بعد ضغوط ومطالب شعبية مكثفة على الحكومة العراقية، للخوض في مفوضات مع نظيرتها الإيرانية بشأن ملف المياه، بعد التجاوزات الكبيرة التي شهدها هذا العام، يتم الكشف الآن عن مطالب الطرف الإيراني.
وقطعت إيران طوال الشهور الماضية معظم الأنهار المتدفقة من أراضيها نحو العراق، الأمر الذي تسبب بجفاف شديد في معظم مناطق شرق العراق.
وكشفت نقابة الجيولوجيين العراقيين عن الشرط الذي يطلبه الجانب الإيراني مسبقا للدخول في أية مفاوضات مع الجانب العراقي، وهو إقرار العراق بالعودة إلى اتفاقية الجزائر، الخاصة بتقاسم البلدين لمياه نهر شط العرب، التي وقعها الطرفان عام 1975 في عهد الرئيس الأسبق صدام حسين.
المطالبة الإيرانية صدمت الأوساط الشعبية والأهلية العراقية، لأنها بمثابة "ورقة ابتزاز"، فإيران حسب مطالبتها هذه، تفرض شرطا خارجيا، للالتزام بمنح العراق حقوقه العادلة والشرعية بمياهه.
قرابة أربعين نهرا متدفقا من إيران نحو العراق، هي أنهار دولية عابرة للحدود، وثمة اتفاقيات دولية تنظم حقوق الدول المشتركة في تلك الأنهار.
ومنذ أواخر شهر مارس الماضي، وبعد موسم شتوي جفت خلاله الأمطار بشكل شبه تام، بدأت إيران بقطع مياه الأنهار، الذات الأنهار الكبيرة كروان وديالى والزاب، مما أحدث جفافا في معظم مدن وأرياف جنوب وشرق العراق، ومنذ أوائل فصل الصيف، صارت المديريات العامة لبحيرات حمرين ودوكان ودربنديخان تعلن قرب جفافها بشكل تام، وتاليا إصابة ملايين الهكتارات من البساتين الزراعية المعتمدة على الري بالجفاف التام.
الباحث والكاتب العراقي أنمار الحاج يحيى، شرح في حديث مع قناة سكاي نيوز أسباب المطالبة الإيرانية الأخيرة، والتي صنفها إلى أربعة مستويات "إيران نفسها تعيش أزمة كبرى في مجال المياه، كانت تظاهرات خوزستان الأخيرة أكبر دليل عليها، لذا تحاول أن تُثبت السلطة الإيرانية لقواعدها الاجتماعية بأنها تفعل كل شيء لمصالحها القومية العليا. كذلك يتعلق الأمر بأوضاع تدفق المياه من تركيا، حيث بدأت تركيا سياسات منظمة لحرمان العراق من حقوقه، وهو ما يجعل الطرف الإيراني يعتقد بأن العراق أكثر جاهزية للخضوع لمطالبه".
ويتابع الحاج يحيى حديثه "على أن الظرف السياسي هو الأكثر حيوية في هذا المجال. فالإيرانيون متأكدون من تفكك البنية الفاعلين السياسيين العراقيين، وتالياً عدم قدرتهم على التعامل مع إيران بندية مباشرة، حيث أن جزء واضحاً منهم خاضع لسيطرة الاستراتيجية الإيرانية. كذلك تسعى إيران لخلق ضغوط على السلطة العراقية للخضوع للمطالب الإيرانية في مجال الضغط على الولايات المُتحدة في عراق".
وكانت اتفاقية الجزائر قد تم التوقيع عليها عام 1975، بين نائب الرئيس العراقي وقتئذ صدام حسين، وشاه إيران محمد رضا بهلوي، وكانت تخص تقاسم مياه شط العرب وتحديد كمية المياه المتدفقة من إيران نحو العراق، بشرط إيقاف إيران لدعمها للحركة القومية الكُوردية في العراق.
لكن الرئيس العراقي السابق صدام حسين ألغى تلك الاتفاقية عام 1980، وهو أمر أصر عليه الرئيس العراقي الأسبق جلال الطالباني، الذي أصر على إن العراق لا يعترف باتفاقية الجزائر تلك، لأنها كانت تفتقد للأسس القانونية والدستورية الواجب توفرها.
الأوساط القانونية العراقية علقت على تردد العراق في التوجه إلى المؤسسات الدولية لحل ملف المياه مع إيران، التي ترفض إجراء أية مفاوضات مع العراق بشأن ملف المياه منذ العام 2003، وتعمل على قطعها بالتتالي.
يذكر القانونيون إن جزء واضح من السلطات العراقية لا تملك مصداقية في مواجهة إيران، بسبب الارتباطات السياسية، والجزء الآخر يخشى من إمكانية عرض إيران تلك لاتفاقية الجزائر على الأوساط الدولية، وأن تنال إقراراً منها.
تُقدر حاجة العراق من المياه بحدود سبعين مليار متر مكعب من المياه، يتدفق قرابة نصفها من إيران، وقطعها يُهدد بتصحر ثلثي مساحة العراق، وتالياً نزوح قرابة عشرين مليون عراقية من الأرياف إلى المُدن، وتالياً خلق خضة كُبرى في الحياة العامة العراقية.