Ana içeriğe atla

الشروط الاستراتيجية الحقيقية لإيران

رئيسي - بايدن
AvaToday caption
توقفت عمليات التحويل بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق، وجُمدت التحويلات، وصُعدت العقوبات، وصولاً إلى الصدام المباشر أحياناً. فانقطعت السيولة عن إيران، واهتزت الدولة تحت وطأة احتجاجات خريف 2019
posted onDecember 15, 2021
noyorum

وليد فارس

انكب المعلقون والمحللون والمراقبون لأسابيع مع عودة المفاوضات في فيينا، على استنباط ما يمكن أن تكون الشروط الإيرانية الحقيقية للعودة إلى الحوار مع الولايات المتحدة على طريق إعادة العمل بالاتفاق النووي (JCPOA) بعد انسحاب إدارة ترامب منه في 2018. فتوزعت التحليلات والاستنتاجات بكل اتجاه، باحثةً عن أسباب، ومناورات، وضغوط. عن مراحل زمنية، وأرقام مالية، وآليات مراقبة، وما هو على الطاولة وما هو تحت الطاولة. كل ذلك لمعرفة ما يريده النظام الإيراني من واشنطن قبل أن يعود إلى الاتفاق.

مما كتبنا سابقاً ومنذ سنوات، وكتب غيرنا أيضاً، باتت الأهداف الإيرانية المباشرة تقريباً معروفة. فأول ما تبغيه طهران هو رفع العقوبات، كل العقوبات على السلطة، مؤسسات وأفراد، منظمات وميليشيات. هذا بحد ذاته يسمح لمؤسسات النظام أن تحصل على مداخيل لتثبت سلطتها على المجتمع من جديد. هذا الشرط الأول والعلني الذي لا اتفاق من دونه.

الشرط العلني الثاني هو فك الحجز عن الأموال الإيرانية المجمدة عالمياً، وإعطاء الأوامر للحكومات والوزارات والمصارف بتحويلها إلى الحكومة الإيرانية. وقد نُفذت هذه المطالب بكثافة. فبطلب من إدارة أوباما، تم تحويل أكثر من 150 مليار دولار كجزء من الاتفاق.

وطلبت واشنطن من عواصم أخرى أن تسهم بتحرير أموال. وتوقفت عمليات التحويل بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق، وجُمدت التحويلات، وصُعدت العقوبات، وصولاً إلى الصدام المباشر أحياناً. فانقطعت السيولة عن إيران، واهتزت الدولة تحت وطأة احتجاجات خريف 2019. واشتد الخناق الاقتصادي والمالي. ومع انطلاقة إدارة بايدن في بداية عام 2021، تغيرت سياسة واشنطن من جديد وبدأ البيت الأبيض يفتح "الحنفيات" المالية، فطلبت من بعض الدول والهيئات الدولية أن تحول مبالغ إلى طهران تحت شعار "المساعدات الإنسانية". وذلك بانتظار عودة الـ "الصفقة الإيرانية" (Iran Deal) بقوة وفتح "الحنفيات" الكبرى لتروي صناديق طهران. وهذا الهدف هو الذي تناور من أجله القيادة لرفع كل العقوبات والحصول على أعلى رقم سيولة ممكن، قبل البدء بالتفاوض على البرنامج النووي. لماذا؟ لأن هناك أهدافاً بنفس الأهمية، وقد تكون ذات أهمية أكبر من العقوبات والتحويلات المالية. إنها الشروط الاستراتيجية الحقيقية لإيران، وهي الشروط التي تتفاوض حولها سراً مع إدارة بايدن كما فعلت مع إدارة أوباما من قبله. فما هذه الشروط؟

لبنان

هنالك تحركات أميركية عدة "لمساعدة لبنان"، إلا أنها لا تتخطى الالتزام بتجهيز الجيش اللبناني وتوفير بعض المساعدات الإنسانية والتربوية. في الجانب الآخر، إيران منخرطة بالعمق وبأكبر حجم ممكن بتسليح وتدريب وتجهيز وتمويل ميليشيا "حزب الله". طهران عملياً، وبواسطة الحزب تسيطر على الأمن القومي في لبنان. واشنطن تريد الحفاظ على صداقاتها التقليدية في بلاد الأرز، ولكنها تتمسك بالستاتيكو القائم منذ "عملية 7 مايو (أيار)" في عام 2008، عندما انقلب "حزب الله" على الحكومة المنتخَبة وفرض سلطته على المؤسسات منذ ذلك الوقت. إدارة أوباما تركت لبنان تحت النفوذ الإيراني بسبب "الاتفاق". إدارة ترامب غردت حول "حزب الله" ولبنان، لكنها لم تصل إلى الفعل. أما إدارة بايدن، فهي عائدة إلى ستاتيسكو أوباما. لذا فالمحادثات الأميركية - الإيرانية غير المرئية تتمحور في ملف لبنان حول ما يمكن الاتفاق عليه. شروط إيران هي عملياً الإبقاء على سلاح الحزب ومكاسبه وسيطرته، في مقابل ألا تفجر حرباً إقليمية جديدة. عملياً أن يبقى لبنان في المحور الإيراني.

سوريا

الشروط الإيرانية بخصوص سوريا شبه معروفة ولا تحتاج إلى أسرار. فطهران تريد تأمين نظام الأسد كجزء من مستقبل سوري، أي أن يبقى النظام قائماً، على أن يُطعّم بعناصر جديدة، وبالطبع أن يكون لإيران شراكة عملية على أرض الواقع. على الرغم من اختلافات معينة مع فريق الأسد والروس، فالعلاقة الاستراتيجية العامة لا تزال قائمة بين طهران ودمشق. وما تبغيه إيران من إدارة بايدن هو أن تكف عن العمل لإسقاط النظام، وتقبل بأمر واقع إيراني في سوريا كما تقبل بأمر واقع روسي وأمر واقع كردي-أقلياتي في شرق سوريا.

إدارة بايدن خففت مطالبتها بإسقاط الأسد، ولكنها تأخذ بعين الاعتبار موقف إسرائيل من الصواريخ الإيرانية. ربما التقاطع الإيراني - الأميركي سيكون حول بقاء النظام في دمشق مع ممر عبر العراق إلى إيران. هذا حتى الانتخابات التشريعية والرئاسية.

العراق

الشروط الإيرانية بالنسبة إلى العراق تعلنها قيادات "الميليشيات" باستمرار، وهي بخلاصتها تطلب انسحاب القوات الأميركية من كامل الأراضي العراقية. إلا أن الهدف الإيراني الأعمق هو إقامة شراكة أقوى مع بغداد بعد الانسحاب، تشمل إقامة منظومة دفاعية بين البلدين. القيادات العسكرية الأميركية غير متحمسة لهكذا تنازل، ولكن القرار هو بيد الإدارة وليس البنتاغون. وبالفعل "سلفت" الإدارة الأميركية إيران إعلاناً بالانسحاب من العراق قبل نهاية 2021. ستبقي واشنطن وجوداً عسكرياً "لتدريب القوات العراقية" وبصفة استشارية لمجابهة "داعش"، وهو أمر لا تعارضه طهران حالياً، حتى إنهاء "الدواعش" كلياً. هكذا تكون طهران استعملت القوة الأميركية بدلاً من طاقتها لمحو عدو مشترك تكفيري، ويوفر ذلك وقتاً وقدرات لدعم الميليشيات الخمينية في العراق.

المعارضة الإيرانية

من الشروط الإيرانية الأساسية غير المرئية في مفاوضات فيينا، أن لا تدعم واشنطن بأي شكل من الأشكال، أياً من فصائل المعارضة الإيرانية، في الداخل والخارج. وقد حدث ذلك خلال رئاسة أوباما، وإبان المفاوضات التي سبقت التوقيع بسنوات. فقد أوقفت الإدارة وقتها المساعدات للمعارضة التي كانت إدارة بوش تنفذها. ولم تدع إدارة أوباما ممثلي المعارضة الإيرانية أو خبراء منتقدين للدور الإيراني للتشاور، بينما استمعت إلى خبراء مؤيدين للنظام، واستقبلت أركان اللوبي الإيراني في البيت الأبيض لسنوات. وقد عكست إدارة ترامب هذه السياسة لأربع سنوات. وفي عامها الأول عادت إدارة بايدن إلى سياسة أوباما فقاطعت المعارضة الإيرانية، "كتسليف" جديد غير علني للطرف الإيراني. ويفسر معسكر الاتفاق النووي أنه من غير المنطقي أن تُظهر الإدارة بأنها تؤيد تغيير النظام، في الوقت الذي تتفاوض فيه على الشراكة في الاتفاق النووي (JCPOA).

إلى أين تذهب الإدارة؟

يقع البيت الأبيض داخل معسكره السياسي، في تقاطع ما بين ضغطين، أو أكثر. هنالك الضغط الآتي من وزارة الدفاع وبعض الأجهزة الاستخبارية التي تفيد الرئيس ونائبته، يحذر من إيران ويقترح التمهل، والتأكد، واختبارات مرحلية مع النظام الإيراني، لا سيما في ما يتعلق بالعراق، وشرق سوريا، والخليج. وهنالك الفريق البيروقراطي داخل الإدارة المولَج بملف المفاوضات، لا سيما مجلس الأمن القومي، وبعض مكاتب الخارجية، وهو يشجع على المضي قدماً بالاتفاق، لأن الوقت يمر بسرعة، ولأن فرص التفاهم الشامل قد تضيع. وهنالك القيادة الحزبية للديمقراطيين، لا سيما في الكونغرس، وهمها الأساس هو كسب الانتخابات في 2022 و 2024. وموقفها سياسي داخلي بامتياز إذ إن زعماءها يضغطون على البيت الأبيض "لحسم الموضوع بطريقة أو بأخرى". فالناخب الأميركي لا يستوعب كثيراً تفاصيل المفاوضات الطويلة والمعقدة. وهو يريد الحسم باتجاه أو بآخر، لا سيما في عام انتخابات التجديد النصفي الآتي بسرعة.

إدارة بايدن توصلت عملياً إلى اتفاقيات غير معلَنة وغير موقَعة مع إيران على صعيد الدول الأربع المذكورة سابقاً والمعارضة الإيرانية. فريق بايدن لن يزلزل الأرض من تحت أقدام حلفاء طهران في المنطقة، لكن البيت الأبيض يخشى زلزلة الأرض تحت أقدام الحزب الديمقراطي في الانتخابات. لذلك يريد من إيران إعلاناً كبيراً على صعيد فيينا كي يكسب داخلياً وتتعزز صورته في الداخل. فهل تقبل إيران بما أخذته حتى الآن أم تحاول أن تحقق مزيداً من النقاط؟

الشطرنج الإيراني

يعلم النظام الإيراني أنه على قاب قوسين من تحقيق شروطه الجيوسياسية في المنطقة. ولكنه متردد في الالتزام بوضع برنامجه النووي والصاروخي تحت رقابة الغرب. فسر قوة الخمينيين تجاه نظامهم وميليشياتهم وأعضاء محورهم، هو ظهورهم كأقوياء وليس "كمستضعفين". لذلك يريدون التأكد من بقائهم في موقع مسيطر على المعادلة، وليسوا مسيطراً عليهم. ضف إلى ذلك أن طهران تريد التأكد من استمرار فريق بايدن في الكونغرس والبيت الأبيض. ما يعني أنهم ربما يخططون لاستمرار المعادلة الرمادية حتى نوفمبر 2022، ليقرروا ما إذا كان بايدن مستمر بسياسته إلى 2024، وربما لأربع سنوات إضافية. ولكن لا المعارضة في الولايات المتحدة ولا المنطقة قد تسمح بذلك. لذا فالإدارة في واشنطن والقيادة الإيرانية تمران في مرحلة حذرة. فهل تكتفي طهران بما حصلت عليه ام تخاطر بوضع شروط تعجيزية لشراء وقت إضافي؟