وصفت صحيفة “إكسبريس” البريطانية ردّ الفعل الإيراني “الأهوج والمرتبك” على “خطاب حالة الاتحاد” الذي ألقاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في وقت سابق من الأسبوع الحالي، بأنه ردّ يعكس تنامي حالة القنوط، كما عبّر عنه وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، وهو يقرأ درجة الإصرار الأمريكي على تفكيك الهياكل الاقتصادية الإيرانية التي يعرف الجميع أنها متداعية أساسًا.
ولم تكن “الإكسبريس” وحدها التي التقطت نبرة اليأس في الخطاب الإيراني، حيث ترادفت خلال الأيام القليلة الماضية تقارير ميدانية من داخل إيران، سجّلت حالات السلب والنهب، وسط شواهد عن تفكك مؤسسي في آليات عمل المصارف وشركات الصناعة والتعدين، وارتفاع موجع في الغلاء ومعدلات التضخم والبطالة، واستنزاف في الموارد المخصصة جُلّها للميليشيات المكرسّة لاختراق أمن دول الشرق الأوسط.
كان ملفتًا في هذا الرصد الإعلامي للتفكك المتواصل في الاقتصاد الإيراني، طوال السنوات الأربعين الماضية التي خضعت فيها إيران لارتهان حكم الملالي، أن الميزانية العامة للدولة وصلت القاع، وأن ميزانية العام القادم ستكون أكثر الميزانيات تقلصًا.
التقارير الأخيرة التي رصدّت لهجة اليأس المستجدّة في الخطاب الإيراني، كان تقديرها أن قوائم المقاطعة الدولية وتعزيز العمل المشترك لكسر برنامج الملالي، بدأت تعطي نتائجها مع نظام وظّف اقتصاده طوال أربعة عقود من أجل القمع والإرهاب، وأن ساعة الحقيقة بدأت تدق بصوت مرتفع.
فنظام ولاية الفقيه الذي مرت عليه فترة أسمى فيها نفسه بأنه “عهد الإعمار”، أعطى أولويته الأولى والأخيرة للحفاظ على “أمن النظام” والحكومة التابعة للولي الفقيه. وبدلًا من الاهتمام بالدخل والعمل والاستثمار في مجالات الصحة والتعليم والبيئة والنقل والصناعة والزراعة، ركز “أمن النظام وميزانيته” على قضايا تستنزف ثروات الشعب الإيراني وتُوسّع هوامش الفقر والبطالة.
وفي هذا النهج، كما يقول تقرير بموقع مجاهدي خلق، فإن أولويات نظام الملالي طوال العقود الأربعة الماضية، كانت لتصدير الإرهاب تحت شعار الثورة، وتصنيع الوكلاء والعملاء في البلدان الأخرى وإثارة الحروب في دول الأقليم، مع استعراض باهظ التكاليف في الطموحات النووية والأسلحة الصاروخية.
ففي لائحة العام 2018 وصلت ميزانية بعض القوى القمعية إلى 20% من الميزانية العامة، ليعود المرشد العام خامنئي ليأمر برفعها وتخصيص 2.5 مليار دولار من صندوق التطوير بـ “القوة الدفاعية”.
وأظهرت أرقام التقرير أن عدد الإيرانيين تحت خط الفقر ارتفع إلى 56 مليون شخص، بعد أم انخفض خط الفقر إلى ما تحت 6 ملايين تومان (نحو 600 دولار) الذي هو راتب الاستاذ الجامعي. ما يعني أن الاستاذ الجامعي الإيراني أضحى الآن مشمولًا تحت خط الفقر، مثله في ذلك 70% من العمال الإيرانيين. وفي اليوميات المعاشية الإيرانية فإن الراتب الشهري للعامل ما عاد يكفيه إلا لعشرة أيام.
وفي بيئة القهر والتغييب الإعلامي، كما يقول التقرير، فقد قرر نظام الملالي منذ نهايات 2018 التوقف عن نشر أرقام التضخم والغلاء بعد أن حطمت الأرقام القياسية.
وكانت صحيفة فوربس الاقتصادية الأمريكية نقلت عن ستيف هانك استاذ الاقتصادي التطبيقي في جامعة جون هوبكنز، أن معدل التضخم في إيران وصل 77%، في إشارة إلى أن حالة الفوضى والتفكك الاقتصادي التي دامت 40 عامًا، تنتقل الآن إلى مرحلة التداعي والانهيار، كما قالت فوربس.
ومن علائم الانتقال من التفكك إلى الانهيار، فقد سجل التقرير على موقع مجاهدي خلق أن القوة الشرائية للعمال انخفضت بنسبة 48% في الأشهر الستة الماضية، وأن هذا التراجع في القوة الشرائية للمداخيل، والذي بلغ 19.5% خلال 2018، أوصل الطبقة العاملة حدّ الفاقة (حسب تقرير لوكالة تسنيم الإيرانية في 26 تموز 2018). وفي ذلك تفسير للسلسلة غير المنقطعة من تظاهرات الاحتجاج الشعبية التي لم تعد تستثني مدينة أو قرية في إيران، يقودها شباب تصل نسبة البطالة بينهم قرابة 30%، وليس بين أيديهم ما يشير إلى تحسن الوضه العام لنظام يخضع الآن لحصار لا يبدو له ضوء في آخر النفق.