Ana içeriğe atla

رهانات الكتابة الروائية

لوحة فنية
AvaToday caption
يقولُ ماريو بارغا يوسا لا تفترضُ مسبقاً أي شيءٍ لأن إستخدام الروائي وعملية تحويل تلك الموضوعات إلى واقع من كلمات مُنظمة وفق ترتيب مُعين عاملُ أساسي لإستساغة الموضوع أو عدم إستساغته في النص الروائي
posted onFebruary 20, 2019
noyorum

يشهدُ الفضاءُ الثقافي اهتماماً متزايداً بفن الرواية على جميع المستويات، ودعمت عدة عواملُ هذا المدَ الروائي، إذ أعلنت خلال السنوات الأخيرة عن الجوائز المرصودة للأعمال الروائية ما دفع بهذا الجنس الأدبي إلى الواجهةِ وأصبحتْ الأسبقية في دور النشر لطباعة وإصدار المؤلفات التي تُدَمَغُ بالعلامة التجنسية الأثيرة لدى المُتابعين والقُراءِ، أزيدُ من ذلك فإنَّ الإحتفاء بالرواية قد غدا رغبة عددٍ من الأُدباء الذين عرفهمُ الوسط الأدبي بوصفهم شعراءً لمواكبة هذا التطور وبدءوا بكتابة الرواية كأنَّ ما أنجزوه سابقاً في الشعر أو في أى مجال آخر لا يصلح للمرحلة التي طغت عليها الروايةُ ولا يضعهم على منصة النجومية.

الجدل

بالطبع تتباينُ الآراء بشأنِ هذا التسابق والإقبال على تسجيل الأسماء في ديوان السرد. إذ يفسرُ البعض الأمر وفقاً لطبيعة العصر، فإنَّ الرواية فنُ يلبي نهم الإستهلاك لدى القاريء الذي ينساق وراء إعلانات وحملات الترويج المكثفة على شاشات التفلزة وفي منصات التواصل الإجتماعي.

ويقاربُ الكاتبُ والروائي التونسي كمال الرياحي هذه الظاهرة في مقدمة كتابه المعنون بـ "فن الرواية" من المنطلق النفسي فيري صاحب "الغوريلا" أنَّ الرواية تلعبُ دوراً تعويضياً بالنسبة للفرد العربي الذي يعاني من واقع مُحبط ويحلينا في سياق تحليله إلى رأي الكاتب البريطاني كولون ويلسن، فالأخير يري بأنَّ صنعة الرواية "واحدة من أكبر التعويضات الممتعة التي إستطاع الإنسان أن يبتكرها".

وثمة من يعزو تَصَدُرَ الرواية للمشهد الثقافي إلى ما يجدهُ الفردُ في هذا العالم المُتخيل من العزاء، كما لا تمانع فئة من المُتابعين إختيار بعض العناوين الروائية بإعتبارها وصفة للأزمات النفسية.

وسبق لمارسيل بروست أن راودتهُ هذه الفكرة حيثُ أراد مُحاكاة والده الطبيب ومُعالجة المرضي بالسرد الروائي بدلاً من العقاقير، وتلتفتُ الكاتبة والروائية لطفية الدليمي في مقدمتها لـ "تطور الرواية الحديثة" الذي ترجمته صاحبةُ "سيدات زحل" إلى هذا الجانب البراغماتي للرواية التي توفرُ علاجاً وافيا للإضطرابات الذهنية إذ تفوق فوائدها على ما جنيه المريضُ من عقار (بروزاك (prozac كما تذكرُ عنصراً آخر برأيها يكسبُ الأفضلية للرواية، وهو الطابع الخُلاصي لهذا اللون الأدبي الذي يوازي الوعد الخلاصي الذي تبشرُ به النظمُ اللاهوتية. وتكمنُ أهمية الرواية لدي هيرمان بروخ في تقصي روح الواقع.

خيارات المبدع

بالإستناد إلى ما ذكرَ آنفاً نتفهمُ بأنَّ الجدل حول خصائص فن الرواية قد احتدمَ مع تشعب ثيماتهِ وتنوع أساليبه التعبيرية، ولكن ماذا عن هيكلية الرواية والخيارات المُتاحة في محترفِ صناعتها والصيغِ المتوفرة لترتيب المادة كون الموضوعات كما يقولُ ماريو بارغا يوسا لا تفترضُ مسبقاً أي شيءٍ لأن إستخدام الروائي وعملية تحويل تلك الموضوعات إلى واقع من كلمات مُنظمة وفق ترتيب مُعين عاملُ أساسي لإستساغة الموضوع أو عدم إستساغته في النص الروائي. طبعا أنَّ المادة الإبداعية بصيغتها الأخيرة التي يستقبلها المُتَلَقي هي نتيجة لعملية مُضنية من المراجعة وإعادة الترتيب إلى أن يقتنعَ صاحبها بالشكلِ الذي تتخذه بعد التشذيب.

إن رواية "الشيخ والبحر" كانت أكثر من ألف صفحةٍ كما يذكرُ كاتبها إرنست همنغواي، وتضمنت جميع شخصيات القرية وتفاصيل عن نمط المعيشة قبل إستبعاد كل ما لا يُضيفُ إلى  تشكيلة الرواية، ولا يخدمُ خصوصية خطابها، كما يشيرُ صاحب "لا تزالُ تشرقُ الشمس" في حواره مع مجلة "باريس ريفيو" إلى إعادة كتابة الصفحة الأخيرة من رواية "وداعا للسلاح" تسعا وثلاثين مرةً.

وهذا يعني أن النص الروائي يتطلبُ معاينة كل أجزائه وتفصيل قُماشته وفقاً لبرنامج مُحكم لذلك فإنَّ عدداً من المبدعين يؤكدون على أهمية الإنضباط والعمل الدؤوب إلى جانب دور الموهية في كتابة الرواية. ويرفضُ وليام فوكنر وجود وصفة معينة تمكنُ المرءَ على كتابة النصوص الإبداعية. يعترفُ مؤلف "راتب الجندي" بأنَّه قد كتبَ رائعته "الصخب والعنف" خمس مرات، أما ما يستهوى ماريو بارغاس يوسا ليس الكتابة بقدر ما يستمتعُ بإعادة الكتابة والتصحيح، والحذف.

مزاج القاريء

هنا ما يجدرُ بالإشارة حول خيارات كتابة النص الروائي هو رأي الكاتب النمساوي ستيفان زفايغ، من المعلوم بأنَّ صاحب "السر الحارق" من الكتاب الذين نحتوا أسلوباً خاصاً لذا ما أن يتابعُ القاريءُ أحد أعماله حتى يتآلف مع عالمه الروائي ويستآنس بلغته وحبكاته المشوقة.

يُذكرُ أنَّ زفايغ كان من أكثر المؤلفين ترجمة في العالم وحولت معظم رواياته إلى أفلام سينمائية. وتتميزُ نصوص صاحب "الخوف" بالإنسيابية والسلاسة في الإنتقال بين الوحدات وتنظيمها على خط متماسك ويتحاشي المؤلف الحشو والإطناب في مواده الإبداعية.

يقدمُ ستيفان زفايغ في مذكراته "عالم الأمس" رؤيته حول تقنيات كتابة الرواية، موضحاً السر وراء فرادة الصياغة ورشاقة الأُسلوب. يعتبر ستيفان زفايغ بأنه مدين بنجاح كتبه لصفة في شخصيته وهي عدم تحمله لقراءة كل زيادة في النص، ولا تعجبه الزخارف في التعبير وما يُعيقُ نمو الرواية أو السيرة أو المناقشة الفكرية. فبالتالي فهو يكتبُ بمزاج القاريء الذي يرهقه ما يصفه صاحبُ "رسالة من مجهولة" بالصفحات الرملية.

عليه فإنَّ روايات ستيفان زفايغ تستمدُ خصوصيتها من "المنهج المنتظم للحذف المطرد لكل التوقفات والإستهلالات الزائدة عن الحاجة" ولا يصعبُ عليه الإستغناء عن ثمانمئة صفحة من أصل ألف صفحة مخطوطة على حد قوله. وهذا ما يذكرنا بكلام غوستاف فلوبير بأن "سلة المهملات أفضل أصدقاء الكاتب".

على ضوء هذه الآراء السالفة الذكر يتبينُ بأنَّ تأثيث العالم الروائي ورسم طريقة مميزة في الكتابة يفرضُ إدراك المؤلفِ لحساسية المُتلقي، هذا إضافة إلى تبصره بما يحافظُ على ترابط أجزاء نصه وحذفَ ما يُثَقِله من الإسترجاعات والإسهاب في الوصف والتكرار ونحنُ نقولُ ذلك نتذكرُ ما تتبعه الروائية الفرنسية مارغريت دوراس، لاسيما في عملها المعنون "العاشرة والنصف ليلا في الصيف" إذ نادرا ما توظفُ الكاتبةُ تقنية الإسترجاع، كذلك بالنسبة للكاتب الإيطالي تشيرزه بافيزه.

في روايته "الصيف" يتابع القاريء آنية زمن السرد، قبل نهاية المقال نعود من جديد إلى ستيفان زفايغ فالأخير قد اقترح على الناشرين نشر سلسلة كاملة من روائع الأدب العالمي بدءاً بهوميروس  مرورا ببلزاك ودستويفسكي حتى "الجبل السحري" مع حذف تام لكل ما هو زائد فيها.

هنا يحقُ التعقيب على رأي زفايغ بسؤالٍ عن الروايات المُنتفخة أو البدينة التي لا تخرج عن ثميات مُستهلكة، وترى في صفحاتها مشاهد متكررة كيف يمكن إقناع أصحابها بأنَّ الإختصار هو وجه آخر للإبداع، وأن الروايات المبنية على الإيجاز أصعب من كتابة الرواية الطويلة على حد قول الناقد المغربي سعيد يقطين.