فريدريك هوف
قسّمت منطقة نهر الفرات في سوريا السياسة الأميركية تجاه سوريا إلى قسمين. في شرق الفرات، كان الهدف خلال رئاسة باراك أوباما، دعم العمليات القتالية ضد تنظيم الدولة الإسلامية من خلال الاستعانة بميليشيا كردية باستخدام أسلحة ومستشارين ومساندة جوية قتالية. وفي عهد دونالد ترامب، تسلّمت الإدارة الأميركية زمام الأمور عبر تسريع الحرب ضد تنظيم داعش، لكن الاستراتيجية الأميركية في المنطقة الشرقية بقيت ثابتة.
وإلى الغرب من نهر الفرات، دعمت إدارة أوباما التحول السياسي على أساس البيان الختامي لمجموعة العمل حول سوريا عام 2012، والذي وضعه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 في عام 2015. وتدعم إدارة ترامب أيضا قرار جنيف وقرار مجلس الأمن رقم 2254، لكنها تختلف عن سابقتها في مدى ربطها بين جانبي نهر الفرات.
يوافق كل من الرئيسين دونالد ترامب وباراك أوباما، بلا شك على أن نظام الأسد يحمّل، كما قال أستاذ جامعة جورج واشنطن مارك لينش، “المسؤولية الكاملة عن انهيار الدولة السورية ويجب ألا يُسمح بإعادة تأهيل هذا النظام في المجتمع الدولي”.
في الواقع، من المحتمل أن يعترف أوباما بأن صعود داعش في شرق سوريا ملأ الفراغ الناجم عن عدم شرعية نظام الأسد وقراره بالتركيز عسكريا على السكان المدنيين في غرب سوريا. ومع ذلك، كان أوباما يخشى من أن إصدار أي رد فعل ضد بشار الأسد، حتى على غرار الرد الانتقامي المحدود على الحرب الكيميائية الذي أصدره ترامب في عامي 2017 و2018، من شأنه أن يعزل طهران، أكبر مؤيد للأسد، ويؤدي بالمفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران إلى طريق الفشل.
من هنا، جاء الاستنتاج الوهمي بأن المعركة ضد داعش في الشرق كانت تدور في عالم منفصل عن حرب الأسد على المدنيين السوريين في الغرب. ويُقال إن أوباما أكّد لإيران أن الولايات المتحدة لن تتخذ أي إجراء عسكري ضد الأسد، وهي سياسة تأمين قُدّمت على طبق من ذهب لها وللنظام السوري.
غير أن إدارة ترامب، التي لم تكن مهتمة بما قد تشعر به إيران، أنهت مقاربة جانبي نهر الفرات في سوريا، حيث بقيت هزيمة داعش أولوية لواشنطن، لكن إدارة ترامب استنتجت بشكل صحيح أن السبب الأساسي لظهور هذا التطرّف الإسلامي في سوريا يجب معالجته أيضا. آمنت الإدارة الأميركية جيدا بأن مزيجا من فساد النظام وعدم الكفاءة ووحشية الميليشيات الشيعية التي تقودها إيران، ساعدت بشكل قاطع على ظهور الإسلاميين المتطرفين في المناطق التي لا تقع تحت سيطرة الحكومة من سوريا.
ومثل سابقتها، لا تسعى إدارة ترامب إلى تحقيق تغيير النظام بشكل عنيف في سوريا، بل هي مستعدة للإشراف على الاستقرار في الأراضي المحررة من داعش مع إبقاء قوات النظام والميليشيات التي تقودها إيران في غرب الفرات.
وفي نهاية المطاف، تريد الإدارة الأميركية إزالة المتطرفين الشيعة من البلاد، لكن هذا سيكون أمرا صعبا، لا سيما وأن حكام إيران يرون نظام الأسد على أنه عنصر أساسي يساعدهم على ترسيخ مكانة بلادهم في المنطقة وحماية حزب الله.
ويبدو أن نظرية إدارة ترامب هي أن الأسد لم يفز، وأن الكثير من الأراضي السورية مازالت خارج سيطرته، وأن خطوط وقف إطلاق النار أصبحت أكثر صلابة وأن عملية سياسية أخرى على وشك الحدوث قريبا.
إن وقوع عملية سياسية أخرى ستجعل من الصعب على النظام تغيير خطوط وقف إطلاق النار باستخدام القوة، ويمكن أن يؤدي ذلك أيضا إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي من شأنها أن تطلب من الإيرانيين ومقاتليهم مغادرة البلاد. ويبدو أنه لا يوجد اعتراض من جانب الإدارة الأميركية على التعاون بين دمشق وموسكو.
إن الربط بين جزأي اللغز السوري يأتي الآن متأخرا جدا. ومع ذلك، لا يوجد دليل على أن نظام دمشق لديه أي نية للتسوية أو تقاسم السلطة. ولا يوجد أيضا دليل على أن روسيا لديها الرغبة أو القدرة على إجبار دمشق ولا تهتم إيران بالتخلي عن إقليمها السوري.
وحتى في ظل أفضل الظروف، فإن عملية تفاوضية تؤدي إلى تحول سياسي، يجب أن تجنّب الجانب السلبي المزعزع للاستقرار لقرار مجلس الأمن رقم 2254، حيث يمكن أن تؤدّي الانتخابات الوطنية المبكرة إلى إعادة سوريا مرة أخرى إلى الفوضى. يجب أن يسبق الانتخابات حكم القانون وعودة اللاجئين وبدء المصالحة وإعادة البناء، وهي أمور يمكن أن تشرف عليها حكومة انتقالية.
تعتمد استراتيجية إدارة ترامب على تحقيق الاستقرار في منطقة شرق سوريا، ودعم جهود استقرار تركيا في محافظة إدلب وإثناء نظام الأسد عن استئناف استهداف المدنيين. لكن يجب على إدارة ترامب أيضا أن تفعل شيئا تجنّبته الإدارة التي سبقتها: وهو تحديد السوريين الذين يعملون معهم، خاصة في الشرق. قد تكون مساعدة الأكراد أمرا ضروريا، لكن الاعتماد الكامل عليهم لتحقيق الاستقرار في المناطق العربية سيجرّ الكثير من المتاعب.
إن توحيد جزأي اللغز السوري يعتبر إنجازا كبيرا. وسيتطلب تنفيذ استراتيجية لمعالجة الأسباب الكامنة وراء المأساة السورية وعدم الاستقرار الناتج عنها في المنطقة الصبر والتحمّل. وما لم يتم إدراج السوريين في هذا الجهد، فإن الاحتمالات هي أن إيران ستتقدم في قدرتها على الولايات المتحدة في سوريا، وستعمل كذلك على إحياء شكل آخر من أشكال التطرف الإسلامي الذي قد يختلف فقط في الشكل عن أسلوبها المتطرف الخاص بها.
كاتب في العرب ويكلي