مازال الخلاف بين الكتلتين الشيعيتين في البرلمان العراقي اللتين يقودهما رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وهادي العامري المحسوب على طهران، يمثّل عقبة كبيرة أمام تمكّن رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي من استكمال تشكيل حكومته بسبب تمسّك كل كتلة بمرشح لمنصب وزارة الداخلية.
وبعد مرور ستة أشهر على الانتخابات التي قيل إنها ستخلّص العراق من أثار سنوات الحرب أو الفساد الذي نخر البلاد منذ خمس عشرة سنة عقبت إسقاط نظام صدام حسين في عام 2003، أصاب الصراع الشيعي – الشيعي حول الوزارات السيادية كل المساعي لتشكيل الحكومة بشلل سيزيد في تأجيل إعلان تشكيلها لإنهاء أزمات العراق الخانقة والمتعاقبة على عدة مستويات.
ورغم أن أكبر كتلتين فائزتين في الانتخابات البرلمانية التي أجراها العراق في مايو تحالفا ضمنيا في أكتوبر عندما اختارتا رئيسا للدولة واتفقتا على 14 وزيرا من بين 22 عضوا في مجلس الوزراء، إلا أنهما مازالا يعيقان تشكيل الحكومة ليتأجّل التصويت في البرلمان على شغل الوزارات الشاغرة في حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي أكثر من مرة.
ومنذ توافق كتلة “سائرون” التي يتزعمها الصدر وكتلة “البناء” يتزعمها هادي العامري على اختيار رئيس للدولة، عرفت المفاوضات السياسة جمودا كبيرا لعدة أسباب يبقى على رأسها الخلاف حول من يشغل منصب وزير الداخلية الشاغر الذي هيمن عليه لسنوات حلفاء للعامري يدعمون الزعيم السابق لفصيل شبه عسكري تدعمه إيران لشغل المنصب.
وبخلاف هادي العامري، فإن الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، يتعلّل بأنه يجب على من سيكون وزيرا للداخلية غير منتم لأي طرف أو اصطفافات حزبية.
ويرى مراقبون أن تعنّت الكتلتين الشيعيتين قد يؤجّل الحسم في استكمال تشكيل الحكومة العراقية لعدة أشهر أخرى وأن ذلك لا يخدم مصلحة عادل عبدالمهدي الذي يصارع الوقت في وقت يعيش فيه العراق على وقع عدة أزمات اقتصادية واجتماعية قد تعيد تأجيج واحتقان الوضع خاصة في جنوب البلاد.
وبتأجيل التصويت في البرلمان على كامل الحكومة يرى مراقبون أيضا أن العراق سيعود إلى حالة الجمود، خاصة أن الخلاف تحوّل من صورته السابقة بين السنة والشيعة في أعقاب غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 إلى خلاف بين فصائل شيعية.
ويعتبر العديد من النواب في البرلمان العراقي أن أمر التوافق بين الكتلتين أصبح من قبيل المستحيل، حيث قال حنين القدو وهو من أعضاء الكتلة التي يتزعمها العامري الجمعة “لقد وصلنا لطريق مسدود”.
وقال النائب أحمد الكناني عن نفس الكتلة “لا داعي لمزيد من التأجيلات ولا فائدة من المحادثات. سنتوجه إلى البرلمان ونصوّت على بقية أعضاء مجلس الوزراء”. وأضاف أن الكتلة ستفعل ذلك دون الاتفاق مع أنصار الصدر رغم أن الحسابات البرلمانية ضدها.
وحثّ مقتدى الصدر عبدالمهدي إلى تقديم بقية أعضاء مجلس الوزراء إلى البرلمان للتصويت عليهم في أقرب وقت ممكن دون المرشحين محلّ الخلاف. وقال لرئيس الوزراء “يجب ألاّ تذعن لما يحدث وراء الكواليس”.
وكان الصدر الذي فازت كتلته بأكبر عدد من مقاعد البرلمان في الانتخابات قد هدّد بالانسحاب من العملية السياسية وتنظيم مظاهرات جماهيرية مثلما فعل في الماضي، خاصة عندما اقتحم المحتجون المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد عام 2016.
وقال عضو في تحالف سائرون طلب عدم نشر اسمه “إذا تجاهلتنا كتلة البناء فسنلجأ إلى كل الخيارات الممكنة بما في ذلك التعبئة في الشوارع”.
وأصاب تواصل الخلاف بين كتلتي الصدر العامري كل الجهود التي أثيرت عقب الانتخابات والرامية إلى إعادة بناء العراق الذي لحق به دمار كبير بسبب الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
كما أن عادل عبدالمهدي يجد نفسه بسبب الخلافات السياسة الشيعية في إحراج كبير أمام العراقيين المنتظرين لكل الإصلاحات التي تم وعدهم بها اجتماعيا واقتصاديا، خاصة عقب احتجاجات أهالي البصرة منذ أشهر.
ومن بين المشاكل التي تحيط بالعراق عقب الانتخابات أن سيولا مفاجئة كانت قد أسفرت عن مقتل عدة أشخاص الشهر الماضي، كما أن المتشددين مازالوا يشنّون هجمات على نطاق محدود. ويقول مسؤولون محليون إن الخلافات السياسية هي السبب في عدم توفير الخدمات.
وقال الشيخ أبومشعان أحد القيادات العشائرية في محافظة الأنبار “لا إعمار ولا وظائف هنا”. وأضاف “خطوط الكهرباء الرئيسية مازالت معطلة. في البداية قالوا سنحصل على الكهرباء بحلول أكتوبر. والآن يقولون يناير السلطات ليست مهتمة بنا فقد أمضت قرابة سبعة أشهر في محادثات ولم تتوصل إلى حكومة حتى الآن”.
ومن تداعيات هذا الجمود أيضا أنه لم يتم إقرار موازنة 2019 ولذلك لا تعلم المحافظات حجم الإنفاق على إصلاح المرافق. وقال نورالدين قبلان المسؤول بمحافظة نينوى “الأمطار الغزيرة قطعت الطرق في الموصل. وليس لدينا حتى ما يكفي من المال لإصلاح الطرق التي لحقت بها أضرار بسبب القتال”.
وكانت أحزاب كثيرة اعتبرت عبدالمهدي مرشحا وسطا لمنصب رئيس الوزراء ربما يمكنه تشكيل حكومة من الخبراء المستقلين القادرين على تقديم الخدمات وتقليص البطالة وهما السببان الرئيسيان في احتجاجات شابها العنف في سبتمبر لماضي.
ووافقت على عبدالمهدي الكتلتان البرلمانيتان اللتان تضمان أحزابا سنية. ويشغل عدد من السنة والأكراد مناصب وزارية، غير أن محللين يقولون إن الصراع على النفوذ بين الصدر والعامري سحب المبادرة من يدي رئيس الوزراء ومن البرلمان.
وقال ريناد منصور الباحث في تشاتام هاوس بلندن “ليس الأمر بيد عبدالمهدي أو بيد أعضاء البرلمان. فليس للفرعين التنفيذي ولا التشريعي للحكومة قول في تشكيل مجلس الوزراء المقبل”.
وأضاف “لم يظهر في العراق بعدُ الزعيم القادر على جمع الطرفين وحلّ مسألة من يشغل منصب وزير الداخلية، أصبحت مسألة مبدأ”. ويرجّح بعض المتابعين أن تضعف هذه الخلافات بين القيادات الشيعية النفوذ الإيراني في العراق الذي تنامى منذ الإطاحة بصدام حسين قبل 15 عاما.
وإذا استمر الانقسام فستفضل إيران أن يكون العامري وقيادات فصيله في وضع قوي. غير أن إيران ستسعى للحيلولة دون تدهور الخلافات فلا تبدو أي بادرة على أنها قامت بالوساطة بين الكتلتين. وقال نواب من المجموعة البرلمانية لتحالف سائرون إنهم بعثوا برسالة الأسبوع الماضي لمرشح العامري لمنصب وزير الداخلية فالح الفياض الرئيس السابق لفصائل الحشد الشعبي الشيعية وطلبوا منه التنحي.
وفي المقابل أكّد نواب في كتلة العامري أنهم سيحاولون الدفع بفياض في البرلمان بعد أن يئسوا من المحادثات مع الصدريين. إلا أنه من المستبعد أن يتم التصويت دون موافقة من الصدر، الأمر الذي يفرض مزيدا من الضغوط على حكومة عبدالمهدي.
وقال ضياء الأسدي وهو من كبار مستشاري الصدر “رغم الصعوبات التي يواجهها رئيس الوزراء في ترشيح وزيري الداخلية والدفاع فعليه أن يستكمل هذا التشكيل وتقديم الأسماء. وإلا فلا يمكن لحكومته فعلا أن تستمر على هذا الحال”.
ورغم أن وزارة الدفاع لا تزال شاغرة أيضا فإن العقبة الرئيسية هي وزارة الداخلية خاصة مع تشبّث كتلة العامري في ترشيح فالح الفياض الرئيس السابق لفصائل الحشد الشعبي الشيعية الموالية لإيران.
وقال الأسدي إن الصدر سيمهل عبدالمهدي فترة تصل إلى ستة أشهر لتشكيل حكومة كاملة قبل أن يسحب تأييده له. وتأتي الضغوط أيضا من طرف العامري، حيث قال قيس الخزعلي أحد قيادات الفصائل “إذا تم إقناع عبدالمهدي… بأن فياض هو المرشح المناسب فعليه أن يتقدّم به”. وأضاف “رئيس الوزراء ليس لديه كتلة أغلبية في البرلمان تساند حكومته أربع سنوات”.