تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

ميليشيات إيران تحيل أرض العراق إلى مقابر جماعية

 المقابر الجماعية
AvaToday caption
تفيد وقائع الموت، طبقا لمنظمات حقوق الإنسان ومراصد جرائم الحرب، أن ظاهره المقابر الجماعية تتوزع خرائطها المكانية على جغرافية وطن الرافدين كله، من أعالي الفرات حتى آخر شواطئ دجلة، وفي البلدات والمدن والقرى
posted onJanuary 21, 2021
noتعليق

د. باهرة الشيخلي

أعاد بيان أصدره الأسبوع الماضي شيوخ ووجهاء عشائر الإسحاقي بمحافظة صلاح الدين حول العثور على مقبرة جماعية في ناحية الإسحاقي للمغيّبين والمفقودين من منطقتهم، حديث المقابر الجماعية إلى الواجهة في الشارع العراقي.

وحسب ذلك البيان، فقد تم العثور على المقبرة الجماعية المذكورة في ناحية الإسحاقي الجزيرة، جنوب مدينة تكريت، وعلى وجه التحديد في منطقة “جالي”، وهي تضم العشرات من جثث المغيبين في حقبة تحرير تلك المناطق من احتلال تنظيم داعش الإرهابي سنة 2014.

ويحمل هذا الكلام اتهاما واضحا ومباشرا إلى الميليشيات الموالية لإيران والقوات الحكومية بأنها هي التي نفذت الإعدامات بأبناء تلك المناطق ودفنتهم في مقابر جماعية. وقد حدّد شيوخ ووجهاء عشائر الإسحاقي بمحافظة صلاح الدين، وحسب المعلومات المتوفرة عن الجثث التي عثر عليها في مقبرة جالي، أنها تعود إلى العوائل المغيّبة قسريا من قبل الميليشيات الولائية. واستندوا في ذلك إلى ما قامت به في 25 مايو 2015، عندما داهمت قرية الخاطر واعتقلت العشرات من سكانها، ثم هجّرت ما تبقى من السكان في الثاني من يونيو من السنة نفسها، ولم يظهر أثر لمن اعتقل إلا في المقابر الجماعية.

وفي منطقة الدجيل استوقفت القوات الأمنية الماسكة للأرض التابعة إلى اللواء 17 واعتقلت العديد من أبناء القرية، كما فعلت ميليشيات الحشد الشعبي ذلك أيضا.

الواقع، أن هذه المقبرة ليست الوحيدة التي عثر عليها في العراق، بل هي آخر ما عثر عليه، ففي آخر تقاريرها عن المقابر الجماعية في العراق (6 نوفمبر 2018) وثّقت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق ومفوضيّة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، اكتشاف 202 مقبرة جماعية تضم رفات الآلاف من الضحايا الذين أعدمهم تنظيم داعش خلال سيطرته على ثلث مساحة العراق سنة 2014.

التقرير الأممي وثق زمن تلك المقابر، ومواقعها، وأعداد من دُفنوا فيها، وهوياتهم. وبين عامي 2014 و2017 غيّب تنظيم داعش كلّ من لا يؤمن بخلافته في الأرض، وكان يقتل الجميع بلا رحمة، وشن “حملة واسعة من العنف، وارتكب، بصفة منظمة، انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. وهي أعمال قد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية وربما أيضا إلى مستوى الإبادة الجماعية”.

في 15 ديسمبر 2019 في محافظة الأنبار، وتحديدا في قرية الفياض التابعة لمدينة الفلوجة، كان أحد المزارعين قد عثر على مقبرة جماعية عندما كان يشق قناة مائية. وقالت السلطات المحلية في الأنبار حينها إنّها ستتحقق من هويات المدفونين فيها من خلال فحص الحمض النووي وتحفّظت على التصريح بأعداد الجثث التي عثر عليها في تلك المقبرة.

خلال الأسبوع نفسه عثر أيضا على مقبرتين جماعيتين إضافيتين، كان موقع إحداهما بالقرب من سيطرة الصقور، حيث المنفذ الرئيس بين بغداد والأنبار، وهي المنطقة التي لم يستطع تنظيم داعش دخولها طيلة وجوده في محافظة الأنبار، وكانت تلك المنطقة خاضعة لسيطرة الجيش والشرطة وميليشيات الحشد الشعبي.

وقريبا من موقع المقبرة الجماعية تلك، التي تضم رفات 643 ضحية تقع ناحية الصقلاوية، وهذه ناحية سيطرت عليها ميليشيات الحشد الشعبي واقتادت 743 مدنيا من أبنائها إلى جهة مجهولة، ولم يُعرف مصيرهم حتى هذه اللحظة، بينما يسود اعتقاد الآن، خصوصا لدى ذوي المفقودين، أنَّ أبناءهم الذين ينتظرونهم منذ أربع سنوات، هم ضمن رفات عثر عليها عمال إنشاءات مصادفة، وما زالت السلطات العراقية تتكتّم على أي تفاصيل تتعلق بتلك المقبرة الجماعية.

وفي الثالث من يونيو 2016 كانت فاجعة قبيلة الدليم المحامدة ونكبتها، حيث فقد أو غيّب أكثر من 700 رجل من عشيرة البعكاش، وإلى حد هذه اللحظة لم يعثر لهم على أثر غير المقابر الجماعية التي تم العثور عليها قرب الفلوجة والتي ربما تعود إلى آخرين من عشائر أهل الأنبار ومن مناطق مختلفة شاسعة المساحة.

وثمة شائعة تفيد بأن المقابر الجماعية ليست سوى “نتيجة لحرب 2003″، وهي شائعة مازال الناس يتناقلونها حتى اللحظة الراهنة. وستبقى مسيطرة على رؤوس العراقيين طالما بقي مصاصو الدماء بقيادة الأحزاب الدينية وميليشياتها متسلّطين على رقاب العراقيين ينفذون أجندة الولي الفقيه.

وتفيد وقائع الموت، طبقا لمنظمات حقوق الإنسان ومراصد جرائم الحرب، أن ظاهره المقابر الجماعية تتوزع خرائطها المكانية على جغرافية وطن الرافدين كله، من أعالي الفرات حتى آخر شواطئ دجلة، وفي البلدات والمدن والقرى. وكان للعاصمة النصيب الأعظم منها.

وإذا كان عدد المقابر الجماعية قد تجاوز 700 مقبرة، فإن عدد الشهداء الذين أسقطتهم بنادق الاحتلال الأميركي ومغاوير الداخلية والأحزاب الحكومية ومرتزقة ولاية الفقيه يصل إلى مليون قتيل ليصبح العراق نفسه مقبرة لمجتمع بكامله وتمامه.

وها هم القناصة (الطرف الثالث) الذين انتزعوا أرواح أكثر من ألف شهيد تحت عنوان “مقبرة الشباب الكبرى”، منذ أكتوبر 2019. وهاهم القتلة أنفسهم يحاولون جعل الناصرية قبرا جماعيا..

يسود اعتقاد في العراق بأن الضجة التي افتعلتها الأحزاب الموالية لإيران حول المقابر الجماعية، التي زعمت أن نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين قد دفن فيها معارضيه، كانت إجراء استباقيا للتغطية على جرائم هذه المقابر، التي نفذتها سابقا والتي ستنفذها مستقبلا، مستندة في ذلك إلى ما اكتشف من مقابر جماعية ثبت أن تواريخها كانت بعد احتلال العراق، وإلى لقاء الرئيس صدام المرجع الشيعي الأعلى الراحل أبوالقاسم الخوئي، بعد أحداث ما سمّاها المرجع نفسه “الغوغاء” وتسميها الأحزاب الموالية لإيران الانتفاضة الشعبانية. وقدّم الخوئي لصدام شرحا مفصلا للمقابر الجماعية التي دفن فيها “الغوغاء” ضباطا وجنودا من الجيش العراقي عقب انسحابهم غير المنظم من الكويت بعد التمثيل بجثثهم، موضحا دور إيران وآل الحكيم بدعم هؤلاء ‘الغوغاء”، ومن نفذ هذه الجرائم هم جماعة معسكر رفحا المشهور الذين يتقاضون، الآن، رواتب خيالية من الخزينة العراقية عن جريمتهم تلك، فقد أحالت هذه الميليشيات العراق إلى بلد المقابر الجماعية والخراب.

ختاما، لا يعتقد أحد في العراق أن مقبرة جالي في محافظة صلاح الدين ستكون الأخيرة التي يعثر عليها في العراق وأن هناك العشرات من المقابر لم تكتشف إلى الآن، وربما سيتم اكتشاف مقابر أخرى في جنوب العراق لشيعة معارضين لحكم الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران. فهذه الميليشيات تتنقل بين مناطق العراق كلها محمّلة بحقدها الطائفي وحاملة الموت معها، وهناك تسجيلات مصورة لقادة ميليشيات يصرحون بأنهم عازمون على تصفية كل أبناء من عادى آل البيت، وهي صفة يطلقونها عادة على من يقف في وجه المخططات الإيرانية ويقاومها.