Skip to main content

حكومة استراحة أميركية إيرانية في العراق

الشارع العراقي وحده يحكم على الكاظمي
AvaToday caption
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية المعروف عنها أنها لا تنطق عن الهوى، فقد وصفت الكاظمي بأنه “رجل علماني وليبرالي ويتمتع بعلاقات قوية مع أميركا وإيران”.
posted onMay 10, 2020
nocomment

إبراهيم الزبيدي

واضح وبشكل جلي أن توليد الوزارة العراقية، هذه المرة، لم يكن على يد قابلة قادمة من طهران. كما أنه لم يكن طبخة أميركية أيضا بلحمٍ وعظم وشحم أميركي خالص، بل هو حاجة قاهرة أجبرت الطرف الأميركي، وهو المحاصر بكورونا وجو بايدن، والإيراني، وهو المحشور بين كورونا وعقوبات ترامب، إلى استراحة قصيرة لالتقاط الأنفاس ومراجعة الحسابات.

والناظر إلى حجم الاعتراضات الساخنة المجلجلة التي سبقت التصويت على وزارة مصطفى الكاظمي من أقوى الأطراف الشيعية المملوكة بالكامل للحرس الثوري الإيراني، وإلى الاشتراطات المشددة المرفوقة بتهديدات نارية كالها للمرشح الكاظمي الحزبان الكرديان إن لم يرضخ ويوافق على شروطهما، وإلى صحوة البطولة المباغتة التي ظهرت لدى التجمعات السنية ودفعتها إلى إعلان مخالفتها لأحزاب البيت الشيعي، واستعدادها لمنح الكاظمي ثقتها، وهي الطرف الأضعف في منظومة الحكم في المنطقة الخضراء، لابد أن يصل إلى قناعة بأن ما حدث يوم الأربعاء 6 مايو 2020 كان صفقة تنازل متبادل بين إيران وأميركا دفعت بالأطراف الرافضة أو المترددة إلى قبول التصويت لصالح الكاظمي، والتخلي عن شروطها السابقة بين ليلة وضحاها.

ففور انتهاء التصويت سارع وزير خارجية إيران جواد ظريف إلى نشر تغريدة على صفحته في موقع تويتر قال فيها: “إن إيران تقف على الدوام إلى جانب الشعب العراقي وانتخاب حكومته”.

ثم تغريدة أخرى من السفير الإيراني في العراق، إيرج مسجدي، على تويتر: “مبروك للسيد مصطفى الكاظمي ووزرائه، ومبروك للبرلمان العراقي للتصویت علی منحه الثقة لأغلبیة الحكومة”.

أما على الجانب الأميركي فقد سارع وزير الخارجية مايك بومبيو إلى تهنئة الكاظمي وإبلاغه بأن الولايات المتحدة ستعطي العراق استثناءً لمدة 120 يوما لمواصلة استيراد الكهرباء من إيران، وذلك لمساعدة الحكومة الجديدة على النجاح.

ثم أصدرت السفارة الأميركية في بغداد بيانا عاجلا قال فيه المتحدث الرسمي باسم السفارة “نُقدم دعمنا لرئيس الوزراء الكاظمي والشعب العراقي لمكافحة جائحة (كوفيد – 19) وتحقيق نصرٍ شاملٍ على داعش وتوفير المساعدة الإنسانية وتحقيق الاستقرار للنازحين والمناطق المحررة”.

وختمه بالقول “أتمنى للحكومة التوفيق في خدمة الشعب العراقي المحترم، وأتمنى السعادة للشعبين الإيراني والعراقي”.

أما صحيفة نيويورك تايمز الأميركية المعروف عنها أنها لا تنطق عن الهوى، فقد وصفت الكاظمي بأنه “رجل علماني وليبرالي ويتمتع بعلاقات قوية مع أميركا وإيران”.

ولخصت رأيها بالقول إن “الكاظمي الذي كانت مشاركته السياسية أكثرَ علمانية وانفتاحاً على المتظاهرين الذين تبنى كثيرون منهم مواقف معاديةً لإيران يُعتقد بأنه على استعداد لحمايتهم من الميليشيات المدعومة من إيران التي هاجمتهم وقتلتهم”.

وواضحٌ من هذه الإشارة، بالذات، أن الإدارة الأميركية تُراهن على عودة المتظاهرين إلى ساحات الاعتصام وحشر الكاظمي في الزاوية الضيقة وإجباره على الاصطفاف إما إلى الشعب العراقي المظلوم المنتفض وإما إلى ظُلامه وكلاء الولي الفقيه، وهو أمرٌ، لو حصل، سوف يشكل، من وجهة النظر الأميركية، مأزقا جديدا لإيران في العراق قد تتبعه مآزق أخرى لاحقة.

ومؤكد أن الجميع، إيرانيين وأميركيين وعراقيين، يعرفون أن الكاظمي مدين للمتظاهرين برئاسة الحكومة. وقد يصبحون، وليس غيرهم، العامل الأقوى والوحيد الذي يصنع فشله ثم رحيله، أو انضمامه إلى قائمة الحكام المحترمين حتى لو صوّت برلمان المحاصصة على طرده من الوظيفة.

فهناك أمور معينة عاجلة لا يمكن تأجيل البت فيها ولا تعويمُها أو خداع الجماهير بتبريرات مرفوضة مقدما، وهي، الانتخابات المبكرة، ومحاكمة قتلة المتظاهرين وعادل عبدالمهدي في طليعتهم، والإطاحة بكبار الفاسدين المعروفين جيدا من قبله باعتباره رئيس جهاز المخابرات، ثم ضبط سلاح الحشد الشعبي إن لم نقل سحبه منه وتسليمه للدولة، وتحرير القضاء العراقي من سطوة الأحزاب والميليشيات، والإسراع في تخفيف أعباء كورونا الصحية والاقتصادية والأمنية عن كاهل المواطن الفقير، دون تأخير.

ومؤكد أن العراقيين لن يقبلوا، بعد اليوم، إلا قراراتٍ وإنجازات عملية ملموسة جادة وشاملة وشجاعة تحقق مطالبهم المشروعة الملحة، وتؤمن لهم الحرية والعيش الكريم والأمن والأمان.

ولو افترضنا أن الكاظمي ووزراءه سيحاولون أن يكونوا عند حسن ظن شعبهم بهم فإن من الصعب عليهم تحقيق الإصلاحات المنشودة من خلال التعاون مع برلمان يُسيّره أصحابُ السلاح والمتهمون بالفساد والمعتمدون كليا على تدخل القوى والحكومات وأجهزة المخابرات الأجنبية.

والتجارب المريرة التي مر بها الشعب العراقي على طول سنوات حكم المحاصصة والفساد والغش والاحتيال علّمته كيف يرفض تمييع مطالبه، أو تخديرَه بقراراتٍ وإجراءاتٍ سطحية لا تشفي الغليل. ومن هنا سوف تبدأ المشكلة، ومن هنا أيضا سوف يتحقق لأميركا المراد.

كاتب عراقي