Skip to main content

أهوار العراق مهددة بإزالتها من قائمة التراث العالمي

أهوار العراق
AvaToday caption
كانت الأهوار، حسب اعتقاد بعض الباحثين، موطناً للسكان الأصليين، والموقع الذي يطلق عليه العهد القديم "جنّات عدن"، والمكان الذي ظهرت فيه ملامح السومريين وحضارتهم، كما تبين الآثار والنقوش السومرية المكتشفة
posted onMay 10, 2020
nocomment

الأهوار مسطحات مائية كبيرة في العراق، يزيد عددها عن الخمسين، أكبرها هور "الحمّار" الذي يمتد من بلدة "سوق الشيوخ" في محافظة الناصرية إلى ضواحي البصرة عند شط العرب، يليه هور "الحويزة" الذي يقع بين محافظتي العمارة والبصرة، ويفصل بين العراق وإيران. وكلاهما يتغذيان من نهري دجله والفرات وغيرهما من الأنهار.

تُعد الأهوار نظاماً بيئياً متكاملاً فريداً من نوعه في الشرق الأوسط، وتتسع مساحة الأراضي المغطاة بالمياه وقت الفيضان في أواخر الشتاء وخلال الربيع وتتقلص أيام الصيهود، وتتراوح مساحتها بين 35- 40 ألف كيلو متر مربع. وقد أطلق العرب عليها قديما اسم "البطائح" لأن المياه تبطّحت فيها، أي سالت واتسعت في الأرض وكان ينبت فيها القصب. أما التسمية الشعبية لها في العراق فهي "الجبايش". 

يعيش سكان الأهوار، منذ آلاف السنين، في بيوت مصنوعة من القصب على جزر صغيرة طبيعية أو مصنعة، ويربّون الجاموس والبقر، ويستخدمون نوعاً من القوارب، ذات الأصل السومري، يسمونه "المشحوف" في تنقلهم وترحالهم. وتوجد في الأهوار ثروة كبيرة من الأسماك والطيور.

وتضم النبتات أكثر من 26 نوعاً من الأسماك، وتشهد في كل موسم قدوم أسراب كثيرة من الطيور المهاجرة، قاطعةً آلاف الأميال هرباً من صقيع سيبيريا ودول آسيا وسواحل شمال أوروبا في فصل الشتاء، واعتاد سكان البصرة والعمارة والناصرية على مشاهدة عشرات الأسراب من تلك الطيور وهي تقطع سماء مدنهم. أما البط فهو يفضّل المكوث والتكاثر في أماكن ضيقة ومحددة وسط الهور، ويوجد نحو عشرة أنواع منه.

كانت الأهوار، حسب اعتقاد بعض الباحثين، موطناً للسكان الأصليين، والموقع الذي يطلق عليه العهد القديم "جنّات عدن"، والمكان الذي ظهرت فيه ملامح السومريين وحضارتهم، كما تبين الآثار والنقوش السومرية المكتشفة. وقد كُتب عنها العديد من الدراسات والأعمال الأدبية، وشكّلت فضاءً لإنتاجات سينمائية ومسلسلات تلفزيونية ولوحات تشكيلية، مثل كتاب "رحلة إلى عرب أهوار العراق" للرحّالة البريطاني ويلفرد ثيسيجر، وكتاب للمستشرق كالفن ماكسويل، الذي أطلق على المنطقة اسم "مملكة القصب"، وفيلمين للمخرج العراقي قاسم حول أحدهما بعنوان "الأهوار" والآخر بعنوان "قصة الأهوار"، وفيلم للمخرج الإسباني البرتو رودريغيز، وفيلم "زمان رجل القصب" للمخرج العراقي عامر علوان، ومسلسل "حفيظ" للمخرج السوري سامي جنادي.

 ومن الأعمال السردية التي اتخذت من الأهوار فضاءً وموضوعاً المجموعة القصصية "اليشن" لجمعة اللامي (1976). وتناول فهد الأسدي، في معظم مجموعاته القصصية وروايته "الصليب"، عوالم الهور، مستثمراً الأساطير والحكايات والخرافات المتوارثة والتقاليد الفولكلورية، ومزجها بالواقع المعاصر. واتخذ وارد بدر السالم الهور وشخصياته وحكاياته مادة لروايتيه "مولد غراب" و"شبيه الخنزير" بمنحى فانتازي يصور كفاح أناسه وكدحهم وصراعهم العنيد مع قوى القهر والعبودية. كذلك نجد أجواء الهور في رواية جاسم عاصي "مستعمرة المياه"، وفي العديد من قصصه، وقصص القاص نعيم عبد مهلهل.

في 17 يوليو/تموز عام 2016 وافقت لجنة التراث العالمي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، بالاجماع، على وضع الأهوار ضمن لائحة التراث العالمي كمحمية طبيعية دولية، إضافةً إلى المدن الأثرية القديمة الموجودة بالقرب منها، مثل "أور" و"إريدو" و"الوركاء"، واصفة إياها بأنها "ملاذ تنوع بيولوجي وموقع تاريخي لمدن حضارة ما بين النهرين". وقد اشترطت اليونسكو ترميم مناطق الأهوار وإزالة التجاوزات فيها، كما أكدت على ضرورة مراعاة وتسهيل عودة سكانها الأصليين، وتطوير الجانب السياحي. إلا أن أيّاً من هذه الشروط لم يتحقق خلال الفترة الماضية، ما زاد من مخاوف المسؤولين المحليين في المحافظات الجنوبية من إزالتها.

ومنذ ذلك التاريخ يتطلع أهل الأهوار إلى إجراءات تؤسس بنية تحتية لجعل "مملكة القصب" هذه محل اهتمام ثقافي وسياحي دولي، وتوفير سبل استثمار ثرواتها الطبيعية، وقد استبشروا خيراً بانعقاد ورشة عمل دعت إليها مؤسسة AMAR الخيرية الدولية والمركز العراقي للتنمية الإعلامية عام 2017، هدفت إلى وضع دراسة شاملة حول ذلك، وخرجت بتوصيات شملت إجراءات أبرزها: تقديم الخدمات لسكان الأهوار، خاصة التعليم والصحة وسبل العيش الكريم، وتوفير بنية تحتية لمتطلبات السياحة تناغم الطبيعة (سكن وتنقل ومطاعم وتسهيل اجراءات دخول السياح)، وإدخال مواضيع مثل اتفاقية التراث العالمي وإدارة المحميات الطبيعية ضمن مناهج التعليم، والحرص على تطبيق معايير المحميات وتجنب الصيد والممارسات المؤذية والضارة للحياة البرية والطيور المهاجرة. وقد تطلّب تنفيذ هذه التوصيات بذل جهود رسمية كبيرة من وزارات الثقافة والآثار والسياحة والبيئة والموارد المائية لتنفيذها، وعدم تحويل قرار اليونسكو إلى تنافس سياسي "محاصصاتي" سطحي، بينما الزمن يسابق في شأن المراجعة العالمية للإدراج، وتثبيته والبناء عليه

لكن الواقع يقول إن تلك التوصيات لم تُنفذ، للأسف، ولم تشهد مناطق الأهوار أي تطورٍ، سواء على الصعيد الخدمي أو العمراني، الأمر الذي يُهدد بإزالتها من اللائحة. وقد صف سكان مناطق أهوار الناصرية قبل بضعة أشهر وعود إنعاش وتطوير الأهوار التي أطلقها المسؤولون إبان الترويج لانضمامها للائحة التراث العالمي بالكذبة الكبيرة، وأكدوا أن الموازنات التي أُعلن عنها بعد انضمامها للائحة المذكورة لا تعدو كونها موازنات على الورق، ولا أثر لها على أرض الواقع. وقال رئيس منظمة "الجبايش" للسياحة البيئية رعد حبيب الأسدي لإحدى الصحف العراقية إن "مناطق أهوار الناصرية لم تشهد أي تغيير يذكر بعد انضمامها الى لائحة التراث العالمي، فالحكومة لم تقدم حتى الآن أي برنامج أو مشروع للنهوض بواقع الأهوار، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للسكان المحليين... وإن كل ما تم تقديمه لسكان الأهوار هو عبارة عن وعود غير حقيقية".