Ana içeriğe atla

سيناريوهات التصعيد الأمريكي ـ الإيراني بعد العقوبات

صحف إيرانية
AvaToday caption
ففي العام 1983 دعمت الإدارة الإيرانية هجوما مسلحا على ثكنة مشاة البحرية الأمريكية في بيروت وجددت الأمر نفسه في العام 1996 حين قامت بتفجير أبراج الخبر في المملكة العربية السعودية، وحاولت عرقلة بعض القطع البحرية الأمريكية في مياة الخليج في أغسطس 1987
posted onMay 11, 2019
noyorum

محمد محسن أبو النور *

منذ دخول العقوبات الأمريكية على إيران بصورتها الكاملة حيز التنفيذ يوم الثاني من مايو الجاري، في ضوء رفع الاستثناءات عن الدول الثماني المستوردة للنفط الإيراني وهي الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتركيا واليونان وإيطاليا، اتخذت حرب العلاقات العامة الدعائية بين الجانبين مسارا تصعيديا حادا يمكن قراءته من خلال تعيين قائد جديد لمؤسسة الحرس الثوري الإيراني وهو الجنرال المشهور بخطاباته اللاذعة ضد الولايات المتحدة الأمريكية، حسين سلامي، إلى جانب تهديدات متوالية من جانب المسؤولين الإيرانيين بإعاقة الملاحة التجارية في مضيق هرمز إذ مُنعت إيران من تصدير نفطها إلى العام.

في هذه الأثناء يتجه التصعيد بين الدولتين نحو عدد من السيناريوهات المحتملة التي يمكن استعراضها كالتالي:

السينايو الأول: استمرار حالة “حرب ما قبل الحرب

يقوم هذا السيناريو على تخيل استمرار حالة التصعيد الكلامية من جانب الطرفين مع إجراءات عقابية أحادية متتالية تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران غير أن حالة التصعيد تلك لن تتطور إلى حرب مسلحة، حتى لو كانت محدودة؛ وذلك لعدد من الاعتبارات الحيوية.

على رأس تلك الاعتبارات عدم الرغبة الأمريكية الراهنة في فتح جبهة قتال جديدة في الشرق الأوسط وفقا لاستراتيجية “الاستدارة شرقا” أو “استراتيجية محور أسيا” تلك التي تقضي بانسحاب القوات الأمريكية تدريجيا من الشرق الأوسط والتوجه إلى إقليم جنوب شرقي أسيا؛ لمواجهة النفوذ الصيني المتعاظم في تينك المنطقة.

يعزز هذا السيناريو اتجاه في بعض الدوائر الإيرانية مفاده أن الرئيس دونالد ترامب تلقى تقديرا للموقف من قبل الجهات الأمريكية نصح بعدم خوض أية معركة مع إيران، وهو الأمر نفسه الذي تحدث عنه الجنرال قاسم سليماني، قائد قوات نخبة “فيلق القدس” الذراع العسكرية الخارجية للحرس الثوري.

ورجح قاسم سليماني هذا السيناريو من خلال تدوينة له عبر حسابه على موقع التغريدات المصغرة “تويتر” يوم السبت 4 مايو الجاري، إذ نشر أن وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA أبلغت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بضرورة عدم الاشتباك مع إيران حتى لو كان اشتباكا جزئيا. ونصح بأنه على إيران “أن لا تضخم قوة العدو دون معرفة حقيقة قدراته.

العدو يتحدث عن ضرورة عدم الدخول في اشتباك مع إيران في الظروف الراهنة. يقولون إن أي اشتباك يمكن أن يتحول إلى حرب لا تعرف نهايتها، وستهدد مصالح الولايات المتحدة وهي حقائق وليست استنتاجات”.

السيناريو الثاني: لجوء إيران إلى سياسة ضبط النفس

يبني هذا السيناريو افتراضه للمرحلة المقبلة من الصراع السياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران على عدم إقدام طهران على أي خطوة تصعيدية تحقق الهدف الاستراتيجي الأكبر لواشنطن من العقوبات الأمريكية وهو استفزاز طهران للقيام بأحد خطأين استراتيجيين وهما:

أولا: إعادة تشغيل ـ ولو جزئيا ـ البرنامج النووي.

ثانيا: إغلاق مضيق هرمز.

وتتمحور فكرة الصراع الإيراني مع أمريكا على أن إدارة الرئيس ترامب تريد من خلال هذه العقوبات ليس إضعاف إيران اقتصاديا فحسب؛ بل تفكيك اللحمة الوطنية الداخلية من خلال إيصال النخب السياسية والمجتمعية إلى حالة من حالات عدم التوافق بشأن الخيارات الاستراتيجية لمواجهة أمريكا.

لذلك تحدث الرئیس الإيراني حسن روحاني في خطاب ألقاه بمناسبة “العيد المئوي للمعلمين والمدرسي” يوم السبت 4 مايو الجاري عن أنه “لیس أمامنا خیار غیر الوحدة والتلاحم والتكاتف وأن حربنا الیوم مع الولایات المتحدة الأمريكیة هی حرب الآمال وأنهم یریدون نزع الأمل والرجاء بالنسبة لنا ولابد أن نواجه هذا القرار الأمريكي، وسنصبح منتصرین فی نهایة المطاف فی حرب الآمال”.

وتلجأ إيران إلى هذا السلوك لإدراكها أن هناك عددا من الأطراف الإقليمية تريد تسخين الأجواء بين أمريكا وإيران ذلك أنه وقت توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة “الاتفاق النووي” في 14 يوليو من العام 2015 كانت دول مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية من المناهضين له وأن هذه الدول هي المستفيد الأكبر من أي تصعيد عسكري مع أمريكا.

واتضح هذا الإدراك في خطاب روحاني الذي قال فيه: “حصلنا علی اتفاق مع الأسرة الدولیة علی أساس المنطق والعقلانیة خلال مئة یوم من مهام الحكومة الحادیة عشرة. ولم یسمح الكیان الصهیوني والمملكة العربیة السعودیة أن یصبح الاتفاق النووی المبرم دائما”.

بمتابعة الصحف الإيرانية الرسمية الصادرة صباح الأحد 5 مايو الجاري يتضح أن هذا هو التوجه الرسمي للدولة، فصحيفة مثل “جمهوري إسلامي” المحافظة المقربة من مكتب المرشد (كان المرشد الحالي علي خامنئي هو أول مدير تحرير للصحيفة في مارس 1979) أبرزت ما قاله روحاني في هذا الصدد من حيث إن الهدف بعيد المدى من عقوبات الولایات المتحدة الأمريكیة هو إضعاف البنية الداخلية واستفزاز إيران، وهو ما يقتضي تفويت الفرصة على واشنطن في هذا الصدد.

من خلال هذا الإدراك يمكن التوصل ـ بيسر ـ إلى أن الإدارة الإيرانية درست بمزيد من الاهتمام ورقة السياسات التي نشرها مستشار الأمن القومي الأمريكي (الحالي) جون بولتون في مجلة “ناشيونال ريفيو” National Review يوم 28 أغسطس 2017، والتي حملت عنوان How to Get Out of the Iran Nuclear Deal أو “كيفية الخروج من الاتفاق النووي، والتي تطبق بحذافيرها الآن من جانب إدارة الرئيس ترامب وتتمحور حول ضرورة دفع إيران خارج الاتفاق النووي والقيام بالعقوبات لبذر الخلاف الداخلي لدى النخب الحاكمة.

لذلك تعرف إيران تمام المعرفة أن ضبط النفس في تطوير الصراع من حيز السياسة إلى حيز العسكرتاريا يجب أن يقترن بالتحلام الوطني، لذلك قال روحاني نصا: “إن هدف أمريكا بث الخلاف والنزاع والانقسام فی البلاد بهدف إضعاف الجمهوریة الاسلامیة الإیرانیة ومن المؤسف أن البعض لا یثقون بأننا فی حالة من الحرب السیاسیة والاقتصادیة والنفسیة مع أمريکا ویجب أن یصل الجمیع إلی هذا المعتقد”.

السيناريو الثالث: قيام إيران بضربة استباقية محدودة ضد أمريكا

يبجث هذا السيناريو إمكانية تفكير قادة الأفرع الرئيسة في مؤسسة الحرس الثوري في تنفيذ عملية عسكرية محدودة ضد أي من المصالح الأمريكية في المنطقة وخاصة القوات والقواعد المنتشرة على الضفة الغربية للخليج بهدف إعطاء مسوغ للبنتاجون للضغط على البيت الأبيض والبدء العملي في الانسحاب من المنطقة برمتها.

هذا السيناريو تتداوله بعض الأوساط الفكرية في مجتمع تحليل السياسات بالولايات المتحدة الأمريكية (مايكل آيزنشتات نموذجا) على أساس أن عملية عسكرية محدودة ضد أمريكا هي إحدى أفضليات وخيارات بعض أفراد الحرس الثوري، بحيث يُرى أن أنسب حل للرد على سياسة العقوبات الأمريكية المتصاعدة هو رد الضربة للولايات المتحدة على طريقة الخبرة الثمانينية والتسعينية.

ففي العام 1983 دعمت الإدارة الإيرانية هجوما مسلحا على ثكنة مشاة البحرية الأمريكية في بيروت وجددت الأمر نفسه في العام 1996 حين قامت بتفجير أبراج الخبر في المملكة العربية السعودية، وحاولت عرقلة بعض القطع البحرية الأمريكية في مياة الخليج في أغسطس 1987.

ويرى عدد من العسكريين الإيرانيين أن الرئيس دونالد ترامب يبحث عن سبب لسحب الولايات المتحدة من المنطقة، ويعتبرون أن كل كلامه عن مواجهة إيران بالطرق العسكرية ما هو إلا مخاتلة؛ لذلك فإن عليهم مساعدته على تنفيذ هذا الخداع من خلال تلك العملية العسكرية التي ستحقق أكثر من غرض استراتيجي في آن واحد معا:

أولا: حفظ ماء الوجه السياسي أمام الرأي العام الداخلي.

ثانيا: إقناع حلفاء إيران وشركائها وأذرعها في الإقليم بقدرتها على السبق والمبادأة.

ثالثا: منح الولايات المتحدة المسوغات التي تحتاجها لمغادرة المنطقة بالكلية.

ويمكن قراءة هذا التوجه من خلال ما يتردد على ألسنة القادة العسكريين الذين يستشعرون قيام أمريكا بضربة عسكرية، وأنه بدلا من الانتظار في موقف رد الفعل عليهم القيام بالفعل العسكري نفسه.

على سبيل المثال قال القائد العام للجيش الإيراني، اللواء عبد الرحيم موسوي، إن إيران تواجه تهديدات عسكرية “جدية”.

ودعا جميع القوات المسلحة في إيران إلى التأهب للحرب والاستعداد لأي هجوم ليلي. وأضاف في كلمة ألقاها يوم الأربعاء 1 مايو الجاري خلال الاجتماع الـ12 لقادة الوحدات الأساسية والمستقلة للقوة البرية التابعة للجيش: “على جميع قواتنا ووحداتنا أن تكون في أقصى حالات الجاهزية وكأنها تعيش ليلة الهجوم، وأن تتمرن دوما على لعبة الحرب”.

وهو الأمر نفسه الذي لفت إليه الرئيس السابق لهيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية الإيرانية، وثيق الصلة بقادة الحرس الثوري، محمد سرفراز (استقال من نصبه على خلفية فضيحة جنسية) الذي توقع أن “تشن الولايات المتحدة هجوما عسكريا على إيران بعد شهر رمضان”.

السيناريو الرابع: الاكتفاء بتحويل الصراع من السياسة إلى الدين

يعتبر هذا السيناريو أن الجمهورية الإسلامية لن تقدم على أي عمل تصعيدي تجاه الولايات المتحدة، على أن تكتفي فقط برأب الصدع الداخلي الآخذ في التفاقم على خلفية الانقسامات البنيوية الحادة بين أطراف صنع القرار في البلاد متخذة في سبيل ذلك طريقتها التقليدية وهي:

أولا: صبغ الصراع مع أمريكا بغطاء ديني

اتضح على نحو شديد الجلاء بدء إيران في تنفيذ هذا الغرض الاستراتيجي من خلال خطبة الجمعة التي ألقاها خطيب جمعة طهران المؤقت، آية الله سيد أحمد خاتمي، إذ قال نصا: “إن أمريكا في طليعة الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان، وإن مشكلتها الرئيسة مع إيران، أيديولوجية ودينية”.

وهو ما يعني أن المرشد الأعلى للبلاد علي خامنئي يريد القول إنه على الأمة الإيرانية بكل تشكيلاتها وبما إن سوادها الكاسح من المسلمين؛ الالتفاف حول قيادتهم السياسية التي تقف بالمرصاد لمحاولات النيل من الإسلام الذي تتبناه الدولة في نظام الحكم.

ويعنى لقب خطيب الجمعة المؤقت، أنه خطيب غير دائم، أى أن آية الله العظمى المرشد الأعلى، على خامنئى، يعين خطيبا جديدا كل أسبوع، ولا يثبت خطيبا واحدا، ولذلك يعد من يخطب الجمعة إماما مؤقتا بديلا عن الإمام على خامنئي، لمدة خطبة واحدة فقط، وفقا لنظرية ولاية الفقيه التي يقوم عليها النظام الإيراني الحالي.

ونظرا إلى أهمية خطبة جمعة طهران في النظام السياسي الإيراني الراهن من حيث أنها مناسبة أسبوعية للحشد التوجيهي المعنوي فإنها حدثا مهما لا يمكن تفويته ولا تجاوزه لمعرفة ما يريد خامنئي قوله؛ لأن خطيب الجمعة الذى ينوب عن المرشد الأعلى للبلاد، يحمل رسائل الولى الفقيه إلى جهات متعددة، وعليه تعتبر تلك الخطبة بمثابة صندوق رسائل بريدية إلى الداخل والخارج معا.

في المجمل ستكون هذه الاستراتيجية مفيدة للغاية لإيران حال نشوب نزاع عسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية لأن التعبة الدينية أثبتت نجاحا كبيرا في عدد من المراحلة التاريخية المهمة وعلى رأسها الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980ـ1988) وقت أن كان الشبان يقاتلون الجبيش العراقي على الحدود “نصرة للإمام الحسين”، وفقا لتوجيهات مرشد الثورة ـ وقتها ـ آية الله روح الله الموسوي الخميني.

ثانيا: إقناع الرأي العام الداخلي أن العقوبات تستهدف النيل من “العزة القومية

بتحليل الخطاب السياسي للمسؤولين الإيرانيين في الأسابيع الأخيرة يلاحظ أن هناك تركيزا كبيرا على إرسالة رسالة مفادها “أن العقوبات الأمريكية تستهدف إذلال وتركيع الأمة الإيرانية العظيمة” ولذلك يتحدث كل المسؤولين إلى الشعب بوصفه “الأمة صاحبة التاريخ العريق الذي يجهله ترامب”.

ففي لقائه بالعمال يوم 24 إبريل الماضي تحدث المرشد آية الله علي خامنئي عن هذا الأمر بصيغة أخرى وهي أن خطر الولايات المتحدة الأمريكية يكمن في “تغيير المفاهيم الثقافية التاريخية للأمة الفارسية العظيمة”، من خلال التأثير الثقافي التدريجي، وأن “هذه العقوبات إحدى صور هذا النمط من التعامل الغربي مع إيران”.

ونظرا إلى هذه الرؤية اتخذ خامنئي عددا من الخطوات لمجابهة هذا التأثير من خلال حظر أغلب مواقع التواصل الاجتماعية بدءا من العام 2009 وحظر تعليم اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية و ـ في وقت سابق ـ تجريم استخدام أطباق التقاط القنوات الفضائية المثبتة أعلى أسطح المنازل.

هذا التوجه عبر عنه بصراحة رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) علي لاريجاي يوم الأحد 5 مايو الجاري فی الجلسة العلنیة للمجلس بقوله “إن الآراء غیر المنطقیة للمسؤولین الأمریكیین لا انتهاء لها، وبدلا من صنع السیاسة یقومون بالحرب النفسیة، من خلال صنع مغامرات متتالیة، فإنهم یحاولون إثارة إخلال علي الساحة الدولیة، بعد الإجراءات غیر القانونیة ضد حرس الثورة الإسلامیة، فإنهم اتخذوا خطوة أخري وأمروا بتصفیر النفط الإیرانی والتی لا تتحقق، ویطلقون تصریحات غیر مدروسة أخرى حول التعاون النووي بین الدول في إطار الاتفاق النووي، بما فی ذلك شراء الماء الثقیل أو المواد المخصبة أو بیع المواد الخام، إنها أمثلة علي اضطراباتهم الفكریة تجاه الأمة”.

ويستهدف النظام الإيراني من خلال تلك السياسات صف أكبر قدر من النخب والمواطنين خلف السياسات المناوئة للولايات المتحدة الأمريكية، مع علمه ـ تمام العلم ـ أن أساس الصراع مع أمريكا يتركز حول النفوذ السياسي لطهران في الإقليم وليس في أي أمر ديني أو ثقافي آخر، وللتدليل على ذلك يمكن الرجوع إلى قائمة المطالب الإثنى عشر التي توجه بها وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو إلى النظام الإيراني وملاحظة أن 9 منها (أي بمعدل 75 بالمئة) تطالب إيران بالحد من سلوكها “المزعزع للاستقرار في الإقليم”.

 

* رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسيات الإيرانية