Ana içeriğe atla

شبح سليماني يخيم على التوتر الأميركي-الإيراني 

صورة قاسم سليماني
AvaToday caption
قال مسؤولون في البيت الأبيض إن ترامب سوف ينفذ تهديده في حال تسبب أي هجوم صاروخي بقتل مدنيين أو عسكريين أميركيين في العراق قبل تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في العشرين من يناير المقبل
posted onDecember 29, 2020
noyorum

هشام ملحم

بدأ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سنة 2020 في الشرق الأوسط بالمجازفة بتصعيد عسكري خطير مع إيران بعد أن أصدر أوامره بقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني خلال زيارته إلى بغداد في الثالث من يناير. وقتل أيضا في الغارة الجوية قرب مطار بغداد الدولي أبو مهدي المهندس، نائب قائد قوات الحشد الشعبي التي تمولها وتدعمها طهران. قرار ترامب ألحق نكسة كبيرة بإيران والميليشيات التي تدور في فلكها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، نظرا لأهمية الدور الذي كان يلعبه سليماني في التنسيق مع هذه التنظيمات المسلحة خاصة وأنه كانت تربطه علاقات شخصية وثيقة مع قادتها.

ومع أن إيران وعدت برد عقابي كبير، إلا أنها اكتفت برشق صاروخي ضد قاعدة عسكرية عراقية كانت تنتشر فيها قوات أميركية. الأميركيون اكتشفوا الصواريخ فور انطلاقها من مرابضها ولجأوا إلى الملاجئ قبل وصول الصواريخ، ما أدى إلى تفادي إصابات قاتلة. ومع أن بعض الجنود الأميركيين تعرضوا لاهتزازات في المخ، إلا أن الرئيس ترامب قلل من أهميتها، لأنه مثل القيادة في طهران لم يكن يرغب بالدخول في مواجهة عسكرية مكلفة مع إيران. الآن ومع اقتراب 2020 من نهايتها، ومع اقتراب ترامب من نهاية ولايته في البيت الأبيض، عاد التوتر من جديد إلى العلاقات الأميركية-الإيرانية.

ويوم الأربعاء الماضي، أصدر ترامب تحذيرا لإيران بأنه سيحاسبها "إذا قتل أميركي واحد" في الهجمات الصاروخية التي تعرضت لها السفارة الأميركية في بغداد يوم الأحد الماضي. تحذير ترامب جاء في سياق تغريدة تضمنت "نصيحة صحية لإيران" للتوقف عن هذه الهجمات الصاروخية التي تقوم بها ميليشيات تابعة لإيران. وجاء التحذير عقب اجتماع لكبار مساعدي ترامب المعنيين بالسياسة الخارجية والأمنية لمناقشة الوضع الأمني المتدهور في بغداد. وكان مسؤولون في القيادة المركزية التي تشرف على القوات الأميركية في الشرق الأوسط قد وصفوا القصف الصاروخي للسفارة بأنه الأسوأ خلال عقد من الزمن، وبأنه كان يهدف إلى إلحاق الخسائر البشرية ولم يكن رمزيا أو استعراضيا، وأن الجهة التي نفذته تابعة لإيران.

وقال مسؤولون أميركيون إن المسؤولين البارزين الذين اجتمعوا بترامب وكان من بينهم وزير الدفاع بالوكالة كريستوفر ميلر، ووزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي روبرت أوبرايان، سيقدمون قريبا لترامب طائفة من الخيارات لردع أي هجمات إيرانية وأن الخيارات هذه ليست مصممة لمزيد من التصعيد.

وكان الرئيس ترامب قد ناقش مع مساعديه في منتصف نوفمبر الماضي ما إذا كانت لديه خيارات عملية لقصف المنشآت النووية الإيرانية في الأسابيع المتبقية له في الحكم، ولكن مساعديه ومن بينهم نائبه مايك بينس ووزير خارجيته مايك بومبيو نصحوه بأن مواجهة إيران عسكريا في هذا الوقت بقد تكون لها مضاعفات من الصعب احتوائها بسرعة. الاجتماع جاء بعد يوم من إعلان وكالة الطاقة النووية أن إيران تزيد من إنتاجها من المواد النووية بنسب أعلى بكثير من تلك المسموح لها بإنتاجها في الاتفاق النووي التي أبرمته إيران عام 2015 مع الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي وألمانيا، والذي انسحب منه الرئيس ترامب في 2018. ورأى بعض المحللين أن ترامب يريد من خلال أي ضربة يمكن أن يوجهها لإيران في هذا الوقت أن يقوض أي فرصة لإحياء الاتفاق النووي السابق أو تعديله، كما يأمل الرئيس الأميركي الجديد.

وقال مسؤولون في البيت الأبيض إن ترامب سوف ينفذ تهديده في حال تسبب أي هجوم صاروخي بقتل مدنيين أو عسكريين أميركيين في العراق قبل تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في العشرين من يناير المقبل. وفي الأسابيع والأيام الأخيرة اتخذت السفارة الأميركية في بغداد وكذلك القوات الأميركية المنتشرة في العراق إجراءات احتياطية إضافية تحسبا لأي هجمات تشنها الميليشيات العراقية، التي تدعمها إيران، بمناسبة الذكرى الأولى لعملية قتل سليماني. المسؤولون الأميركيون في واشنطن أيضا يراقبون بقلق هذه الذكرى.

وفي الأسابيع الماضية، طلبت القيادة المركزية نشر قاذفات استراتيجية من طراز ب-52 في بعض قواعدها في المنطقة. وحلقت هذه القاذفات من قواعدها الأميركية وتزودت بالوقود في الجو قبل هبوطها في المنطقة، كما وصل سرب من الطائرات المقاتلة إلى قاعدة في السعودية، كما قررت وزارة الدفاع إبقاء حاملة الطائرات نيميتز في مياه المنطقة قرب إيران.

وأعلنت وزارة الدفاع عن إرسال غواصة مزودة بصواريخ من طراز توماهوك التي يصل مداها إلى 2400 كلم لمنطقة الخليج. وآخر مرة أطلقت الغواصات الأميركية هذا الصاروخ في المنطقة، كانت عام 2018 حين أطلقت 66 صاروخا ضد منشآت كيماوية في سوريا.

وفي رسالة تحذير علنية لإيران، أرسلت إسرائيل، الأسبوع الماضي، غواصة إلى منطقة الخليج عبر قناة السويس، تحسبا لأي إجراء عسكري إيراني للانتقام لقتل العالم النووي محسن فخري زاده، في نوفمبر الماضي، الذي اتهمت إيران إسرائيل باغتياله.

المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون يقولون إن هذه الحشود العسكرية مصممة لردع إيران، ولكن من الواضح أن هذه الحشود والتحركات العسكرية منسقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، وربما مع دول خليجية أخرى.

ويرى بعض المحللين الذي يراقبون السياسة الإيرانية عن كثب، أن طهران التي ضغطت مؤخرا على الميليشيات التابعة لها في العراق بعدم المجازفة وتفادي أي إجراءات قد تدفع بالرئيس ترامب للرد العسكري، تريد تفادي أي تطور يمكن أن يقيد من حرية تحرك الرئيس المنتخب بايدن في المستقبل. الأسابيع الأربعة المقبلة قد تشهد تطورات مفاجئة وخطيرة، وخاصة إذا كان هناك فلتان أمني في العراق. ولكنها يمكن أيضا أن تبقى حافلة بالتوتر، وألا يترجم هذا التوتر إلى عمل عسكري.

خلال سنواته الأربعة في الحكم، اعتمد الرئيس ترامب سياسة "الضغوط القصوى" الانتقامية ضد إيران، وهي مبنية على تكبيد إيران خسائر اقتصادية ضخمة لإرغامها على تغيير سلوكها. هذه السياسة حرمت إيران من تصدير نفطها، لأن العقوبات الأميركية تطال أيضا الدول الأخرى التي تتعامل تجاريا مع إيران، كما ألحقت بالعملة الإيرانية خسائر فادحة. وعلى الرغم من أن النظام الإسلامي الإيراني واجه خلال السنوات الماضية سلسلة من التظاهرات الاحتجاجية بسبب الأزمة الاقتصادية والفساد المستشري في أجهزة الحكومة، فإن النظام واجهها بالقمع والترهيب.

ولكن الضغوط القصوى الأميركية لم ترغم طهران على تعديل سياستها المتطرفة والتخريبية في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وحتى عندما هاجمت إيران منشآت النفط السعودية في أبقيق عام 2019 بالصواريخ والطائرات المسيرة وألحقت بهذه المنشآت أضرارا كبيرة، بقي الرد الأميركي منحصرا بإرسال الطائرات الحربية وصواريخ باتريوت المضادة للصواريخ، في خطوة أوضحت للسعوديين أن ترامب لا يريد الدخول في مواجهة عسكرية جدية وبعيدة المدى ضد إيران. هذا لا يعني أن ترامب لن يستخدم الخيار العسكري المحدود ضد إيران إذا تسببت هجماتها في العراق بقتل أميركيين، وهو الخيار المحدود الذي استخدمه مرتين ضد سوريا وألحق بها أضرارا عسكرية محدودة.

غياب البعد السياسي والدبلوماسي عن أسلوب "الضغوط القصوى" العقابي المحض، ربما يفسر إخفاق ترامب في الحصول على تنازلات حقيقية من إيران داخلية وإقليمية. خلال الفترة التي سبقت الاتفاق النووي الموقع في 2015، قامت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما بإقناع الدول الغربية وروسيا والصين بفرض الضغوط الاقتصادية والسياسية على طهران، ما أرغم النظام الإسلامي على الدخول في مفاوضات طويلة مع واشنطن بدأت سرية، وانتهت علنية وجماعية وأدت إلى الاتفاق. طبعا، الاتفاق كان ناقصا، ولم يتضمن فترات أطول لتجميد عمليات تخصيب اليورانيوم وغيرها من القيود على تطوير القدرات النووية الإيرانية، كما أن إحدى أكبر الفجوات فيه كانت عدم شموله لأنظمة الصواريخ الباليستية الإيرانية. ويبقى الإخفاق الأكبر لإدارة أوباما هو في رفضه ردع ومواجهة سياسات إيران التخريبية وممارساتها العدائية ضد مصالح الولايات المتحدة وأصدقائها في المنطقة كما فعلت في السابق الحكومات الأميركية من جمهورية وديمقراطية في مفاوضاتها النووية مع الاتحاد السوفياتي.

خلال فترة الحرب الباردة، أبرمت الولايات المتحدة سلسلة من الاتفاقات النووية للحد من الأسلحة النووية مثل  "محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية" SALT  و"اتفاقية تخفيض الأسلحة الاستراتيجية" START وغيرها من الاتفاقيات المعنية بالصواريخ ذات المدى المتوسط وغيرها، وذلك في الوقت الذي واصلت فيه واشنطن التصدي للسياسات العدائية والسلبية لموسكو من أميركا الوسطى إلى أنغولا، وانتهاء بأفغانستان، حيث ساهم تسليح الولايات المتحدة وحلفائها للمجاهدين الأفغانيين، بإلحاق هزيمة عسكرية بالاتحاد السوفياتي وانهياره لاحقا. الرئيس أوباما رفض نصائح بعض كبار مساعديه للتفاوض مع إيران، ولكن في الوقت نفسه التصدي لها وردعها في العراق وسوريا ولبنان.

أوباما كان مخطئا حين كان يبرر موقفه الفاتر من سياسات إيران التخريبية بالقول إنه لا يريد أن يدفع بالنظام الإيراني للانسحاب من المفاوضات النووية، التي اعتقد، عن خطأ أيضا، أنها ستكون "جوهرة" إنجازاته في منطقة الشرق الأوسط. ولكن ما هو صحيح أيضا، هو أن الرئيس ترامب لم يكن معنيا أو مهتما بجدية في التصدي للسياسات الإيرانية التخريبية ذاتها في الدول العربية، كما أن ترامب لم يتعلم أي شيء من أوباما، وتحديدا أهمية تشكيل ائتلاف دولي للضغط بفعالية على دولة يحكمها نظام طاغ مثل النظام الإسلامي في طهران.