لا يزال تنظيم داعش يشكل تهديدا حقيقيا مع تصاعد هجماته في العراق وسوريا على الرغم من فقدانه القدرة على السيطرة على أراض شاسعة كما حصل في عام 2014، وفقا لتقرير لصحيفة "نيويورك تايمز".
تقول الصحيفة إن "معركة سجن الحسكة تسببت بمقتل مئات الأشخاص وأجبرت القوات الأميركية على التدخل، وقدمت تذكيرا صارخا بأنه بعد ثلاث سنوات من انهيار ما يسمى خلافة داعش، لا تزال قدرة التنظيم على خلق العنف والفوضى مستمرة".
في العراق، تشير الصحيفة إلى أن التنظيم قتل مؤخرا 10 جنود وضابط في موقع عسكري تابع للجيش وقبلها قطع رأس ضابط شرطة أمام الكاميرا.
وقبل ذلك شهدت مناطق في سوريا عمليات اغتيال طالت عشرات القادة المحليين وحالات ابتزاز لشركات نفذها التنظيم لتمويل عملياته.
ويتابع تقرير الصحيفة الأميركية أن تنظيم داعش، ليس قويا كما كان في السابق، لكن الخبراء يقولون إنه بمرور الوقت سيتوسع مع توفر الظروف الملائمة لذلك في البلدان غير المستقرة التي ينشط بها.
يقول الأستاذ المشارك في الكلية الحربية البحرية الأميركية كريغ وايتسايد: "إنها حقا مسألة وقت قبل أن تسنح الفرصة مرة أخرى لداعش للعودة مجددا".
ويضيف أن "قدرة التنظيم على حشد عشرات المقاتلين واقتحام سجن تديره قوات مدعومة من الولايات المتحدة في ظل معلومات عن احتمال استهدافه، يعد إنجازا بالنسبة لداعش".
وتنقل الصحيفة عن مسؤول أميركي كبير، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن "الهدف المحتمل للعملية هو تحرير بعض القادة والمقاتلين الكبار أو العناصر من ذوي المهارات المحددة، مثل صنع القنابل"، مرجحا "هروب نحو 200 سجين" من جراء الهجوم على سجن الحسكة.
لم يؤكد المسؤولون في قوات سوريا الديمقراطية هذا الرقم لكنهم بينوا للصحيفة أنهم لا يزالون يقيمون آثار الهجوم.
قبل مهاجمته لسجن الحسكة، كان تنظيم داعش في سوريا يعمل بشكل أساسي في مناطق شرق البلاد ذات الكثافة السكانية المنخفضة، حيث لجأ مقاتلوه إلى الصحراء للتخطيط لهجمات على الحكومة السورية والقوات التي يقودها الكورد، وفقا لمحللين وسكان محليين.
خلال الفترة بين عامي 2018 و2021، صعد التنظيم من عمليات الاغتيال التي طالت زعماء محليين وشخصيات عشائرية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص، وفقا لدراسة أجرتها شبكة ناشطين محليين في دير الزور.
وفي الآونة الأخيرة، نفذ التنظيم عمليات ابتزاز ضد شركات محلية من أجل الحصول على المال، وكذلك نشر منشورات ضد قوات سوريا الديمقراطية.
أسباب عودة داعش
كما نفذ التنظيم سلسلة من الهجمات على نقاط تفتيش معزولة تسببت في التخلي عن بعضها، على حد قول دارين خليفة، المحللة السورية البارزة في مجموعة الأزمات الدولية.
تقول خليفة إن "الوضع أصبح أكثر سوءا في عام 2021، ليس بسبب كثرة الهجمات على نقاط التفتيش، ولكن لأن تلك الهجمات جعلت قوات الأمن خائفة من إقامة نقاط تفتيش".
وأضافت أن "عوامل أخرى ساهمت في استمرار تنظيم داعش، ومنها أن قوات سوريا الديمقراطية كانت تجد صعوبة في كسب ثقة السكان المحليين في المناطق ذات الغالبية العربية الساحقة".
ويضاف لذلك، وفقا لخليفة، "كثرة الثغرات في المناطق الحدودية والفقر المدقع الذي يسهل على التنظيم تهريب الأسلحة والأشخاص".
وتواصل قوات سوريا الديمقراطية عملية تمشيط أقسام السجن وتفتيشها، بحثا عن عناصر متوارية من التنظيم المتطرف، بعد يومين من إعلانها استعادة "السيطرة الكاملة" على سجن الصناعة في مدينة الحسكة، منهية اشتباكات بدأت في العشرين من الشهر الحالي بهجوم منسّق على السجن شنه مقاتلون من التنظيم من الخارج وسجناء من الداخل.
وأفاد المرصد السوري عن عثور القوات العسكرية خلال عمليات التمشيط داخل أبنية السجن على جثث 18 عنصرا ممن قتلهم عناصر التنظيم. كما أحصى مقتل سبعة من عناصر التنظيم جراء ضربة صاروخية شنتها ليلا طائرة تابعة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن على موقع في محيط السجن.
بذلك، ترتفع حصيلة القتلى داخل السجن وخارجه منذ بدء الهجوم قبل ثمانية أيام إلى 260 قتيلا، 180 منهم من التنظيم المتطرف مقابل 73 من قوات الأمن الكوردية وقوات سوريا الديموقراطية، إضافة إلى سبعة مدنيين، وفق آخر بيانات المرصد، الذي يرجح ارتفاع الحصيلة النهائية مع وجود جثث ومفقودين وعشرات الجرحى في حالات خطرة.
وشكّل هذا الهجوم "أكبر وأعنف" عملية للتنظيم منذ خسارته كل مناطق سيطرته في سوريا قبل نحو ثلاث سنوات في مواجهة قوات سوريا الديموقراطية التي يشكل الكورد عمودها الفقري.
ورغم إعلان قوات سوريا الديمقراطية، الأربعاء، استعادة السيطرة على السجن، وأن نحو 3500 من المهاجمين والسجناء التابعين للتنظيم استسلموا لها، إلا أن العشرات من مقاتلي التنظيم ما زالوا يتحصنون، وفق المرصد، داخل أقبية "يصعب استهدافها جوا أو اقتحامها برا".
وخارج السجن، تواصل قوات سوريا الديموقراطية عمليات تفتيش وتمشيط ضمن أحياء عدة بحثا عن خلايا تابعة للتنظيم.
ودفعت الاشتباكات نحو 45 ألف شخص إلى الفرار من منازلهم في مدينة الحسكة، وفق الأمم المتحدة، ولجأ عدد كبير منهم إلى منازل أقربائهم، بينما وجد المئات ملجأ لهم في مساجد وصالات أفراح في المدينة.