ولدت الكاتبة الدنماركية سارة عمر قبل 34 عاما في صخب الحرب في أقليم كوردستان العراق، وهي تفضح في كتبها العنف الذي يلحق بالنساء باسم قيم منسوبة للإسلام، التزاما منها بقضية فرضت عليها العيش في ظل حماية متواصلة.
ويتزايد عدد اللاجئين أو طالبي اللجوء إلى أوروبا من العرب يوما فآخر، نظرا إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الصعبة في منطقة لا تهدأ فيها الصراعات والعنف والحروب، وخاصة مع تواتر موجات الإرهاب وترهيب كل المختلفين في العقيدة أو الرأي أو العرق باسم الدين، فشهدت دول مثل العراق وسوريا مجازر بشعة راح ضحاياها الآلاف من الأبرياء.
وكانت النساء والأطفال من أكثر ضحايا الحروب تضررا، فشهدت مناطق سيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي جرائم سبي واغتصاب وقتل وقف أمامها العالم مشدوها لبشاعتها، فيما خير الكثير من الكتاب العرب الصمت، بينما قرر آخرون عرب أو من أصول عربية أو كوردية أن يتصدوا لأهوال الواقع بأقلامهم، مثل عمر.
تقول عمر في مقابلة معها في كوبنهاغن “كسرت المحرمات، إذ تناولت في كتاباتي وفي حديثي أمورا يفترض بنا الصمت عنها لأن المجاهرة بها تنطوي على مخاطر. لكن إن لم أفعل ذلك أنا، فمن سيفعل؟”.
وبيعت أكثر من مئة ألف نسخة في الدنمارك من روايتها الأولى “غاسلة الموتى” التي صدرت ترجمتها الفرنسية مؤخرا، وهي إنجاز حقيقيّ في البلد الواقع في أوروبا الشمالية والبالغ عدد سكانه 5.8 مليون نسمة.
وحصد الكتاب إشادات كثيرة باعتباره “مي تو للمسلمات”، تيمنا بحركة “مي تو” (أنا أيضا) التي أطلقتها النساء عبر العالم ضد التعديات الجنسية.
وحركة “مي تو/ أنا أيضا” المناهضة للتحرش والعنف ضد المرأة نشأت في خريف عام 2017، وقد أطلقتها الممثلة الأميركية أليسا ميلانو كوسم عبر حسابها على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي. وحظي الوسم بتفاعل عالمي أججه قيام عدد من النساء برواية قصص تحرّش تعرضن لها في حياتهن. وقد تحول الوسم إلى انتفاضة نسائية عمت أرجاء العالم، لاسيما بعد فضيحة هزت هوليوود إثر تقارير عن قيام المنتج السينمائي الشهير هارفي وينستن بالتحرش على مدى ثلاثين عاما.
وتفصّل الكاتبة الشابة في أعمالها، كما في حديثها العام، أعمال العنف التي تمارس ضد النساء والأطفال من اغتصاب وسوء معاملة وجرائم “شرف” كما توصف بصورة عامة، وهي ترتكب خلف أبواب موصدة، فتثير بتناولها هذه القضايا استياء شريحة متطرفة من مسلمي الدنمارك، ما حتّم فرض حماية لها.
يروي كتاب عمر الصادر عام 2017 قصة فرميسك، وهي امرأة يعني اسمها “دمعة” باللغة الكوردية، منذ ولادتها، على غرار الكاتبة في السليمانية بكوردستان العراق عام 1986، وحتى رقودها في سرير مستشفى في الدنمارك عام 2016، حيث التقت طبيبة متدرّبة شابة كوردية هي أيضا، تواجه في حياتها معضلة ما بين رغبتها في التحرر وسيطرة والدها عليها.
وبادرت الروائية نساء عديدات، معظمهن مسلمات يعانين ما بين تحرر البلد الذي تربين فيه وقيم عائلاتهنّ المحافظة، بشكرها لتعبيرها عن معاناتهنّ من خلال ما عاشته شخصيتها فرميسك وأقرباؤها.
وتوضح عمر “كتبي أطلقت حركة لا تزال فاعلة جدا بين النساء، وخصوصا المنحدرات منهنّ من أصول مسلمة، في إسكندينافيا، لأنهنّ ماثلات في شخصيات رواياتي ومواضيعها”.
وتروي الكاتبة بتأثر كبير “ثمة ردّ فعل كان له وقع شديد عليّ إلى حدّ البكاء، حين اقتربت مني امرأة ما بين الخامسة والأربعين والخمسين من العمر، وهمست في أذني ‘شكرا لمنحي صوتا'”.
والكاتبة مناضلة على غرار بطلتها، وعانت من الموضوع شخصيا إذ اغتصبها عمها حين كانت طفلة، غير أنها تتفادى الكلام عن حياتها، وهو موقف برره مساعدها بأنه ناجم عن “وضعها الأمني”.
سارة عمر تتناول في كتبها أمورا دينية واجتماعية يصمت الكثيرون عنها لأن المجاهرة بها تنطوي على مخاطر
كانت سارة عمر في الخامسة عشرة عندما وصلت إلى الدنمارك، بعدما قضت سنوات في مخيمات اللاجئين. وهي تتقاسم مع بطلتها خصلة بيضاء في شعر أسود كالليل. روت أنها تزوجت في الماضي وأنها “أمّ لفتاة تم قتلها”. وقد بدأت كتابة قصة فرميسك خلال مكوثها في مستشفى للأمراض النفسية بعد إقدامها على عدة محاولات انتحار.
والكتابة بنظرها ليست “حلما، بل أراها بمثابة اعتناق قضية، لأنني ضحيت بكل شيء في سبيلها”.
وبالرغم من التهديدات، ترفض هذه “المسلمة غير المقتنعة بالدين” مهاجَمَة الإسلام، مشددة على البعد الشامل لرسالتها.
وتقول “كل ديانة توحيدية لها جانب مظلم وجانب مضيء. الإسلام أيضا لديه هذا الجانب المظلم، لكنه يترك مجالا للتأويل. كل شيء يتوقف على من يقرأ الكتاب”.
وفي بلد يواجه مخاطر انطواء المجموعات على ذاتها، ولا يزال تحت وطأة قضية رسوم النبي محمد، تدافع عمر دفاعا مستميتا عن حرية التعبير.
وتقول “طالما أن لدينا أشخاصا يهددون الكتّاب، وأن هناك من يقتل من أجل حق استخدام الكلام فهذا يعني أننا نواجه مشكلة”. وصدر لها جزء ثان من قصة فرميسك حصل أيضا على جوائز في الدنمارك.
وتقول المرأة بصوتها المنخفض “لم أنته من قصة فرميسك لأنني أعتقد أنها أكثر من طفلة تعرضت لسوء المعاملة وامرأة مقموعة، إنها مقاومة، وأنا بحاجة لكتابة بقية قصتها”.
وتعمل الكاتبة حاليا على ترجمة روايتها إلى الكوردية والعربية وتعتزم نشرها على نفقتها الخاصة لمنع خضوعها لأي رقابة. وهي تواصل في الوقت نفسه إعداد ماجستير في العلوم السياسية.