Ana içeriğe atla

تقليم ناعم لأظافر إيران مفيد للعراق

منفذ حدودي بين العراق و إيران لتهريب من العقوبات الأمريكية
AvaToday caption
لا تتوقع طهران من الحكام في بغداد رفض العقوبات فحسب، وإنما توفير الوسائل والسبل السرية لاستمرار تدفق الأموال من العراق إليها
posted onNovember 6, 2018
noyorum

د. ماجد السامرائي

قرار واشنطن بالسماح للعراق باستيراد بعض مواد الطاقة والسلع الأخرى من إيران هو استثناء من العقوبات الجديدة المفروضة على طهران لعبه الرئيس دونالد ترامب بمزاج وذكاء العقول السياسية والاستخبارية التي تشتغل معه في البيت الأبيض. لأن العراق ومن سوء حظ أهله يستورد من طهران منذ سنوات نسبة كبيرة من الطاقة الكهربائية لتغذية مدينة البصرة، ويتذكر العراقيون أن من الأسباب المباشرة لاشتعال المظاهرات هناك هي قطع إيران لخطوط الطاقة الكهربائية في أيام الصيف اللاهبة بسبب تأخر بغداد عن دفع المستحقات، تزامناً مع ضخها لأطنان الأملاح إلى حوض شط العرب مما أدى إلى تسربه إلى مجاري مياه الشرب وتسميم عشرات الألوف من البصريين، وما زالت محنتهم مستمرة لدرجة أنهم يتسممون يومياً جراء أكلهم للسمك من تلك المياه، وكذلك قطع إيران لروافد المياه العذبة في تعبير عن “التضامن الشيعي” مع أهل البصرة.

ومن هنا يستدل المواطن العراقي لماذا يستمر التسويف في إنجاز مشاريع الطاقة الكهربائية رغم توفر المال اللازم، ويعرف الفنيون أن معادلة توفير الطاقة الكهربائية هي من أبسط معادلات الاستثمار: توفر المال زائداً الوقت المطلوب الذي لا يتجاوز السنتين يعني توفر الطاقة، لكن المفسدين الذين لا يحبون العراق لم يرُق لهم أن يقطعوا هذا الإيراد السهل لأحبابهم في إيران.

القرار الأميركي لم يستثن العراق من العقوبات على إيران مثلما تم تسويقه في الخبر، وإنما أجاز لبغداد الاستيراد المحدود للطاقة وبعض السلع الضرورية وبالعملة العراقية وليس بعملة الدولار.

أرادت واشنطن من خلال هذا الاستثناء الجزئي توجيه رسالة ايجابية عاجلة لرئيس الوزراء الجديد، عادل عبدالمهدي، بأنها تدعمه ولا تريد إحراجه في أيامه الأولى أمام طهران التي لم تفرح بقرار الاستثناء، بل كانت ترغب في استخدام هذه الفقرة من العقوبات وهي ليست كبيرة في حجمها المالي كجزء من محاولاتها لضم عبدالمهدي إليها واستعدائه على واشنطن، وعدم تكرار ما حصل لسلفه حيدر العبادي من موقف متوازن تجاه العقوبات على إيران، سلب منه الولاية الثانية وفق حملة التعبئة الواسعة من قادة الأحزاب والميليشيات في العراق بالتنسيق مع حملة إيران الشرسة، حيث لوحت بمطالبة العراق بالتعويض بمبلغ ألف مليار ومئة مليون دولار عن حرب الثماني سنوات حسب دعوة نائب رئيس مجلس الشورى محمودي صادقي رغم أنها هي التي واصلت الحرب تحدياً لقرار مجلس الأمن الدولي بتاريخ 28 سبتمبر 1980 بوقف النار الذي قبله العراق.

توافق هذا القرار السياسي من البيت الأبيض مع تصريحات الغزل التي أطلقها قبل أيام مبعوث الرئيس الأميركي إلى سوريا، جيمس جيفري، في شهادة تزكية لكل من عبدالمهدي وبرهم صالح ووصفه لهما بالأصدقاء اللذين عمل معهما سابقاً. وهذا الكلام لا يعجب طهران ولا يعجب وكلاءها في العراق.

كما لن يسهل الطريق أمام رئيس الوزراء الجديد مهما وصل من قدرات ومهارات سياسية. فملف علاقة بغداد مع طهران سيظل واحدا من مؤرقات أي حاكم للعراق، لأن هذا البلد الجار لم يتعاط مع العراق منذ عام 1979 في ظل ولاية الخميني وفق المقاييس الدولية المعروفة، وإنما كان التصرف وفق هدف الاستيلاء على العراق وحكمه عبر وكلاء ولي الفقيه، وهذا ما حصل بعد عام 2003 برعاية واشنطن التي تواجه اليوم نتائج ازدواجية المعايير في الشأن العراقي.

لا تتوقع طهران من الحكام في بغداد رفض العقوبات فحسب، وإنما توفير الوسائل والسبل السرية لاستمرار تدفق الأموال من العراق إليها. ومما يشجعهم على ذلك ما حققه الجنرال قاسم سليماني من نتائج باهرة في الانتخابات الأخيرة لتصبح الولاية “الخامنئية” أكثر فعالية، حيث أصبح قيادات الميليشيات أكثر تحكماً في الوضع السياسي، ولهم نفوذ تعيين وزراء في الحكومة الجديدة، كما أعيد ترتيب شكل المحاصصة الحزبية والطائفية وتمكّن قاسم سليماني وفق خبرته المتراكمة في العمل وسط نماذج مختارة من السياسيين الأكراد، مثل برهم صالح، وتزكية عدد من السياسيين السنّة وتوفير الفرصة لهم باستلام مواقع عالية في إدارة البلد ممن لديهم خيوطاً قديمة مع الأميركان تمتد إلى أيام الاحتلال الأولى، خصوصاً في الأنبار التي وضعها الجنرال ديفيد بتريوس في مركز الاهتمام على غيرها مثل صلاح الدين والموصل أو ديالى التي كانت من حصة قائد منظمة بدر، هادي العامري، وبعد تراجع الاهتمام بالزعامات التقليدية من تلك المحافظات، لكي تكون اللعبة أكثر جاذبية وطاردة للملل من الوجوه المكررة.

ولهذا لم نفاجأ بتصريح رئيس البرلمان الجديد محمد الحلبوسي بعد يوم واحد من تنصيبه خلال اتصال هاتفي له مع نظيره الإيراني بأنه ضد فرض العقوبات على طهران، وسيعمل على إفشالها، وطبعا يقصد من الجانب العراقي. وهي تصريحات ليست أكثر من رسالة شكر لإيران. وليس على “سنة إيران” القدماء والجدد المبالغة في الحديث عن كون إيران قدمت الدعم الهائل للعراق في حربه على تنظيم داعش فقد أجابهم على ذلك ببساطة مساعد رئيس البرلمان الإيراني، حسين أمير عبدالنهيان، الذي قال “إننا لم نعط للعراق طلقة سلاح واحدة مجانا، وإننا نقبض أثمان السلاح بالعملة الصعبة كما هو حال صادرات الكهرباء إلى العراق”.

هؤلاء السياسيين الجدد عليهم عدم الاندفاع كثيرا، فالحصول على المواقع يتطلب جهودا مضافة للحفاظ عليها، وهناك شعب اسمه شعب العراق مهما يقال عنه في صبره الذي فاق الحدود لكن مفاجآته لا يستهان بها. لا شك أن لطهران قدرات غير هيّنة للإفلات من العقوبات الجديدة وخاصة في العراق حيث بنت خلال السنوات الخمس عشرة الماضية مرتكزات تجارية توفر لها إيرادات بمليارات الدولارات من خارج الميزان التجاري المقدر بـ15 مليار دولار. وهناك أحاديث لمصادر في السوق المالية العراقية تقول إن عمليات شراء واسعة للدولار من السوق المحلية تجري حاليا من قبل تجار وشركات صيرفة لنقلها إلى إيران بشكل مباشر وليس عبر وسائل التحويلات التقليدية لتجنب كشفها من قبل الهيئات الرقابية الأميركية،

كما أن المنافذ الحدودية الكثيرة بين العراق وإيران تتحكم بها أحزاب وميليشيات شيعية معروفة، إضافة إلى أن الحدود الواسعة بين البلدين تزيد عن ألف كيلومتر ويصعب السيطرة عليها بوجود أعداد كبيرة من المهربين، وبالتالي يمكن نقل العملة الأجنبية مباشرة دون الحاجة إلى المرور بنظام التحويلات المعتاد. لكن هناك الكثير من المتعاطين بالشأن التجاري داخل العراق يعتقدون أن العقوبات الاقتصادية الأميركية إذا ما تم تطبيقها في المحيط العراقي ستساعد على إيقاف النزيف من جسد الاقتصاد العراقي، لكي يعود المعنيون إلى تأهيل القطاعين الصناعي والزراعي بعد الخراب الذي كان لإيران اليد الطولى فيه.

وبعيداً عن التضخيم الإعلامي من قبل الرئيس دونالد ترامب والعنجهية الإيرانية المقابلة، فما يحصل الآن هو عملية تقليم أظافر ناعمة لإيران لكي تعود إلى التفاوض، وهو ليس حصارا مثلما عاشه العراق لأثني عشر عاماً تمهيدا لغزوه عسكريا.

لا شك أن النظام الاقتصادي الإيراني سيتفكك لاعتماده على النفط، لكن هناك أخبار تتسرب عن لقاء إيراني – أميركي جرى مؤخرا في مسقط الراعية الأولى للاتفاق النووي لمعاودة المفاوضات. من خلال قراءة لتاريخ علاقة واشنطن بطهران، أنه حين يوجد رهائن أميركان لدى وكلاء إيران تحدث الصفقات، ولا نستبعد أن تعيد طهران هذه اللعبة عبر عمليات خطف لرهائن أميركيين.

وبغض النظر عن حالة الولاء الأعمى لوكلاء إيران في العراق، نوجه لهم سؤالا: أليست هذه فرصة لكم لتنقلوا ولاءكم لوطنكم، وتنعموا من خيرات بلدكم ولا تكونوا أدوات بيد الغرباء؟ أما حكام طهران فمسألة مراجعتهم لسياسة التوسع والتدخل التخريبي في العراق والمنطقة لن تتحقق لأنها جوهر النظام الذي لن يعيش طويلا فهناك شعوب إيرانية حيّة ولا بد لها من أن تنتصر.

 

كاتب عراقي