلاثة من ديبلوماسييها إلى السعودية. وصل هؤلاء إلى جدة لمباشرة أعمالهم في المندوبية الدائمة لإيران لدى منظمة التعاون الإسلامي، بعد قطيعة استمرت ست سنوات بسبب أعمال الاعتداء والشغب الإيرانية على مقر سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد في كانون الثاني - يناير من العام 2016. هل صدفة انتظار طهران ست سنوات بالتمام والكمال كي تعيد ديبلوماسيين الى جدّة؟ الأكيد ان التوقيت لم يأت صدفة.

تنفتح ايران على السعودية وتهاجم الامارات بالصواريخ والطائرات المسيّرة. اكثر من ذلك، شنت هجوما ثانيا على الامارات وهي الآن تهدد وتتوعّد، بواسطة الحوثيين، الذين تحوّلوا مع الوقت الى مجرّد أداة ايرانيّة. على من تضحك ايران التي تعتقد ان لا وجود لنواة عربيّة صلبة تعرف تماما ما على المحكّ في اليمن الذي صار جزء منه قاعدة صواريخ تستخدم في ابتزاز دول مجلس التعاون في الخليج والإدارة الاميركيّة في الوقت ذاته.

جاءت زيارة الرئيس السيسي لأبوظبي، وهي زيارة ممتازة بكل المقاييس، لتؤكّد ان عامل الثقة قائم بين مصر ودول الامارات وذلك على اعلى المستويات. احتفل محمّد بن زايد بالرئيس المصري، إن من ناحية المكان الذي استقبله فيه (قصر الوطن) او من ناحية لغة الجسد التي كشفت توافقا بينهما.

ما هو مهمّ الآن أنّ الوضع اليمني دخل مرحلة جديدة وذلك في ضوء الانتصارات التي حقّقتها قوات العمالقة على الحوثيين. لم تكتف هذه القوّات، وهي في معظمها جنوبيّة، بتحرير محافظة شبوة من الحوثيين، بل حقّقت اختراقات في محافظة مأرب، وهي محافظة شماليّة أصلا. كانت ايران تطمح الى تمكين الحوثيين من الاستيلاء على مدينة مأرب كي تكتمل الأسس التي يقوم عليها مشروع بناء كيان قابل للحياة في شمال اليمن. يفترض بهذا المشروع ان يمتدّ من مدينة مأرب الداخليّة الى ميناء الحديدة على البحر الأحمر، مرورا بصنعاء. في ضوء تحرّك العمالقة، لم يعد سقوط مدينة مأرب مسألة وقت. على العكس من ذلك، خفّ الضغط على مأرب التي كان الحوثيون يحاصرونها من كلّ الجهات في ظلّ تخاذل قوات ما يسمّى "الشرعية" في اليمن.

يفسّر هذا التحوّل الكبير العمل الجنوني المتمثل في شن عدوان على دولة الامارات. لكنّ هذا التحوّل يشير، في الوقت ذاته، الى انّه في الإمكان هزيمة المشروع الحوثي الذي تعرّض في الماضي لنكسات في الجنوب عندما اضطرت الميليشيات التابعة له الى الانسحاب من عدن ومن ميناء المخا الاستراتيجي الذي يتحكّم بمضيق باب المندب، مدخل البحر الأحمر.

طار صواب الحوثيين وطار صواب الجهة التي تدعمهم وتراهن عليهم. ما شهدته شبوة وما تلا تطهيرها من الحوثيين من اختراقات للعمالقة في محافظة مأرب يشكّلان تطورا في غاية الاهمّية على الصعيد اليمني والخليجي.

في هذا السياق جاءت زيارة الرئيس المصري لأبوظبي. من اللافت تجديد السيسي الإعراب عن "تضامن مصر حكومة وشعباً مع دولة الإمارات الشقيقة جراء الحادث الإرهابي الأخير الذي أسفر عن وفاة وإصابة عدد من المدنيين"، مؤكداً "إدانة مصر لأي عمل إرهابي تقترفه ميليشيا الحوثي لاستهداف أمن دولة الإمارات الشقيقة ومواطنيها واستقرارهم". كان لافتا أيضا اعلان مصر عن "دعم كل ما تتخذه الإمارات من إجراءات للتعامل مع أي عمل إرهابي يستهدفها، وذلك في إطار موقف مصر الراسخ من دعم أمن دولة الإمارات العربية المتحدة واستقرارها، والارتباط الوثيق بين الأمن القومي المصري وأمن الإمارات الشقيقة".

لم تكن زيارة الرئيس المصري لأبوظبي سوى تأكيد للفشل الايراني في التعاطي مع الدول العربيّة بالمفرّق. هناك قيادات في دول عربيّة تعرف خطورة هذه اللعبة وهذا الرهان الايرانيين وهي مستعدة لمواجهتهما. تندرج زيارة السيسي لأبوظبي في هذه المرحلة الدقيقة بالذات في هذا السياق لا اكثر ولا اقلّ.