في نهاية الأسبوع الماضي، تفجرت ازمة دبلوماسية غير مسبوقة كادت ان تنتهي بمشكلات معقدة في العلاقة بين تركيا وعشرة من الدول الغربية.
يومها أصدر سفراء الدول العشر - الولايات المتحدة وألمانيا والدنمارك وفنلندا وفرنسا وهولندا والسويد وكندا والنرويج ونيوزيلندا - بيانًا مشتركًا يطالب تركيا بالامتثال لقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حقوق على رجل الأعمال التركي المسجون عثمان كافالا.
رد الرئيس رجب طيب أردوغان بقسوة على هذا البيان وقال إنه أوعز إلى وزارة الخارجية بإعلان أن السفراء العشرة هم أشخاص غير مرغوب فيهم على أساس أنهم تدخلوا في شؤون القضاء والداخلية المستقلة في تركيا.
وسرعان ما طفت قصة تلك الازمة من خلال وسائل الاعلام العالمية وفي الاوساط السياسية، وطغت فجأة على جدول أعمال السياسيين من حول العالم.
حبس الجميع انفاسهم وان هذه الازمة خلاصتها تفيد بأن نقطة "اللاعودة" في علاقة تركيا مع الاتحاد الأوروبي قد تم الوصول إليها.
ومع ذلك، في 25 أكتوبر، نشرت سفارات الدول المعنية، بما في ذلك سفارة الولايات المتحدة على وجه الخصوص، بيانات واحدة تلو الأخرى. أعلن السفراء على حسابهم على تويتر أنهم "أكدوا مراعاة المادة 41 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية". بعبارة أخرى، أعلنوا أنهم لم يتدخلوا في الشؤون الداخلية لتركيا كما قال اردوغان بل عبروا عن موقف حضاري وانساني وفيه حث للحكومة التركية لإنهاء ازمة كافالا.
في الساعات التي تلت ذلك، قالت واشنطن إن إدارة بايدن تسعى للتعاون مع تركيا في أولويات مشتركة، وباعتبارها حليفًا في الناتو فإنها ستواصل استخدام الحوار لحل أي خلافات في وجهات النظر. وذكرت الولايات المتحدة أن أفضل طريقة للتطلع إلى الأمام هي التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك. وقالت واشنطن: "نعتقد أن لدينا الكثير من المصالح المشتركة مع تركيا ونعلم أن لدينا العديد من المصالح المشتركة".
هذا التصور منتشر على نطاق واسع في البلاد حتى أن أونال تشفيكوز، من حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي والسفير السابق لحزب الشعب الجمهوري، نقل وجهة نظر السفراء بما لا يبرر اية مواقف متشددة من طرف الحكومة التركية.
اردوغان من جانبه اراد ان يلقن البلدان المعنية درسًا من هذ، ولكن بالنسبة لأولئك الذين يريدون أن يفهموا، فإن عواقب الأزمة واضحة اذ سرعان ما ضربت الليرة وما لبث ان تراجع اردوغان بينما امتص الدبلوماسيون الصدمة لانهم يعملون في بيئة حفظوا فيها سلوك اردوغان عن ظهر قلب ولهذا لم يفاجؤوا بالفوضى التي احدثها وانعكست على الليرة فورا.
من جانب اخر كشفت الواقعة عن وجود دول من خارج الاتحاد الأوروبي مثل الولايات المتحدة وكندا ونيوزيلندا انها في خلاف مع تركيا وانها تساند المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وأن القضية ليست خلافا دبلوماسيا كما صورها اردوغان بل انها قضية قانونية.
ومن الملاحز بحسب المعارضة ان اردوغان سوف يكثر من اطلاق مثل هذه البالونات قبل انتخابات 2023، من خلال افتعال مشاكل وصراعات هنا وهناك لترميم شعبيته وشعبية حزبه.
وكإجراء انتقامي ضد السفراء العشرة أفاد موقع كرونوس الإخباري على الإنترنت أن المسؤولين الأتراك لم يدعوهم لحضور حدث في الرئاسة بمناسبة عيد الجمهورية.
حيث احتفلت تركيا يوم الجمعة بالذكرى الـ 98 لتأسيس الجمهورية التركية، وحيث أقيمت احتفالات رسمية وعامة في أنقرة وفي جميع أنحاء البلاد.
وأقيم احتفال في القصر الرئاسي في أنقرة للاحتفال بيوم الجمهورية الذي كان من المعتاد دعوة السفراء إليه.
إلا أنه تم إبلاغ السفارات العشر قبل المراسم بأنها لن تتم دعوتها لحضور احتفال يوم الجمهورية على ما يبدو بسبب التوتر الأخير الناجم عن دعوتهم للإفراج عن عثمان كافالا من السجن.
وبدأت المواجهة الدبلوماسية عندما أصدرت السفارات العشر - بما في ذلك سفارات ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة - بيانًا غير عادي في 18 أكتوبر يدعو إلى حل "عادل وسريع" للقضية القانونية ضد كافالا.
أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي كان قد هدد السفراء يوم الخميس الماضي معلناً أن السفراء العشرة أشخاص غير مرغوب فيهم – مالبث ان أعلن يوم الاثنين، بعد اجتماع لمجلس الوزراء أفادت التقارير أن وزرائه نصحوه بشأن الوضع الاقتصادي. مخاطر تصعيد التوترات مع بعض أقرب حلفاء تركيا وشركائها التجاريين، لن يكون في صالح انقرة.
ينظر المؤيدون لكافالا على أنه رمز بريء لتعصب أردوغان المتزايد وتشدده المفرط ضد المعارضة السياسية منذ أن نجا من محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في عام 2016.
اما التطورات اللاحقة فقد تدفع قضية كافالا هيئة مراقبة حقوق الإنسان في مجلس أوروبا إلى بدء أولى جلسات الاستماع التأديبية ضد تركيا في اجتماع يستمر أربعة أيام وينتهي في 2 ديسمبر.
وكانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد قضت في ديسمبر 2019 بأن الحبس الاحتياطي المطول لكافالا ينتهك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وأمرت بالإفراج عنه فورًا.
مما اثار سخط اردوغان والحكومة التركية حيث تحول الصراع بين كافالا واردوغان الى صراع شخصي حيث ان اردوغان هو الذي عطل وما يزال يعطل اية اجراءات للافراج عن كافالا.