عمر علي البدوي
ثمة طرح إعلامي يريد حرف الحقائق وتشويه الواقع بحصر المشكلة المتصاعدة اليوم في الخليج، في محض خلاف بين السعودية وإيران، وأن الرياض تحشد القوى الدولية والإقليمية لمنافسة ومزاحمة خصمها اللدود في الطرف المقابل من مياه الخليج العربي.
عامدا أو متعاميا يشحذ الإعلام المتماسّ مع قطر وتركيا وإيران والإخوان طاقته لتحريف الواقع، والتخفيف من وطأة ما تقاسيه طهران اليوم من نتائج سلوكها وتمددها غير المحسوب في بعض بلدان المنطقة التي فتكت بها ميليشيات إيران واخترقت وداعتها وسلم أهلها.
لكن الحقيقة أن إيران بسلوكها وإستراتيجيتها ونتائج خياراتها ليست مشكلة سعودية ولا إماراتية ولا خليجية فقط، بل هي مشكلة إقليمية ودولية، فالجهد الذي تبذله طهران للفتّ في استقرار المنطقة، وعلاقاتها مع كل بؤر التشدد والإرهاب في العالم، أمر يهدد سلامه واستقراره ويسير به تجاه حافة الهاوية والفوضى التي تستمرئها إيران.
بازدواجية مزعجة، تصوغ الدعاية المعادية للسعودية ورفاق طريقها، قصة المشهد الراهن على نحو يجعل من الرياض معتدية على إيران، طامعة في الحرب، غير آبهين بالجراح المفتوحة التي نالت الشعوب العربية جراء سلوك إيران وميليشياتها التي تفتك باستقرار سوريا وتفتّ في نسيج العراق وتغذّي تشرذم اليمنيين وتسلب استقلال لبنان وتؤذي جاراتها العربية في كل مناسبة ومكان.
وهي تفعل ذلك وتجاهر على لسان كبار قيادات الحرس الثوري الإيراني، بنفوذهم على قائمة من العواصم العربية، ونواياهم غير المكتومة لزيادة هذه القائمة بدسّ المزيد من فرص الفوضى والعبث باستقرار دول المنطقة المختلة والآيلة للاختراق.
لا أحد يودّ لطبول الحرب التي تدوّي الآن في المنطقة أن تنتهي إلى حالة اشتباك مدمرة لن يسلم منها طرف، ولا أحد في المنطقة ينافس الرياض في نيتها ورغبتها للسلام والاستقرار، وهي التي مدت يدها للسلام في الكثير من المناسبات والفرص الضيقة، ووجدت من طهران وجها ضاحكا ويدا طاعنة، حتى استقرّ لديها أن المواجهة الصريحة هي الحل لوقف نزيف المنطقة وانهيارها أمام جحافل التغوّل الإيراني.
وسيحدث هذا بالتنسيق رفيع المستوى مع المجتمع الدولي الذي أعطى طهران فرصة للسلام، ثم قوّضته الإدارة الأميركية الجديدة وقد تبيّن لها أن الصفقة الأوبامية لم تكن إلا بردا وسلاما على سلوك إيران وضوءا أخضر للدأب في نهجها المؤذي للمنطقة والعالم.
الكثير من الملفات العالقة في المنطقة متوقف على تغيير سلوك إيران، مما يجعل مواجهتها ضرورة وليس ترفا، للحد من تماديها في شق الصفوف العربية حتى داخل الوطن الواحد، بما يؤثث لشقوق ينفذ منها المستثمرون في أوجاع العرب، ويبسطون مشاريعهم الانتهازية، على نحو ما يحدث من تعطيل الحياة السياسية في لبنان والعراق، وشلّ أي تقدم في الشأن الفلسطيني بزيادة الفرقة وتفتيت اللحمة ومشاريع الوفاق.
ورغم هذا، بقيت ثلة من الأصوات التي خلعت عنها ثياب الموضوعية والإنصاف، واستجابت لمتبنياتها الأيديولوجية من بقايا القومية الرثّة وخطاب المقاومة المستهلك ضد إسرائيل، بما يتوافق والسردية التي تتبناها إيران وحوضها المزيف للمقاومة، ودعواهم بأن الطريق إلى القدس يبدأ من دمشق أو صنعاء أو بغداد وهلمّ من حواضر العرب وعواصمهم المنتهبة من المشاريع الإقليمية وطابورهم الخامس في أحشاء المنطقة.
صحافي سعودي