عاد الشارع العراقي إلى دائرة احتجاجات المناهضة للسلطة، حيث نظمت مسيرات احتجاجية الأحد في بعض المدن العراقية بعيد أيام من استلام رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي مقاليد الحكم، وشهدت مواجهات بين متظاهرين وقوات الأمن منهية نحو ثلاثة أشهر من الهدوء النسبي جراء انتشار فيروس كورونا.
وانطلقت الاحتجاجات الشعبية للمرة الأولى في بغداد ومدن الجنوب ذي الغالبية الشيعية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، للمطالبة بمكافحة الفساد والبطالة وتغيير الطبقة السياسية التي تحتكر الحكم منذ 17 عاماً.
لكن الانقسامات السياسية الداخلية وتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران والحظر المفروض بفعل تفشّي جائحة كوفيد-19، أنهى الحراك فعلياً مع بدابة العام 2020، رغم بقاء عدد من المتظاهرين في خيام منصوبة بساحات التظاهر بجميع أنحاء البلاد.
وبعد منح البرلمان الثقة الأسبوع الحالي لحكومة الكاظمي، أصدر الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي دعوات إلى تجديد التظاهرات، قائلين إن رئيس الوزراء الجديد كان جزءاً من نفس الطبقة التي يرفضها الشارع.
وقال مصور من وكالة فرانس برس إن "عشرات المتظاهرين تجمعوا ظهراً في ساحة التحرير، مركز الحراك الشعبي بوسط العاصمة بغداد، هاتفين "الشعب يريد إسقاط النظام!"، وقاموا برشق قوات الأمن بالحجارة وقنابل المولوتوف.
من جهتها، ردت القوات الأمنية بفتح خراطيم المياه والقنابل الصوتية والمسيلة للدموع، حين حاول المتظاهرون عبور الساتر المرفوع لإغلاق جسر الجمهورية المجاور الذي يؤدي إلى المنطقة الخضراء الشديدة التحصين التي تضم مقار حكومية وسفارات أجنبية.
وقال مصدر طبي، إن "عشرين متظاهراً أصيبوا بحالات اختناق جراء قنابل الغاز، من دون أي تقارير عن استخدام الرصاص الحي".
وفي الناصرية، مركز الاحتجاجات جنوباً، تجددت التظاهرات صباح الأحد لمطالبة الحكومة بالإسراع بتنفيذ وعودها بمحاسبة المسؤولين عن مقتل أكثر من 550 شخصاً خلال الاحتجاجات منذ أكتوبر/تشرين الأول، وإجراء انتخابات مبكرة وفق قانون جديد.
وقام المتظاهرون في المدينة بحرق الإطارات، وخوض مواجهات مع الشرطة التي استخدمت القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم.
في مدينة الكوت الجنوبية أيضاً، خرج مئات المتظاهرين منذ منتصف ليل السبت الأحد إلى مقرات الأحزاب السياسية، وأحرقوا مقر منظمة بدر ومنزل نائب من عصائب أهل الحق المقربة من طهران، بحسب مراسل فرانس برس.
وتعهد الكاظمي السبت بالإفراج عن المتظاهرين الذين اعتُقلوا على خلفيّة مشاركتهم في الاحتجاجات الشعبيّة، واعداً أيضاً بتحقيق العدالة وتعويض أقارب الضحايا.
كما تعهّد بـ"محاسبة المقصرين بالدم العراقي وتعويض عوائل الشهداء ورعاية المصابين".
وقرر أيضاً إعادة الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي إلى جهاز مكافحة الإرهاب وعيّنه رئيساً له، بعدما استبعده رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي.
ودعا الكاظمي أيضاً البرلمان إلى اعتماد القانون الانتخابي الجديد الضروريّ لإجراء الانتخابات المبكرة التي وعد بها سلَفه.
وتُقدّم الحكومة الجديدة نفسها على أنّها حكومة "انتقاليّة".
وقال محمد وهو طالب متظاهر عاد إلى التحرير الأحد "سنمنحه (الكاظمي) عشرة أيام لإثبات نفسه، وإذا لم تتم تلبية مطالبنا، سوف نصعد. اليوم هو رسالة".
من جهة أخرى أغلق مئات الموظفين بمحافظة البصرة جنوبي العراق الأحد ثالث أكبر حقول النفط في البلاد، بسبب تلكؤ شركة الخدمات اللوجستية في دفع رواتبهم.
وأفاد نجم الحسني أحد الموظفين المشاركين في إغلاق الحقل، أن "شركة (RPSG) المحلية العاملة في حقل (مجنون النفطي) والتي تتولى مسؤولية خدمات الإطعام للموظفين، لم تدفع رواتب 400 موظف لشهر إبريل/نيسان".
وأوضح الحسني أنه "على مدى الأيام الماضية تحدثنا مع محافظة البصرة وإدارة حقل مجنون النفطي للضغط على الشركة لدفع الرواتب، لكن لم يحصل ذلك حتى اليوم".
وتابع "ما دفعنا اليوم إلى إغلاق بوابة حقل مجنون النفطي الضغط على الجهات العليا لدفع رواتبنا، ولن ننسحب قبل ذلك".
ويعتبر حقل مجنون جنوبي العراق، من أكبر حقول النفط في العالم وتبلغ احتياطاته المقدرة من قبل وزارة النفط العراقية بـ12.6 مليار برميل.
وأبرمت وزارة النفط العراقية عام 2010 عقدا مع ائتلاف تقوده شركة (شل) العالمية لتطوير الحقل. وفي سبتمبر/أيلول 2017، تخلت الشركة عن حصتها في الحقل بالتفاهم مع الوزارة.
وكانت شركة شل (المشغل في الحقل) تمتلك نسبة 45 بالمئة من حقل مجنون، وتمتلك شركة 'بتروناس كاريغالي العراق هولدينغ' حصة 30 بالمئة، فيما يمتلك الشريك الحكومي العراقي نسبة 25 بالمئة.
ويحذر مسؤولون عراقي من انتشار أوسع لوباء كوفيد-19 في ظل عودة الاحتجاجات، داعين إلى العودة للعمل بقانون حظر التجوال الشامل.
وقال عبدالغني الساعدي مدير عام صحة بغداد/الرصافة وعضو خلية الأزمة الوزارية لمواجهة فيروس كورونا لصحيفة "الصباح" الصادرة الأحد، "قد تكون هناك حاجة ملحة إلى عودة حظر التجوال الشامل وأن خلية الأزمة تدرس إعادة النظر بحظر التجوال وهو مقترح مهم وجيد في ظل تزايد الإصابات بفيروس كورونا".
وأضاف الساعدي "ينبغي تطبيق إجراءات حظر التجوال الشامل على الأقل في أواخر أيام شهر رمضان وبعدها تكون هناك مراجعة لموضوع عيد الفطر".
وذكر "إذا بقيت الأمور كما هي سيبقى الفيروس موجودا ولن نصل إلى مرحلة الأمان وهو أمر لا نقبل به".
وأوضح "هناك زيادة في عدد الإصابات بسبب عدم التزام المواطنين بإجراءات الحظر الجزئي الوقائي وعدم الالتزام بالتباعد الاجتماعي والالتزام بالوصايا الصحية والتزاور الاجتماعي في عدد من المناطق".
وأكد المسؤول العراقي "كانت هناك مراهنة على وعي المواطن العراقي بالالتزام بالوصايا الصحية، لكننا لاحظنا أن عددا من المواطنين لم يلتزموا بإجراءات حظر التجوال الجزئي مع وجود المقاهي والتجمعات والملاعب وأن العراق كان مقبلا على إعلان الانتصار على فيروس كورونا، لكن الكسر وعدم التزام المواطنين بإجراءات الحظر أبطأ عملية السيطرة على الفيروس من خلال الالتزام بالضوابط وقد نجحت دول مجاورة بهذا الأمر".
وبحسب إحصائية لدائرة الصحة العامة بوزارة الصحة والبيئة في العراق فإن إجمالي عدد الإصابات ارتفع السبت إلى 2679 إصابة، فيما بلغ مجموع الوفيات 107حالات، كما ارتفع عدد حالات الشفاء إلى 1702حالة.