تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

بيان اليأس في لبنان

أنتفاضة لبنان
AvaToday caption
حكومة تكنوقراط يسمي حزب الله فيها الوزراء الشيعة! ما الجديد في هذه الحكومة؟ لا شيء طبعاً، لكن الأشد فظاعة أن الحزب ذهب في إهانته لـ"المبادرة الفرنسية" إلى حد عدم القبول بهذه الحكومة، وإلا ما الذي يعيق تشكيل الحكومة اليوم؟
posted onNovember 26, 2020
noتعليق

حازم الأمين

سيُمضي لبنان أشهراً أخرى من دون حكومة، وسيُمضي أقل من شهرين ليستنفد ما تبقى من احتياط مصرف لبنان في دعم السلع الغذائية والدوائية، وبعدها سيسقط السقف على رؤوس اللبنانيين، ولن ينجو إلا أهل الطبقة السياسية وعائلاتهم ومرتزقتهم.

والمرء إذ استنفد كل النعوت والشتائم في وصف هؤلاء، يشعر بضرورة توظيف خياله لإنتاج وابتكار مزيداً منها، فهذه وسيلتنا الوحيدة لحماية ما تبقى من توازن نفسي نحتاجه لكي نبقى على قيد الحياة في هذا المكان البائس من الكرة الأرضية.

قد يبدو مملاً أن نكرر حقيقة أن حزب الله يفرض على اللبنانيين أسوأ نموذج في الحكم. صحيح أن عقبات تحول دون اكتمال النموذج الأمني في الحكم، لكن نموذجاً لا يقل سوءاً، بل يزيد النظام البوليسي سوءاً، هو ما يحرص الحزب على تكريسه وحمايته في بلدنا.

حين نتجاوز الفساد إلى تفاهة الفساد، والارتهان لنظامي الجريمة في طهران ودمشق إلى تفاهة الارتهان، نبلغ عندها مستويات غير مسبوقة من اليأس.

وهذا هو حالنا اليوم. جبران باسيل الذي انعقدت في وجهه قباحة السياسي الصهر في ثورة ١٧ تشرين، أعاد الحزب رسم ملامح "البطل" على وجهه في أعقاب صدور عقوبات قانون ماغنسكي بحقه. إنه عنترة بن شداد على ما وصفه به "مثقف" الحزب.

المفارقة لا تصدق، والحزب بجعله عنترة يعلن للبنانيين الذين لم يمض زمن طويل على إعلانهم أن جبران هو "شيطان الجمهورية" أن عليهم اليوم أن يقبلوا به بصفته عنترة بن شداد الجمهورية.

هذا المستوى من احتقار الناس يفوق ما تمارسه أنظمة عسكرية في سوريا وفي مصر وإيران والسعودية بحق مواطنيها، ذاك أن القتل المباشر ينطوي على اعتراف بالمخاطر الذي يشكلها القتيل، أما احتقار الناس وعدم الاكتراث بذكائهم ففيه عدم اعتراف بكراماتهم، وفيه أيضاً يقين الجاني بعجز الضحية.

لن تتشكل الحكومة في لبنان. لا يشعر حزب الله بأن هذا ضرورياً اليوم. شراء الوقت يتم عبر الـ١٧ مليار دولار الأخيرة في المصرف المركزي، وهذا المبلغ هو القيمة المتبقية من ودائع اللبنانيين. وبهذا المعنى يصرف اللبنانيون مما تبقى من ودائعهم على جمهورية حزب الله.

في السنوات الثلاث الفائتة أنفقوا نحو مئة مليار دولار على هذه الجمهورية، وها هم اليوم ينفقون ما تبقى في خزنة المصرف. لا بأس فالحزب ينتظر إدارة أميركية جديدة قبل أن يعطي الأمر لرهائنه قادة الأحزاب والطوائف والعُصب لكي يلتئموا في حكومته الجديدة. والحزب لا يشعر بمعنى نضوب مداخيل الناس طالما أن تمويله يتم نقداً من طهران، وهو يعززه بحصته من مداخيل الفساد التي لم يعد خافياً على أحد شراكته فيها.

والحزب محق في انتظاره طالما أنه يحتقر حاجات اللبنانيين. فسبق أن جاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان مرتين ومده بمزيد من الوقت، وتكشفت "المبادرة الفرنسية" عن حقيقة واحدة تتمثل في تعويم الطبقة السياسية التي يتصدرها حزب الله.

حكومة تكنوقراط يسمي حزب الله فيها الوزراء الشيعة! ما الجديد في هذه الحكومة؟ لا شيء طبعاً، لكن الأشد فظاعة أن الحزب ذهب في إهانته لـ"المبادرة الفرنسية" إلى حد عدم القبول بهذه الحكومة، وإلا ما الذي يعيق تشكيل الحكومة اليوم؟ المبادرة الفرنسية مثلت رصاصة رحمة في رأس طموحات اللبنانيين بالتغيير.

لا قيمة لفرنسا في حسابات الحزب، فالمفاوضة الفعلية هي مع واشنطن، وليس لبنان مدار هذه المفاوضة، ذاك أن قيمته لم تعد تساوي شيئاً لجميع الأطراف المقرِرة. سننتظر إذا ما ستتقاضاه طهران ثمناً لحكومة تافهة هي تتويج لمسار من حكومات الارتهان. سندفع ثمن الانتظار ما تبقى من ودائعنا في مصرف لبنان.

من المرجح أن يطول الانتظار، اذ أن أشهراً طويلة تفصلنا عن تشكل المسار الجديد للإدارة الأميركية المنتخبة. لا يبدو أن هذه الكارثة التي سترافق الانتظار تعني شيئاً للحزب الحاكم.

سيراقب سيد الحزب احتضارنا ويرسم ابتسامته المعهودة ويقول إن الاستعمار العالمي وراء الكارثة، ولن نصدقه، لكن هذا لن يثير اهتمامه، وهو لن يُقدم على قتلنا جراء عدم إيماننا بأن جبران باسيل هو عنترة بن شداد، فعدم إيماننا لا يشكل خطراً عليه، وهو لا يطمح أصلاً لنيل ثقتنا بكلامه. كل ما يريده منا هو أن لا نعيد الكرة ونستأنف ما بدأناه في ١٧ تشرين ٢٠١٩.